أنور إبراهيم: أرفض العزف لجمهور رسمي
جالت موسيقى أنور ابراهم في العديد من مسارح العالم، وفي زحمة الحديث عنه يبدو ابراهم مستمعاً جيداً! يتحدثون عن موسيقاه، يعلّقون عليها، يصنّفونها، فيما لم يقل هو الا القليل عنها.
قدّم الموسيقي التونسي في 22 و23 شباط (فبراير) الماضي أمسيتين موسيقيتين في دار الاوبرا في دمشق. كان الجمهور السوري متلهفاً لملاقاة الموسيقي الذي عرفه منذ سنوات عبر اسطواناته.
عندما صعد الى الخشبة، برفقة العازفين جان لوي ماتينييه (اكورديون) فرانسوا كوترييه (بيانو)، كان التصفيق حاراً مشحوناً بالانتظار. لكن شيئاً ما بدا وكأنه شدّ انتباه العازفين الثلاثة بمجرد ظهورهم. احس الحضور بالقلق. ظن بعضهم ان الاضاءة القوية المسلطة على العازفين ربما تزعجهم. لكن ابراهم يوضح أنه «لم يكن توتراً، بل متعجباً». فقبل نصف ساعة من صعودنا الى الخشبة كان كل شيء على ما يرام. وعندما بدأت الحفلة فوجئنا ببرودة الصالة، ما يؤثر على الآلات الموسيقية. فآلة العود حساسة جداً لتغيّر درجة الحرارة من حيث الدوزان، وكذلك آلة البيانو التي يتغير دوزانها. لكننا دخلنا في جو الحفلة ولم يدم ذلك إلا لحظات».
وفي تعليقه على أجواء هذه الحفلة الاولى له في سورية. يقول انه «تخوف» قبل المجيء: «نعرف ان التظاهرة مهمة (الحفلة ضمن احفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008) ولها طابع رسمي نوعاً ما، كنت أخشى ان يكون الجمهور من الديبلوماسيين والحضور الرسمي. ربما كان بعض الحضور كذلك، لكنني أحسست بالجمهور الحقيقي الذي تهمه نوعية الموسيقى التي أعزف واتى خصيصاً لسماعها. ويحدث احياناً أن ارفض العزف في تونس خلال تظاهرة رسمية كي لا اجد نفسي امام جمهور الديبلوماسيين».
تأسّس وعي انور ابراهم الموسيقي على الموسيقى العربية الكلاسيكية، التي درسها في المعهد العالي للموسيقى في تونس. وبعد الانتشار الواسع لموسيقاه، صارت التصنيفات تلاحقها. أكثر ما يزعجه فيها هو اعتبار مشروعه الموسيقي يجسد «الحوار بين الشرق والغرب». يقول «لا أحب هذه التسمية أبداً، ما معنى ذلك؟ حواري شخصي ومع المادة الموسيقية». ويستطرد شارحاً: «صحيح انني اهتمّيت بالاستماع الى أنماط موسيقية مختلفة، ولكن ذلك حدث كما يحصل مع المهتم بالمطالعة، فيقرأ لكتّاب كثر من ثقافات مختلفة. لكن في نهاية الامر، لا أضع في بالي عندما اكتب الموسيقى أنني أجلس لأعمل حواراً بين غرب وشرق». ولا يعترض ابراهم على أن موسيقاه «تعطي بعداً عالمياً للثقافة العربية»، يقبل ذلك «كملاحظة وليس كتعريف، فأنا لا استطيع ادعاء ذلك». ويعقّب بأنه «سيكون خطيراً جداً ان يشتغل الفنان الموسيقى لغرض ما، كأن يعجب الجمهور أو الحكومة أو ليكون عالميا...».
وابراهم الذي عمل مع العديد من عازفي موسيقى الجاز، لا يوافق على تصنيف الموسيقى التي يؤلفها على انها «جاز». ويرى بعض المفارقات في ذلك: «يفرحني أن تعتبر آلة العود في حقل الجاز، لكنني لست موسيقي جاز. عندما نتنقل بين محال بيع الاسطوانات في أميركا وأوروبا، أرى اسطواناتي موجودة مع اسطوانات كبار موسيقيي الجاز، وربما تكون مبيعاتها أحياناً أفضل من مبيعات عازفي الجاز الاوروبيين. يفرحني ذلك نوعاً ما، ويفاجئني. وأتساءل ماذا أفعل؟ انا عازف عود عربي تونسي، ولا أحب مصطلحات مثل الجاز العربي أو الشرقي، فهي تسميات لا تعني لي شيئاً».
لكن هل هناك من حقل، أو نمط موسيقي، يعمل فيه ابراهم؟ يجيب: «في البداية كانت رغبتي هي العمل في حقل الموسيقى العربية الحديثة والتلحين للآلات الوترية، لأنني عندما انطلقت كان لدي حالة كبت من أن لدينا عمالقة مثل عبدالوهاب والصفني وغيرهما، لكن لم نكن نرى شيئاً هاماً في الموسيقى العربية الحديثة، وكل الطاقات الموسيقية العربية كانت تعمل في اطار الموسيقى الخفيفة». وعن تجربته الآن وتصنيفها يتابع: «حالياً لا نعطي تحديداً، هي تجربة يقوم بها موسيقي عربي تونسي أفريقي...». ومن جانب مواز يرى ان الفنان لا يملك الاجابة على سؤال الى أين وصل بتجربته، لكن يمكن تتبع بعض النتائج: «أتذكر عندما بدأت تقديم عروض عزف منفرد على آلة العود في تونس أول الثمانينات كان ذلك يعتبر غريباً جداً، وقيل إن الموسيقى التي اقدمها تتوجه الى نخبة قليلة ومن المستحيل ان يهتم بها الجمهور... الآن صار لعازفي العود جمهور يملأ القاعات، لقد خلقنا جمهوراً لهذه الموسيقى».
أصدر ابراهم أسطوانات عدّة، اضافة الى الاعمال الكاملة في اسطوانة «موجة»، تعاون فيها مع موسيقيين ينتمون إلى ثقافات متنوعة. لكن اللافت في الأمر أنها المرة الاولى التي يصدر فيها ألبومين مع العازفين نفسهما، جان لوي ماتينييه وفرانسوا كوتورييه، «خطوة القط الاسود» الذي اصدره عام 2002، والبومه الاحدث «ليلة سحر» عام 2006. وهو ما جعل بعضهم يعتقد بأن الثلاثي شكل فرقة موسيقية. لكن ابراهم يعتبر ان كل اعماله كانت نتيجة «لقاءات» مع موسيقيين متعدّدين: «في الحقيقة لم أتعامل أبداً بمفهوم الفرقة. المجموعات التي نكونها ليست فرقاً. هي مرتبطة بأعمال كتبتها، ولذلك قد يحكمها شكل وقتي نوعاً ما. اما بالنسبة للمجموعة التي سجلت معها اسطوانتين، فالأمر حصل بالصدفة. في الاسطوانة الثانية «ليلة سحر» كنت أكتب الموسيقى لمجموعة أخرى، ولكن غيّرت رأيي لاحقاً. اجتماعنا نحن الثلاثة هو لقاء طال ربما، لكننا لسنا فرقة موسيقية، وعملي المقبل سيكون مع عازفين مختلفين بالتأكيد».
وسيم إبراهيم
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد