ألف ليلة ولية على الطريقة الإيطالية

13-09-2009

ألف ليلة ولية على الطريقة الإيطالية

نقصر أمرنا في هذا الفصل على تناول ثلاث حكايات من جملة المئة حكاية التي يتضمنها كتاب الديكاميرون. وفي تقديرنا فإنها تختزل أهم الإحالات على المجال العربي الذي يستحضرها الكتاب ويحيل عليها.

فلقد تضمنت الأولى إشارة صريحة إلى مدينة الاسكندرية، فجعلت منها إطارا مكانيا لعدد من أحداثها، واحتوت إشارات إلى العلاقات الدائمة التي كانت تربط بين مواني المتوسط خلال القرون الوسطى، فضلا على وظيفة السلطان، التي تمثل في هذه الحكاية رمزا مهما يدل على العدل والسماحة.الديكامرون.. تحفة أدبية تثير الخيال وتؤلب الأفكار

أما الثانية، فهي تجعلنا في ميناء سوسة التونسي حيث نقف على صفات النموذج الانساني الذي يمثله الآخر البربري "أو الموريسكي" بالنسبة إلى المخيال الايطالي في القرن الرابع عشر.

أما القصة الثالثة في تقديرنا فهي أشد وضوحا، وأكثر استحضارا للرموز العربية في المحيط المسيحي، خاصة أننا إزاء نموذج "صلاح الدين الأيوبي" الذي يمثل الرفعة والحلم والشجاعة، بل لعلنا نضيف اللطف والأناقة، حتى لكأننا بالراوي يتعامل معه باعتباره مثلا أعلى، يمكن أن يماثل، أو يتجاوز، أرقى النماذج الغربية في مجال السلطة، ورموزها العليا.

أما في "ألف ليلة وليلة" فإن الأماكن، مثل الأزمنة، لا تهدف إلى أي تخصيص بعينه. يقول محمود طرشونة في هذا السياق:
"ومن جهة أخرى فإن أسماء المواضع ليست مقرونة بوصف للمكان يمكن أن يوحي بلون محلي خاص، كذلك أسماء الأعلام، فهي تحور باستمرار"، بينما يبدو "الديكاميرون" ثابتا في المكان والزمان، أعلامه معلنة تنتسب إلى عصرها ومواضعها المعلومة.

هكذا فإننا مع "ألف ليلة وليلة" "إزاء" رقعة شطرنج تتحول فيها القطع بمناسبة كل عملية حكي جديدة أما "الديكاميرون" فلعبة سرد ذات إيقاع ثابت لا يتغير: وبينما تمتزج في ألف ليلة وليلة الأجناس الأدبية امتزاج الأجناس البشرية، فإنها في "الديكاميرون" أقرب إلى المنطق الخطي المسترسل.

نميز بين هذه الجوانب لغايات منهجية صرف حتى تظفر بجملة السمات المخصصة للمدونتين ونعمل على توظيفها في هذا الفصل المركز في دراسة مضامين الحكايات. في هذا السياق ينبثق كم هائل من الحكايا الصغرى والجزئية، تتفرع كل منها إلى مسارب أخرى أكثر أهمية. وهي في حالاتها جميعا ذات جدوى في رصد المعاني والدلالات في كل من المدونتين.

هنا مرتكز الأمر فيما نرى، امتزاج الخيال بالحقيقة، في مثل هذا المجال تدور مسألة المعنى حول العلاقات التي تشد الروايات إلى حيثياتها الاجتماعية الواقية، الجامعة بين المدون والشفوي.

هذه الوجهة في الإدراك تفضي بنا إلى استفهام واحد ذي حدين يتصل الأول بإمكان اختزال الائتلاف في مجموعة من المواضيع المحددة! ويتعلق الثاني بإمكان توسيع الاختلاف حتى يشمل كل أغراض المدونتين!

* القصة الأولى
"وتتمثل في وقوع "بيرنابيه دي جنوا" ضحية خداع "أمبروجيولو"، فيأمر بقتل زوجته البريئة، لكنها تنجو، وترتدي ملابس الرجال لتعمل في خدمة السلطان حيث تلتقي بالمخادع، فتأتي "ببرنابيه" إلى الاسكندرية، وبعد أن تعاقب المذنب ترتدي مجددا ثياب النساء وتعود، بثروة طائلة، مع زوجها إلى جنوا". فماهي صورة المرأة ههنا وماهي صورة الشرقي؟

أما الصورة الأولى فتبدو سلسلة إذ تغلب عليها فكرة العار، فالسارد يذكر في مستهلها: ".. وكان للثالث الرأي نفسه. فقال إن زوجاتهم وحيدات، ينتهزن الفرصة ولا يضيعن وقتهن. ولكن واحدا منهم.. أبدى رأيا مخالفا". فلنقل تبعا لنسبة الواحد من أربعة، إن نسبة اتصاف المرأة بالأخلاق الحسنة "في نظر "بوكاشيو"، أو في نظر الذائقة الاجتماعية الايطالية" لا تعدو أن تكون الربع تقريبا!

ولاشك في قسوة هذا الحكم، الذي يعامل المرأة معاملة جائزة، وهو ذاته الذي يمكن أن نخرج به من ألف ليلة وليلة، حيث تكون المرأة رمز النقائص كلها.

فلنؤكد أننا، سواء في المجتمع الغربي، أو المجتمع العربي، إزاء الموقف ذاته الذي يحط من منزلة المرأة، ويشملها بالعار والشنار"، ولا ينسب إليها أية قيم إلا في النادر القليل!

أما صورة الشرقي، فيمثلها "السلطان" في هذه الحكاية حيث يبدو أن أقل ما يمكن أن ينسب إليه لا يعدو أن يكون موصولا بالعدل. فهو ينصت بتريث لدعاوى عشيق "زنيفرا" وزوجها، أحدهما لطخ شرفها بأكاذيبه، وتسبب في إفلاس زوجها، والثاني وثق بدعاوى الغريب الزائفة أكثر من ثقته بما يعرفه من تجربته، فأمر بقتل المرأة وتركها طعاما للكلاب!

وتعلق "المرأة/ الضحية" على هذا الموقف بقولها تخاطب "السلطان": "ولأنكم تعرفون جيدا ما يستحقه كلامهما، فإنني أطلب منكم التكرم بالسماح لي بأن أتولى أنا معاقبتهما، وبهذا سأحكم على الخادع وأصفح عن المخدوع، كما أنني سآتي بتلك المرأة للمثول أمامكم".

فالمرأة على يقين من عدل السلطان وحسن تفهمه أمام خيانة المحتال، ووقوع الزوج في الفخ وتحريضه على قتلها. فهي تمثل نموذج المرأة الخيرة القادرة على الاقناع، والتي تستعمل ملكة العقل لإقناع الآخرين والتأثير فيهم. لذلك آثر السلطان أن يعفو عنها حتى تكون عبرة للشخصيات الايجابية الكثيرة التي يتناولها الكتاب.
تواصل زنيفرا مرافعتها:

"أنا يا مولاي زنيفرا الشقية، التي ترتدي زي الرجال منذ ست سنوات، ومن ذاقت الهوان بسبب هذا الوغد، وأسلمت للذئاب بسبب هذا الزوج القاسي"..

فما كان من السلطان إلا أن أكد أنه فعلا موئل العطف والحلم والعدل: ". أطرى سيرة زنبفرا المعروفة باسم "سيكورانو" وعاداتها الحميدة وأمر بإعطائها ملابس نسائية جيدة. ثم عفا عن "بيرنابيه"، بناء على رغبتها، من عقوبة الإعدام التي كان يستحقها. وحين تعرف بيرنابيه عليها، ارتمى عند قدميها طالبا منها المغفرة، فمنحته إياها، ثم أنهضته وقبلته بعذوبة".

إن السلطان هو الذات التي تولت إعادة الأمور إلى نصابها فكان، بالنسبة إلى السرد، بماثبة "المساعد" Adjuvant على سير الأحداث نحو نهايتها السعيدة بين الزوجين. قبل أن نراه يدعم موقفه بإجراءات تؤكد عدله وصلاحه:
- الحكم بالقتل على "أمبرجيوليو"
- نقل ثروته إلى المرأة
- إقامة وليمة كبرى، مع هدايا كثيرة ثمينة إلى الزوجين
- توفير سفينة لعودتهما إلى جنوة، حيث عادا ثريين سعيدين

وفي يقيننا فإن رفعة هذا الرمز الموصول بالسلطان، لا يمكن أن تنبثق من عدم، فهي أولا من قبيل النماذج الشائعة في "ألف ليلة وليلة" عن "الملك العادل" عموما، وهي ثانيا موصولة بنموذج "صلاح الدين الأيوبي" مثلما ستؤكده القصة الثالثة التي نتولى تحليلها أسفل هذا.

* القصة الثانية
"وتتمثل في وقوع "كوستانزا" في حب "مارتوشيو غوميتو"، وتسمع أنه قد مات، فتصعد يائسة إلى سفينة تحملها إلى سوسة. هنالك، تجد مارتوشيو حيا، فتعود معه، وقد صار غنيا إلى "ليباري". في هذه القصة الثانية نكون إزاء نماذج ملكية وأخرى شعبية مأخوذة من المجتمع التونسي، في مدينة سوسة حيث تؤكد العجوز الطيبة مخاطبة السيدة الشابة، أنت على مقربة من سوسة، في بلاد البربر.

فلقد تهادى بها المركب الصغير من سواحل إيطاليا حتى سواحل سوسة دون أن تدري، ووضعها القدر بإزاء هذه السيدة العجوز الطيبة" أصيلة "كارابريسا" التي خاطبتها تقول: ".. سآخذك يا كوستازا إلى بيت إمرأة مسلمة صالحة كثيرا ما أخدمها في ما تحتاجه، وهي سيدة مسنة ورحيمة وسأطلب منها أن تبقيك عنها، وأنا واثقة من أنها ستستبقيك وتعاملك كما لو أنك ابنتها، فقومي على خدمتها إلى أن يتيح لك الله مخرجا أفضل."

هكذا نستنتج أننا – ضمن هذا السياق – إزاء سيدة من أواسط الناس، مسلمة صالحة، عطوفة رحيمة.. سرعان ما انخرطت في البكاء، وهي عجوز هرمة، ثم قبلت الفتاة من جبهتها واقتادتها إلى بيتها حيث كانت تعيش مع نساء أخريات، دون رجل، وجميعهن يعملن في مشغولات يدوية من الحرير والسعف والجلد. فتعلمت الفتاة خلال ايام قليلة بعض تلك الأعمال، واستطاعت بلطفها أن تكسب عطف السيدة العجوز والنساء الأخريات، حتى إنهن ساعدتها في تعلم لغتهن بسرعة".

أما النموذج الملكي فيتضمن الإشارة إلى الحرب بين "الملك البربري" ونبيل غرناطي رغب في الاستحواذ على تونس تصل هذه الأنباء إلى سمع "مارتوشيو غوميتو" "حبيب الفتاة كوستانزا" فيقترح "حيلة فنية" لإعانة الملك البربري في حربه، وكان "رجلا حكيما، إذ أعجبته النصيحة".

نكون في هذا النموذج الثاني إزاء شخصيات تنتمي إلى المستويين: الملكي الرفيع والشعبي المتوسط، وهي كلها ترفع من شأن العربي "أو البربري في تسمية أهالي إيطاليا للتونسيين" إذ تضيف إلى صفاته الحكمة، وقبول النصيحة، وإعانة المحتاج، ونجدة الضعيف.

* القصة الثالثة
"يلقى صلاح الدين، وهو متنكر بزي تاجر، تكريم السيد "توريللو" وحسن ضيافته، وفيما بعد ينضم تورللو إلى حملة صليبية، ويحدد لزوجته فترة مضبوطة يمكنها أن تتزوج بعدها إذا هو لم يرجع، فيقع أسيرا في الحرب، ويقدم إلى السلطان باعتباره بارعا في تدريب صقور الصيد، فيتعرف السلطان عليه، ويعرفه بنفسه، ويكرمه تكريما عظيما، يصاب السيد توريللو بالمرض، فينقل – بفضل فنون السحر – في ليلة واحدة، إلى زوجته من جديد، فتتعرف عليه، ويعودان معا إلى بيتهما".

تمثل هذه القصة الثالثة قمة النماذج التي انعطفنا عليها بالتحليل. فهي تجمع بين الملوك، وحاشيتهم من القواد والوزراء، والنبلاء، بين مصر والبلاد الايطالية، حيث نجد صدى صريحا للقصة الأولى "من خلال شخصية السلطان صلاح الدين" وحضورا واضحا للحروب الصليبية التي بوأته في مستوى الذائقة الشعبية عند الغربيين منزلة عليا.

وفي اعتقادنا فإن لوظائف الشخصيات في "الديكاميرون" دلالات بعينها بينما تبدو مختلفة تماما في كتاب "ألف ليلة وليلة"، إن تنهض بوظائف أخرى مطلقة لا تنسب إلى مكان أو زمان بعينه، كما لا تحيل على مجتمع معين، فكأنها تحيل على الإطلاق ورموز الجمال والخير والعدل، أو دلالات الظلم والجور والحيف.

"فالسلطان" رمز الرفعة المطلقة، عدلا وحلما، ومقدرة وهو يجازي النبيل الايطالي أحسن جزاء، رداعلى ضيافته التي ارتفعت إلى أعلى مستويات اللياقة والاحتفاء والمعرفة بآداب مخاطبته الملوك ومعاملتهم. فما كان من السلطان إلا أن أمر بإقامة حفلة كبرى، وألبس النبيل الايطالي ثيابا ملكية، وقدمه إلى رجاله البارزين، وبعد أن أطرى أمامهم مطولا شهامته وكرمه، أمر الجميع بأن يعاملوه بالتبجيل نفسه الذي يعاملونه به هو ذاته.

ذلك الصعود المفاجئ إلى ذروة المجد جعل السيد "توريللو" ينسى لبعض الوقت حياته في "لومباردي"..

فالسلطان مجددا "مثلما رأينا ذلك في القصة الأولى" يبدو مصدرا للرفعة والعدل، إضافة إلى سمات اخرى يمكن أن نجدها في معسكر المسلمين، وينبغي أن نشير إليها، ومنها خاصة "انتشار السحر" وقدرة الطب على التنويم، واندماج العلم بما فوق الطبيعة:
".. حضر طبيب يحمل دواء قال إنه مقو ولابد للسيد توريللو من أن يتناوله. ولم تمض سوى لحظات قليلة حتى غرق في سبات عميق. فأمر صلاح الدين بنقله وهو نائم، ووضعه على سرير فخم". فيرتفع نموذج السلطان،.. مرادفا للقدرة المطلقة على التنقل بين جهات الأرض، بينما يبدو نبلاء ايطاليا بمثابة "خدم أوفياء" له.

هكذا ينتهي نظرنا في القصص الثلاث، فنرى أنها كلها كانت قد اختزلت في القصة الثالثة من اليوم الأول حيث "يروي اليهودي "ميلكياديس" قصة ثلاثة خواتم، ينجو بفضلها من فخ ذكي نصبه له السلطان".

والسلطان مجددا هو "صلاح الدين" الذي رفعته شجاعته من رجل عادي ليغدو "سلطان بابل" ويحرز انتصارات كثيرة على ملوك المسلمين والمسيحيين، قد انفق ما في خزائنه على حروبه الكثيرة وبذخه الواسع، واحتاج إلى مقدار من المال.. فأشار إلى يهودي عسى ان يقبل أن يقرضه – بفضل حيلة ابتدعها".

فأجاب اليهودي: ".. الخواتم الثلاثة متشابهة، لا يمكن التمييز بينها ومعرفة أيها الحقيقي، الخاتم الحقيقي "يرمز إلى كل واحدة من الديانات الثلاث" بقي وضعه معلقا فكل واحد تلقى ميراثه وشريعته الحقيقية، وعليه الالتزام بتنفيذ تعاليمها، لكن القضية لا تزال معلقة، مثلما هي الحال في مسألة الخواتم الثلاثة".

نقع ههنا على موقف متسامح يلتزم بالتعامل مع الديانات الثلاث تعاملا قائما على الحياد، خاصة أن صلاح الدين".. قد رد بعد ذلك دين الرجل، وأضاف إليه هدايا وعطايا كثيرة، واعتبره صديقا له على الدوام".

فلعلنا نستنتج إذن أن السارد – ووراءه "جيوفاني بوكاشيو" - يقف موقفا متوازنا من الديانات الثلاث، رغم قرب العهد بالحروب الصليبية وتداولها.. بين الضفتين الشمالية والجنوبية، فإذا ضممنا هذا الاستنتاج إلى غيره مما خرجنا به من نظرنا في هذه الحكايات المبثوثة ضمن نسيج مجموعة "بوكاشيو" انتبهنا إلى أنها يمكن أن تختزل في عدد من الإشارات.

- الصلة بين الديانات الثلاث
- تداول الحروب والانتصارات عادي طبيعي
- رفعة نموذج التونسي البربري، أو الاسكندراني العادي
- سمو نموذج السلطان "صلاح الدين الأيوبي على الخصوص".
- تدني رموز المرأة عموما، واتصافها بنقائص الروح، واعتبارها "سيدة الحيل جميعا"!
- عدم الاستنكاف من ذكر بعض المشاهد المفضوحة، خاصة بالنسبة إلى القساوسة ورجال الدين "نموذج الكيتش".

- الحوار الدال بين كل من الديكاميرون، وحكايات ألف ليلة وليلة في البنية، والشخصيات، والأغراض فنرى الحضور العربي في حكايات "بوكاشيو" يتسم بالكثير من الايجابية التي تحيل على التكافؤ الصريح بين المدن الغربية، ومثيلاتها العربية.
بهذا نكون إزاء استحواذ صريح للأدب الايطالي على نماذج من القصة الشرقية المستقاة من ألف ليلة وليلة، إننا إزاء نوع من "التفكير على نحو آخر"، تغدو معه القصة العربية داخلة ضمن مجال سطوة الحكي الفلورنسي، بحيث تؤدي وظائف الترويح عن نفوس سيدات الطبقة العليا.

هكذا تتحول المعرفة بالآخر إلى إستدارجه نحو مجال الذائقة الخاصة، وتطويعه لأداء وظائف جديدة، فيصبح الحضور ضمن السياقات الأوروبية بمثابة استحواذ على النموذج المحاكى!

إننا إزاء نوع طريف من أنواع "المحاكاة"، يجعل المحاكي يجتهد – إلى آخر حدود الاجتهاد – في تمثل عناصر النص الأصلي "وهي تكمن هنا خاصة في خصال صلاح الدين الأيوبي، ووظائفه ضمن القيم العليا". بحيث يغدو الاستحضار متبادلا، والمحاكاة ثابتة يمارسها النص الايطالي على النص العربي، أو يمارسها النص الايطالي على الصورة التي يكون قد استقاها من النص العربي. وما ذاك إلا من قبيل تبادل الزيارات بين الاسكندرية والمدن الايطالية، ونشوء علاقة قبول مشتركة!

إن حضور الآخر ذو دلالة مهمة في "الديكاميرون"، وهو في تقديرنا يحيل على قبول متبادل بين شمال المتوسط وجنوبه، بينما يبدو في ألف ليلة وليلة مجرد إيهام بوظيفة عامة يعسر ضبطها.

إن مصنف "ألف ليلة وليلة" يستدعي معاني الجمال المطلق، ويعلن الخوف والرعب، ويحيل على الخير الذي لا حدود له، أما "الديكاميرون" فيستحضر شخصيات ذات وظائف محددة، لهذا تبدو صلته بالمرجع الواقعي أوثق وأوضح وأكثر ثباتا. وبينما تصاغ نفس الحكاية في أشكال مختلفة، داخل مصنف ألف ليلة وليلة، فإنها تؤدي في كتاب "بوكاشيو" وظيفة لا حياد عنها، ولا تغيير لها.

إن حكايات "ألف ليلة وليلة" حكايات خرافية، بينما حكايات "الديكاميرون" - رغم استنادها إلى الخيال – فإنها أقرب إلى المرجع الواقعي، ذلك أن كتاب "ألف ليلة وليلة" يعرض الأشخاص والمواضع والأزمنة على سبيل الرمز بينما يتولى "الديكاميرون" تقديمها على سبيل الإحالة الواقعية. لهذا اعتبرنا الشخصيات العربية التي تتحرك بين أرجائه شخصيات فعلية أو شخصيات محلية على الواقع.

وفي الإمكان تمثل وظائف الشخصيات باعتبارها متجانسة مع بنية القصة. هكذا تغدو وظائف الراوي والشخصيات الأساسية والمكان والزمان من قبيل الإسهام في صياغة البنية الفنية العامة، سواء للحكاية الإطارية أو الحكايات الفرعية.

وهكذا تفضي بنا هذه السبيل إلى أن نغمس قلمنا في باب الاختلاف خاصة بين المدونتين الغربية والعربية ونحن على يقين من أن الاختلاف سرعان ما يكشف فيما وراء اللغة المستعملة، وجوه التباعد الكثيرة بين نصوصنا.

صلاح الدين بوجاه

المصدر: العرب أون لاين


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...