أمين الريحاني: المشرقي الحق وأول كاتب عربي وأميركي
هي فردية أمين الريحاني في «كتاب خالد» 1911 التي عانت صراعات الشرق والغرب، وبتجاوز الفوات الحضاري للنرجسية العربية المجروحة، جاءت «بشبهة نبوية « استلهمتها من ملحمة إله الشمس، وهرميس المثلث العظمة، وسجلات توت الذي سُمّي بـ«سيد البردى» ومقرر الخلود والفناء. فكتاب خالد ومنذ مئة عام هزّ ركود المستنقعات وأطلق ينابيع الفكر، والدعوة الى العلمانية، وتوحيد الأديان.
فاعتقاد المرء أنه عاجز عن تأويل الحقيقة أو مساءلتها، هو مصدر كل خضوع ورهبة وقمع، لأن الحية التي لا تستطيع أن تغير جلدها تهلك. أما المفكر الذي يرفض القمع، ويرفض أن يخون دوره، فهو كمثل أمين الريحاني يعود إلى البدايات، وإلى المكبوت والمحجوب، خشية ان يؤسس لحداثة بغير جذور. من هذه الشرفة نبع اهتمامه بالغيب، وبالإنسان الذي ينتمي إلى الأزل وليس إلى الزمن. كما قال «خالد» الذي لم يكن بوسعه أن يفكر بل ان يحلم ببناء امبراطورية عظمى تلتقي فيها روح الشرق بعقل الغرب، وتستعيد سير أبطال الجزيرة العربية: عنترة والإمام علي وهارون الرشيد كم نحتاج لصلاح الدين من جديد.
فالريحاني أكّد في «كتاب خالد» أن الهوية العربية غير مستلبة، بل مقموعة، ومستبد بها. فهو في الغرب وجه نقده لحضارة مادية غير إنسانية كما انتقد تخلف الشرق الذي ينتظر نهضة عارمة تعيد اليه ألق ماضيه ورجالاته. فهو في «كتاب خالد» ينفي صفة المثال عن الغرب، كما ينفي صفة التخلف القدري عن الشرق. فالغرب عند الريحاني هو المرآة التي تعكس هويتنا، لأن الغرب كما يقول محمد زفزاف هو الشطر الآخر من الذات الذي لا نستطيع أن نتخلص منه، ذلك أن أكثر الناس سلفية وأصولية هم ايضاً منغمسون بتفكيرهم بالغرب، رغم عدائهم الكبير لهذا الغرب الذي يعجزون عن الفرار منه.
فالريحاني إذ وقع على مخطوطة المكتبة الخديوية، كلف نفسه بكتابة «خالد» لعلنا نقرأ في «ثقوب النصوص» وفي ديانات لنا أوغلت في تليد من ثمانية ألف عام كالهرمسية، والسومرية، والبابلية، وما تفرع عنها من علم اللاهوت، وقوانين التعاقب، والتراكم، بعيداً عن «ذهنية التكفير أو التحريم». فهذا العائد بعد مئة عام حاملاً «كتاب خالد» وممتطياً صهوات النهضة العربية، بتعددية تعبيرية لم يخفت فيها ألقه الريادي ولو أن الريادة نفسها أعلنت أن مسارها صار إلى أفول وردّة. فبعض السائلين سيرى انه من الهجنة، إثارة موضوع النهضة في هذا الوقت بالذات إلا أن الأسئلة تبقى غير مبررة، ما دام هناك، من يزال يؤمن بأن أمين الريحاني، الذي كما «فاوست» غوته (1749-1832)، باع روحه لشيطان الغرب، وأعلن وحشة العيش في أنظمة العالم الثالث المتخم بنزاعاته الطائفية والمذهبية المتعددة النحل والملل.
فالحداثة والعلمانية اللتان رفع لواءهما الريحاني يجعلان القارئ يسأل: إلى أي مدى فِقه محمد عبده معاني الحداثة والعلمانية اللتين حظَّر من خطرهما على الدين؟ وهل قالت الحداثة أو العلمانية بهجر الأديان أو نقضها أو تدميرها؟ وهل شعار «الدين لله والوطن للجميع» يهدد الأمة وناشئتها؟ فما قاله محمد عبده لا يفيد غير تمويه نهضة محمد علي المصرية والتحديثية التي تمركزت حول الدولة والإدارة والحقوق. من هنا فإن الحداثة التي أوجدها محمد علي لم تكن مقر عزلة، بل موطن تواصل مع منجزات العلم وثوراته. وهذا ما جعل الإنجازات الأجنبية ومفراداتها تزاحم اللغة العربية وضآلة مفرداتها على ما قال احمد فارس الشدياق (1804ـ1887): «لا بد من الاستعانة بكلام الأجانب وإن أدى ذلك إلى حطتين».
فالنزعة التي تقدس الفرد دون سواه من جماعات دينية أو طبيعية، تردنا إلى اهتمام الريحاني الواسع بالمذهب التحرري الذي يعتبر أن الفرد أو «الأنا» هو كائن غير مقيَّد. فقيمة الفرد عنده أعلى من قيمة المؤسسات، لأنه الغاية التي من أجلها وجدت المؤسسات. فالفردية عنده هي ضد الامتثالية التي تفرضها المؤسسات دون اعتبار لحرية الفرد أو رغبته في توكيد ذاته، وفي مغايرته للآخرين.
أما تقديس الفردية، كما يراها الريحاني، فتتجسد بمبدأين: قبول الديموقراطية الليبرالية وإعطاء الحرية الشخصية أهمية قصوى، بعيداً عن التطرف الذي يوصل إلى الفاشية أو الديكتاتورية أو الفوضوية. فالفردية فكرة قالت بها الرواقية والإبيقورية والكلبية من المدارس التي ركزت اهتمامها على الفرد، وتحريره من هيمنة الإقطاعين السياسي والديني، وهذا ما قال فيه فريدريك نيتشه: «يكفي أن تكون إنساناً لتكون لك بالضرورة فلسفة خاصة».
فأمين الريحاني مذ توزعت كتاباته بين المقال، والرسالة، والمسرح، والقصة، والرواية، والشعر، عاد بهذه الكتابات «إلى الدرجة الصفر»، التي جعلها رولان بارت عنواناً لكتابه في العام 1957، لعله يمحو من ذاكرته كل ذاكرة أولى، يمكنها أن تستبد به.
ولقد أوضح الريحاني أن الذين يقودون مجتمعات اليوم صاروا من علماء الفيزياء، والذرة، والاقتصاد، لأن رجل الدين لم يعد يتمتع بأية سلطة، أو عصمة، لأن العالم في مختبره، لم يعد معنياً بفتاوى تحول بينه وبين كشوفاته.
في خضم هذه الصراعات بين الدين والعلمانية، اختار أمين الريحاني أن يكون له أسلوبه الخاص به وطريقته في التفكير، إذ نظر إلى قابلية الإنسان في تغيير نفسه، في محيط آسن لا يتغير. أما عن هذه القابلية في التغيير، فلم ير إليها الريحاني في الانضمام إلى الحزب الشيوعي أو الإلحاد أو الكفر بل في «اللاإنتماء» الذي اعتبره «هيس» أعلى أشكال الحياة التي عرفتها الحضارات، لأنه يأتي بالدرجة الثانية بعد النبوة، وهو الذي اعتقد نيتشه أن صاحبه بلغ نصف الطريق نحو «السوبرمان أو الإنسان المتفوق».
لذا يمكن القول في كتابات أمين الريحاني الفكرية والفلسفية والسياسية، أنها كانت تاريخاً روحياً لحياته، وتجاربه، هو من كان يقتطف من الإنجيل، والقرآن، والزرادشتية، وأفلاطون، وماركس، وداروين، وروسو، وفولتير، ولربما كان ذاك التراكم ليميز رؤياه للعنة التي تنزلت على بيزنطية وانسحبت عليه مأساة فردية كانت في عنفها أشد مرارة من أي اندحار شعبي.
فهو إذ دعا إلى العلمانية، ظن إنسانه المشرقي، أن العلمانية عقيدة بديلة من الدين، تنافسه لتسحقه. فإن إشاعة الحياة المدنية في مجتمع طائفي، لا تعني ابداً إعدام الدين، بل إعدام طوائفه، على ما يقول جبران خليل جبران: ويل لأمة كثرت فيها طوائفها وقلّ فيها الدين. فالدين حاجة روحية وأخلاقية، أما الطائفية فهي تسييس للدين، وتأميم له. وفي هذا قال الباحث هشام شرابي: نشأت الحركة العلمانية نشوءا خاطئا في الشرق، فكأنما كتب علينا أن نستورد من الغرب المشكلة والحل معاً، فالعلمانية ليست من صنع المجتمع الإسلامي، والأخذ بها يعني معاداة الإسلام الذي يجب أن يكون دين «الدولة» حتى ولو تعددت الأديان.
أمين الريحاني في رسالة إلى الله:
هذا القهر، دائماً ما ترافق بالعصيان، لأحاديته، وتكفيره كل دين، سبق ما سمّي التوحيد، أو جاء بعده، ولو ان الأديان تبقى برأي مرسيا إلياد اعتباطية بمقدار ما هي تعسفية. هذا هو الموقف الذي عبر عنه امين الريحاني في «رسالة إلى الله» ضَّمنها «كتاب خالد» وجاء فيها:
«عبثاً طلبتك في أديان الناس
عبثاً بحثت عنك في سرادب عقائد الناس
ولكني لقيت في كتب العالم المقدسة
بعض آثار سماوية طامسة
فلقد توضح لي حرف ساكن من اسمك في «الفيدا»، وحرف في «الزند آفستا»، وحرف في الإنجيل، وحرف في القرآن. كل أمة من أمم الأرض أدركت حرفاَ من هذا الطلسم العظيم».
واللافت للانتباه، إلى أي مدى تتعانق أديان الريحاني إذ ترد إلى أصولها التي يصر الريحاني على ابتعاثها من إغفاءاتها في «أوراق البردى» التي خلفها الكاتب الفرعوني آمون/ رع، لتلهم «خالد» القائل: لا شيء في هذا العمل من عندنا، باستثناء النول، والخليط الشاق الذي تتألف منه المادة.
هذا التاريخ الموغل في القدم، تحول إلى لعبة أقنعة فرعونية، وأخرى فارسية، وأخرى توحيدية، رغب صاحبها بحمل ألقها ثانية لعدم إقراره بأن الخوف في الابتداع ممنوع. فالكائنات والآلهة التي عاشت قديماً، تريد ان تبقى حية، وتتحد بما يليها من «شبهات» أو من «نبوءات».
لهذا قال أمين الريحاني مذ كتب المحالفة الثلاثية في المملكة الحيوانية:
قد كتبت قصة وليس كتاباً لاهوتياً، فالثعلب في كتابي هو أنا، والحمار هو أنا، والحصان هو أنا، والبغل هو أنا.
فأمين الريحاني إذ رفض الإذعان لكل سلطة أبوية، جعل من مهماته التمرد والعصيان في حوار العقل وسؤال الحرية.
وقد أيقن أمين الريحاني منذ زمن بعيد، أن الكتابة هي الركام المحايد الذي يجعل المؤلف يدخل في موته، لتنهض هي بحياته. فإزاحة المؤلف عن عرشه، هي إزاحة طارئة، تترك للناقد حرية التأويل في فضاء متعدد المنابع، لا يختصره معنى واحد، بل معان لا نهاية لها. فالإبداع عنده «نول وخيوط» وليس رسالة لاهوتية مقدسة، بل مساءلة لقدرته على الصمود في وجه نصّ مواز هو نص القارئ الناقد. وفي هذا قال أمبرتو إيكو: لا شيء مفتوح أكثر من نص مغلق.
