أهلاً بكم في عالم الفتيات اللواتي يدافعن عن أنفسهن بلكمة أو ركلة
تقف سارة أمام كيس الرمل الذي يستعمل لتمرينات ألعاب الدفاع عن النفس. تنظر إليه بكراهية وغضب. تدور حوله باستمرار. تشمّر عن سواعدها ثم تبدأ بلكمه من قلب »مليان«. لكمة تليها أخرى، ثم تتسارع اللكمات والركلات حتى تفرغ كل طاقة الغضب بداخلها.
تلك هي الطريقة الوحيدة التي تتنفس فيها سارة الصعداء كي تنسى ما تعانيه من حبيبها الذي يتحول يومياً إلى كيس تراب تشبعه ضرباً، انتقاماً منه. تعمل سارة في شركة ضمان وتأمين. لم تتوقع يوماً أنها ستخضع لتدريبات ألعاب قتالية، حيث كانت تنتقد الفتاة التي تمارس تلك الرياضة. انتسبت منذ سنتين إلى ناد رياضي، وهناك تعرّفت على لعبة »الكيك بوكسينغ«، وأحبتها: »أعتقد أنها اللعبة المناسبة للتخفيف من الضغوطات النفسية التي تتراكم يومياً في حياة أي فتاة. خضت التجربة ولم أندم«.
كونغ فو، كاراتيه، ساندا، كيك بوكسينغ، جودو، وغيرها من ألعاب الدفاع عن النفس، تسمّيها الصورة النمطية بأنها لعبة الذكور. تنقلب القاعدة اليوم لنرى عدداً كبيراً من الفتيات يمارسن تلك اللعبة من باب الهواية أو الاحتراف والمنافسة.
مفردات يابانية
»سواديكاب«. تلقي زينة التحية على »الماستر« قبل المباشرة في تمرينات »الكونغو فو«. و»الماستر« هو المدرب الذي يحمل هذا اللقب لاحترافه اللعبة منذ فترة طويلة.
»إيش ني. شان شي. غو روكو. هاتشي مو جو«، تطلق زينة تلك المفردات اليابانية بصوت عالٍ قبل أن تنقلب رأساً على عقب في الهواء. ترفض تماماً فكرة أن الفتاة التي تمارس تلك اللعبة تفقد أنوثتها. ترى أن »الكونغو فو« هي أفضل الوسائل وأبسطها كي تدافع الفتاة عن نفسها. من جهة ثانية، تستفيد من التمرين لتنمية شجاعتها وسرعة ردود أفعالها تجاه أمر معين: »أعتبرها قتالاً حراً ولا أستعملها عشوائياً. يستطيع الرجل الدفاع عن نفسه. وكذلك، تستطيع الفتاة الدفاع عن نفسها في حالة مواجهتها لشخص لا يعرف شيئاً عن هذه الفنون، فأتدرب وأكون مؤهلة لمواجهته. لا أعتبر الفتاة كائناً ضعيفاً، لذلك، لا أعتبر الحجم العضلي حكماً في ممارسة أي لعبة من الألعاب القتالية«.
»مين بيتزوجك إنت؟«
تخلع آلاء لباسها النسائي جداً، وهو عبارة عن تنّورة مع قميص زهري و»باليرينا« بيضاء. ترتدي سروالاً أبيض اللون مع قميص سميك باللون نفسه وتضع الحزام الأسود. فتتزيّن بهذا »اللوك« ثلاثة أيام في الأسبوع، أي خلال التمرينات للعبة »الكيك بوكسينغ«. تواجه مشاكل مستمرة مع أهلها الذين يطالبونها بالتخلي عن اللعبة: »عيب، إنت صبية! شو قصتك؟«. ولا تستجيب للنداء.
اختارت اللعبة كأي نشاط رياضي وليس أكثر. ترى أنه من الضروري على كل فتاة تعلّم رياضة الدفاع عن النفس: »لأن أولاد الحرام كتار بالشوارع والزعران في كل مكان«. لكن آلاء لم تكن تتوقع يوماً أنها ستخوض عراكاً مع أحد. فحماستها للعبة دفعت بها في إحدى المرات إلى التهجم على فتاة في الشارع، بعدما بادرت الأخيرة إلى الافتراء عليها. تضحك لتؤكد شعارها في اللعبة: »الفائز لا يترك اللعبة ومن يتركها لن يفوز بها يوماً«.
»التيكواتندو« هي »فن قتال الرجل واليد«: تشعر إسراء بفخر لتفسيرها الجملة بالعربية. تؤيد تلك اللعبة بشدة: »أعتبرها هامة لصدّ التحرشات التي قد تصدر من بعض »المعقّدين« الذين لا يتورعون عن إيذاء الفتيات ومضايقتهن من دون أدنى شعور بالحياء«. كان والدها يمارس »الجودو« في صغره. فأحب أن تختار ابنته لعبة للدفاع عن النفس: »ذهبت إلى النادي معه لاختيار الباليه أو الرقص، وفجأة، وقع اختياري على التيكواندو. جربت اللعبة فأحببتها. تعلمت الركلات واللكمات، بالإضافة إلى حركات جديدة. وجدتها ايجابية بالنسبة إلي. أدافع عن نفسي من خلالها. أدرك جيداً أنه ليس من الممكن استعمالها في الشارع وبشكل عنفي«.
لا تكف إسراء عن تلقي التعليقات: »مين بيتزوجك إنت؟ بياكلها قتلة!«. حتى الساعة، لم تضطر إلى اللجوء إلى اللعبة للدفاع عن نفسها. مارستها أكثر من مرة عن طريق المزح مع صديقاتها: »إذا دفشتني صديقتي، بلبطها، بتجمد بمكانها!«.
محترفتان في اللعبة
ديانا حمادة هي من محترفات لعبة »التاي بوكسينغ«. شاركت في بطولات محلية ودولية وفازت بألقاب. تشير حمادة إلى إدمانها الرياضة عموماً، والفنون القتالية خصوصاً: »أرى نفسي في هذا المجال الذي زرع شيئاً هاماً في داخلي. كأنه مدخل إلى عالم تحدّي النفس، لكن بلغة منطقية«. درست حمادة في معهد تابع لوزارة الزراعة ونالت أعلى شهادة تجعل منها »اختصاصية تغذية«. تجد طموحها في المجالين، أي الرياضة والعمل بشهادتها. تعزو السبب في ذلك إلى أنها لن تصبح عاطلة عن العمل في حال تعرضت لأذى من وراء »التاي بوكسينغ«. تتجنب تربية العضلات في جسمها، لأن العضلات برأيها تفقدها من أنوثتها. لا تمارس اللعبة بدافع الانتقام أو استعمال العنف. تؤكد أن حبيبها يتفهم وضعها ولا تنوي الارتباط برجل يعارض هوايتها المفضلة. وإن عارض الأخير هوايتها فـ»أهلاً وسهلاً، لن أترك تلك الرياضة يوماً«.
ساشا هي محترفة »كاراتيه« أخرى، وكانت قد فازت ببطولات عدة. تدرس الأدب الإنكليزي وتنوي العمل في مجاله. تنزعج من تخصيص اللعبة للذكور. ترفض أن يتحداها أي شاب كان. علّمتها »الكاراتيه« كيفية الاعتماد على النفس. تشبّه اللعبة بالحياة اليومية: »ففي الكاراتيه، تثابرين وتقاتلين حتى النفس الأخير، كذلك في الحياة، لا يستسلم المرء بسهولة ويثابر حتى يحقق أهدافه«. يستغربنها زميلاتها: »يطرحن عليّ العديد من الأسئلة، وأحياناً يأتين معي إلى التمرينات، رغم اعتقادهن بأنها ممارسة سلبية بالنسبة إلي«. لا تفكر ساشا بالاحتراف الكامل، كونها تخصص وقتاً لدراستها: »أكثر ما يضحكني هو شعور صديقاتي بالأمان حين يخرجن معي ليلاً«.
وحول ما إذا كانت الفنون القتالية تضر بالفتاة، خاصة مع التمدد والاستطالة الجسدية، ترى ساشا أن هذه الرياضة تزيد الجسد صحة: »وإذا كانت الفتاة عازمة على استخدام الحركات التي تعلمتها، فسوف تستفيد منها حتماً في الدفاع عن نفسها، على الرغم من أنها لن تستخدم جميع الحركات التي تعلمتها وإلا ستصبح فجأة مقاتلة شوارع محترفة كما نشاهد في أفلام السينما«.
إذاً، هناك فرق بين ممارسة الفتيات لألعاب الدفاع عن النفس كرياضة للخوض في بطولات، وبين التعلّم بهدف الدفاع عن النفس. لكن، يمكن الجزم بأن هذه اللعبة ليست خاصة بـ»الرجال«، والدليل على ذلك وجود بطولات عالمية للفتيات، واحتلال الصينيات المرتبة الأولى حتى الساعة.
زينة برجاوي
المصدر: السفير
التعليقات
رأي فتاة في مقتبل العشرين
برافو عليهن
إضافة تعليق جديد