أهلاً بكم في سجن طرطوس وزرائبه

03-02-2008

أهلاً بكم في سجن طرطوس وزرائبه

أسئلة كثيرة دفعتنا لنجد الإجابة عنها يغنيها الفضول وكثرة الإشاعات حول هذا السجن والسجناء.

هل يجب أن نستغرب وجود سجن طرطوس المركزي وسط حي سكني من أحياء المدينة? وكأنه مدرسة ابتدائية أو كأي مديرية حكومية؟ حتى أن هذا الحي لقب باسمه.. فسمي (حي السجن).‏

عند الساعة العاشرة من صباح أحد أيام شهر رمضان المبارك, كنا نقف أمام الباب الحديدي الخارجي لسجن طرطوس المركزي وكأن ثمة أناسا عديدين يقفون قرب الباب, جاؤوا جميعا لرؤية أقرباء لهم داخل السجن, فوقفنا معهم ننتظر الإذن بالدخول, مع العلم أن هذا الإذن جاء بناء على موافقة كل من وزارتي العدل والداخلية.. وقد سألنا بعضهم إن كان ينتظر هنا طويلا.. فكان جوابهم لا.‏

وفور دخولنا من الباب الخارجي طلب أحد الحراس منا وضع هواتفنا لديه, كانت الساحة الخارجية صغيرة ولم نر فيها سوى عدد قليل من الأشجار والورود ومكان آخر لوقوف بعض السيارات.‏

مبنى السجن يمتد على مساحة لا تتعدى السبعة دونمات وهو مؤلف من ثلاثة طوابق, الطابق الأول مكون من سجن النساء, الذي يضم سبعة أسرّة فقط وآخر للأحداث, وغرفة مخصصة للأمانات (موقوفون بسبب حوادث السير) بالإضافة إلى غرفة العقوبات, أما الطابق الثاني فهو مكون من ثماني مهاجع وكل مهجع يحتوي على حوالى عشرين سريرا مثبتة على شكل طابقين, كذلك الأمر في الطابق الثالث, أي أن استيعاب السجن.. بجميع أقسامه- يبلغ حوالى 370 سجينا.‏

- خلال جولتنا في أقسام السجن.. لاحظنا الضيق الذي يشكل السمة البارزة للسجن, الأمر الذي جعله يشكل سجنا داخل سجن, كما أن المهاجع ضيقة, وممراتها كذلك وساحة التهوية صغيرة, وتساءلنا أين يقف السجناء في أوقات التهوية في حال كان الجو ماطرا أو شديد الحرارة!‏

داخل المهاجع كان السجناء يجلسون على شكل جماعات يتبادلون الأحاديث, أو يشاهدون التلفاز, وفي الممرات أيضا رأينا البعض منهم بلباس النوم (البيجاما), وكان الهدوء واضحا عليهم وقد وقفوا ينظرون إلينا باستغراب فاقتربنا منهم, وتحدثنا معهم قليلاً. وهذه عينة من السجناء الذين استمعنا إليهم, وهم من مختلف الأقسام:‏

(ن-ن): محكوم لمدة عشر سنوات, بتهمة جريمة قتل أثناء مشاجرة جماعية, أعمل كمشرف على الطعام داخل السجن, وقد قضيت نصف محكوميتي حتى الآن.‏

م -م : متهم بعملية سلب, وهو محكوم لمدة سبع سنوات قضى منها ثلاثا, أما دافعه للسرقة فيقول إنه ليس الفقر, بل رفاق السوء والرغبة بالحصول على مزيد من المال.‏

(ك-أ): موقوفة بتهمة تعاطي وتجارة المخدرات وهي مازالت قيد التحقيق وفي انتظار نتائج تحليل الدم من دمشق التي تثبت أو تنفي اتهامها منذ شهرين ونصف, وتقول إن لديها أولادا وهي المعيلة الوحيدة لهم لأن زوجها مريض.‏

(خ-أ): متهمة بقتل زوجها, لكنها تصر على أنها لم تقتله, بل كانت في حالة دفاع عن النفس, لأنه كان يريد قتلها وهو سكران, فأسقطت عليه حجر كبير أدى إلى وفاته.‏

- أين جمعية رعاية المساجين في سجن طرطوس المركزي?!. فماضي عمل الجمعية في سجن طرطوس سيىء والدليل تغيير أعضائها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل, وهذا ما أكده لنا السيد العميد مدير السجن عندما قال إنه تم منع أمين سر الجمعية من الدخول إلى السجن بسبب تصرفاته السيئة.‏

والنتيجة غياب الخدمات الرئيسية التي يجب تقديمها للسجناء كالنشاطات الثقافية والرياضية وتقديم الرعاية والإصلاح, وإن اقتصر دور الجمعية الحالي على بعض الإعانات المادية.فرغم أن دور السجن هو الإصلاح والتأهيل وليس فقط حجز الأشخاص, إلا أن سجن طرطوس المركزي لا يبدو أنه يحقق تلك المهمة الملقاة على عاتقه, بسبب غياب جمعية رعاية المساجين وقلة التمويل, وبالتالي غياب مهن مناسبة كالنجارة والخياطة أو غيرها من المهن, يمكن أن يتعلمها السجين للاستفادة منها في إيجاد مصدر دخل له داخل السجن, ولاحقا خارج السجن قد يجعله يعيش حياة طبيعية بدل العودة إلى السرقة أو غيرها لأنه خرج (إيد من ورا وإيد من قدام).‏

- لكن هذه الرعاية هي من جانبين.. أحدهما من الجمعية والآخر من ادارة السجن, حيث يوجد أربعة باحثين اجتماعيين في إدارة السجناء للقيام, بمهماتهم والتي تنقسم إلى محورين, هذا ما أخبرنا به السيد محمد بلال أحد هؤلاء الباحثين قائلاً: مهمتنا تتفرع إلى محورين احدهما (داخل السجن) بمناقشة وضع السجين الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وإبقاء اتصاله مستمرا مع أسرته, ومع الجهات المسؤولة داخل السجن.‏

والمحور الآخر (خارج السجن) عن طريق متابعة وضع السجين مع القضاء بتوكيل محام, طلبات خاصة, استئناف.. وأيضا خلق علاقة جيدة بين الباحث وأسر السجناء, بالإضافة لمتابعة وضع السجين التعليمي بتقديم أوراق السجين للامتحانات.‏

الطبابة.. نقص في الأدوية والتجهيزات‏

المتابعة الصحية للمساجين المرضى وإجراء الإسعافات الأولية للسجناء المصابين بحوادث خارجية (حوادث سير, جروح بسبب مشاجرات..) أو تغيير الضمادة وإزالة القطب الجراحية عن الجروح..‏

هذه هي بعض الخدمات الطبية المقدمة للمساجين في قسم الطبابة داخل السجن.حيث أكد لنا أحد الممرضين العاملين داخل مبنى السجن, أن الطبابة مجانية بالكامل ويوجد أطباء (سنية, جراحة عامة, داخلية, وطبيب عام).‏

وعند وجود حالات خطيرة يتم نقل السجين المريض إلى المستشفى.. أما في الحالات الاستثنائية كحالات الربو مثلا فيتم نقل السجين إلى سجن آخر في محافظة أخرى بسبب طبيعة محافظة طرطوس الرطبة باستمرار.‏

بالمقابل هناك نقص في الأدوية والتي توفر بعضها جمعية رعاية المساجين بالإضافة إلى نقص كبير في التجهيزات الطبية (البسيطة وغير البسيطة)!‏

- مدير السجن السيد العميد حسن تركي العمر استقبلنا برحابة صدر وأجاب عن جميع تساؤلاتنا, وقال: إن أغلب الحالات في السجن هي السرقة ثم المخدرات والاغتصاب ويوجد حاليا داخل السجن سبع سجينات منهن من هي موقوفة, أو هي محكومة أما التهم الموجهة لهن فهي (قتل, سرقة, مخدرات, دعارة) ويوجد أيضا11 حدثا من السجناء وذلك في قسم الأحداث, أما عدد الموقوفين بشكل عام فهو يتراوح يوميا في قسم الأمانات بين 10-30 موقوفا.‏

أما بالنسبة لسجن الرجال فيتراوح العدد بين 350-400 سجين منهم 4 لبنانيون بتهمة تهريب مازوت, ومالديفي واحد بتهمة مخدرات, وهناك سجناء من عدة محافظات سورية أيضا.‏

- وعن سيرة حياة السجين داخل السجن تحدث السيد العميد قائلا: إننا نقوم بضبط النظام ونشدد على السجين المسيء لكن بشكل عام نعامل السجناء معاملة إنسانية جيدة, وفي حال إساءة التصرف من قبل السجين كالاعتداء على سجين آخر مثلا, يتم وضع السجين المعتدي في الانفرادي.‏

وتابع السيد العميد: إننا نأخذ بعين الاعتبار حسن سلوك السجين بعد مضي ربع مدة محكوميته, ويراجع القضاء في ذلك.‏

وعن الطعام قال إنه يتم تقديم الطعام بشكل يومي بمعدل ثلاث وجبات في اليوم الواحد وفق برنامج معين وبقيمة 35 ل.س لكل سجين, ونحن نسمح بزيارة السجناء بشكل يومي ما عدا يومي الجمعة والسبت كونهما مخصصان للنظافة, والتي نحاول دائما أن تكون جيدة.‏

ومع العلم أن الزيارات تستمر من الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة الثانية ظهرا وأحيانا نسمح بالزيارات حتى ما بعد الساعة الخامسة عصرا, وأيضا بإدخال بعض المواد الغذائية إلى السجناء من قبل أهاليهم مع العلم أن هذا غير مسموح.‏

أما فترة التنفس فتحدد من الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة السادسة مساء متوزعة على كافة السجناء (أحداث - نساء- رجال).‏

وأضاف العمر: إن المهجع يحتوي على مراوح وإضاءة كافية وتلفزيونات وأجهزة راديو لكن ربما تنقصه التدفئة شتاء, بالإضافة لوجود 4 أجهزة هاتف في الممرات يسمح باستخدامها طوال فتر ة التنفس, وقد أكد السيد مدير السجن أنه ومنذ ثمانية أعوام لم يكن هناك أي حالة فرار من السجن, بينما كان هناك حالة انتحار واحدة, ولا توجد حاليا أي حالة إصابة بمرض الإ يدز بين السجناء.‏

لكن قد نجد أحيانا مخدرات على شكل حبوب مع بعض السجناء وتتم معاقبتهم على ذلك.‏

أما بالنسبة للإشاعات التي تقول إنه لا يسمح للسجناء بالاستحمام لأكثر من /6/ دقائق في الأسبوع وعدم توفر المياه الساخنة لهم فقد نفى السيد العميد هذا الكلام.‏

وعن ضيق السجن قال العميد العمر: إن ضيق السجن جعله لا يرتقي لمستوى بقية السجون من هذا الجانب, أما بالنسبة للزيارات والخدمات فهو أفضل من غيره من السجون.‏

وختم بالقول إن هناك صندوقين للشكاوى أحدهما على الباب الخارجي للسجن, والآخر داخل السجن تتم من خلاله معالجة الشكاوى إذا أمكن.‏

محمد زهرة- ربا أحمد

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...