فهو إذ يعود إلى جينيالوجيا الأديان والمخطوطات، ينكر على الفقهاء واللاهوتيين تقولهم في الله وأبوته، ومريم وبكارتها، مذ جعلوا من الله مكتبة، صار بها أكثر غياباً وأكثر غموضاً.
فأمين الريحاني إذ يشير إلى المخطوطة التي ألهمته «كتاب خالد» يقول في الفاتحة:
«هذا هو كتابي، كتاب خالد، الذي أهديه إلى أخي الإنسان، وإلى أمي الطبيعة، وإلى صانعي الله».
فالفاتحة التي استهل بها الريحاني، هي كالكتابة التي دونت في المخطوطة الفرعونية، ولكنها بقيت في هامش التاريخ الثقافي الصوفي وكأنها كتابة فسقية لا مكان لها، وكأن أصحابها خلقوا ليعيشوا في نصوصهم وفي كلمات تخبئ إنسانهم الأعلى والغريب. فالحوار عندهم يقوم بين الأنا والأنت، بغير وسيط، أو بشير، أو نذير!! إنه حوار يرفض المسبق والجاهز والموحى به، ليؤسس على الشطح وما فيه من شدة الوجد، وحال الهاتف الإلهي الداعي مريده إلى الاتحاد به، لعله يصير منه الناطق بلسانه.
فالتركيب الثقافي الذي ميَّز «كتاب خالد»، أفصح عن هويته باللغة الإنكليزية، لعل الغرب الأميركي يتقصى فيه البعد المشرقي الرسولي والإقرار بوحدة الوجود.
ففيما كانت الحياة الغربية تتأسس على معرفة المادة وطاقاتها المتحولة والمتبدلة، ظلَّ الإنسان المشرقي يبحث في جوانب نفسه الخفّية، التي تولد شعوراً بالغامض واللامتناهي المتجاوز لأطر المنطق والعقلانية. فأول ما يلفت القارئ الغربي في «كتاب خالد» الإنسان المتأمل الذي يشمل بنظرته العالم، والمبشر بالحب الإنساني، والنصير المتحمس لكل ما هو نبيل وأخلاقي.
فالريحاني مذ كلف نفسه «بشبهة نبوية» جديدة، لحق به جبران خليل جبران في «نبيه» وميخائيل نعيمه في «مرداده»، لأن الكتاب العرب لم يتجرأوا على مثل «الشبهة» التي تفوق بها الريحاني، وأشرقت ساطعة في مؤلفاته.
فأمين الريحاني لم يعالج معضلة الدين بمنأى عن معضلة الإصلاح، والمقارنة بين تقدم الغربيين وتمسك الشرقيين بتقاليدهم العقيمة. والسؤال هو «هل إنجازات الحضارات القائمة على الأديان التوحيدية تفوقت على إنجازات الفراعنة والبابليين والسومريين والأكاديين والزرادشتيين واليونانيين والبوذيين والكنفوشيوسيين؟ إن نعت المجتمع بالديني يلغي القدرة على مواجهة التحديات الحقيقية».
وقد زعم بعض المستنيرين الشرقيين أن «التمسك بهوية دينية» هو إشارة دالة على أزمة مجتمع فشل في مواجهة الحداثة، والثورة العلمية. فالمجتمعات التي لا تزال تطرح مشكلة هويتها الدينية، هي مجتمعات غارقة في الثبات والخوف من المستقبل. فالثبات في الأقطار الإسلامية ظاهرة تتجلى في الصراع الإيديولوجي بين الأصوليات الإسلامية ونظم الحكم العلمانية المزعومة وغير الحقيقية، لأنها وحتى اليوم لم تقم على فصل الدين عن الدولة، وهو الفصل الذي ينظر له بمنظار «المؤامرة». طبعاً ليس المطلوب الأخذ بالعلمانية، بقدر ما هو مطلوب تبيان رفضها وأسبابه، علماً أن هذه «المؤامرة « ليست كفرا ولا إلحادا بل هي نتاج إنساني، يُرمى بالطابع الطوباوي أو النخبوي المستحيل الإنجاز. فلو خرج العربي على ماضويته الغيبية ليبحث في المجهول وغير المألوف، في رؤيته للإنسان والعالم، لأيقن أن كل كلام يأتي بعد الكلام الإلهي، لا بدَّ له أن يكشف عن مجهولات لم يقلها الكلام الإلهي. إذ ذاك يبدأ التشكيك بسلطة المؤسسة التي صادرت الكلام الإلهي ومنعت عنه كل أنا متسائلة تخلخل اليقيني الثابت لتفتح أبواباً على غياب التطابق بين الأشياء والكلمات كما قال ميشيل فوكو.
هذا الخلل في تثبيت الدلالات الدينية الموروثة والوثوقية والمطلقة، هو ما جعل أمين الريحاني يدعو إلى ما دعا إليه إرنست رينان من إعادة قراءة الكلام الإلهي في ضوء أصول اللغة وعلوم الفقه. فالكلام الإلهي عند الريحاني لا يستخدم اللغة الاصطلاحية لكي يقرب بها الغيب بل لكي يبقيه بعيدا، ومحجوباً. هذا البعد المحجوب هو الذي دفع بالريحاني لشبهة النبوءة، والتأسيس لوحدة الأديان. فبعد أن سئم الريحاني من تراثه المشرقي الذي صلب الحلاج على أسوار بغداد، ودس السم لابن باجه، وأمر بقتل السهروردي، ونفي ابن رشد وإحراق كتبه، وتكفير ابن تيمية لابن عربي، وجد أنه من المستحيل ان يقول بلغته فكره العلماني التنويري، فقاله بلغة منفاه، ليبعد المتحاملين، والمغالين، والمكفرين.
فالريحاني المأخوذ بعظمة الكتابة، يرى أن بواطن «كتاب خالد» وخفاياه، أعظم من أبي الهول والأهرامات، لما يختزنه من قوة تقهر مخالب الزمن: «أوليس الكتاب أعظم من الهرم، أوليس خالد الذي ينتمي إلى أرض الأنبياء هو من ضرب بعنف، مثل سائر رفاقه وخلانه».
فالريحاني الذي أغواه خالد بكتابة «تاريخه الحميم» أسرَّ لنا بأنه أشعل النار بصحائف من كتب والده المقدسة، وأخفى الأصول المتواضعة لأجداده، ليكشف بعض الأسرار المتعلقة بولادته الثانية، وباسمه الذي تمتم به ضارب الرمل.
فصاحب الولادة الثانية، جاء يكشف أصول الميتافيزيقيا ومساربها، ويقول إنها ليست كلاً موحداً أو مدونة متجانسة، بل إنها موضوع مفتوح على العديد من السلاسل المتشابكة، والاندساسات المستعارة، والتحويرات المبطنة التي تستدعي علوم «الجينيالوجيا، والحفريات، والتفكيك» التي بها توضع حقيقة الميتافيزيقيا موضع سؤال يخلخل منها الثابت واليقيني.
فالاشتغال بهذه المفاهيم، التي كفر الريحاني بسببها، هي من صناعة الغرب المنشغل ـ بدءاً من نيتشه وهيدغر مروراً بفوكو وانتهاء بدريدا ـ بتفكيك العمارة الميتافيزيقية.
فكأن أمين الريحاني أدرك في كتاب خالد ما سيؤكده نصر حامد أبو زيد بعد ما يقرب من مئة عام في كتابه «مفهوم النص»، إذ قال: لوقدر لنا أن نختزل الحضارة في بعد واحد من أبعادها لقلنا ان الحضارة المصرية القديمة هي حضارة «ما بعد الموت» وان الحضارة اليونانية هي حضارة «العقل»، أما الحضارة العربية الإسلامية فهي حضارة «النص» التي تحتاج أبداً إلى تأويل يبعد عنها اجترار الثوابت أوالاكتفاء بفضائها المغلق. فالتأويل يجب ألا يكون فعلاً مجانياً، بقدر ما هو تحكّم بتجاويف النص، وصعوبة الإمساك بتعدده وتشعبه وتفلته وتقنعه.
أمينة غصن
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد