أوغلوا في موتكم

22-07-2006

أوغلوا في موتكم

موتوا كما يشاؤون لكم أن تموتوا، لن يبكيكم أحد.
موتوا بالرصاص، بالصواريخ، بقصف البوارج أو بقصف المقاتلات الحربية.
موتوا من الجوع، موتوا في العراء.
لا تفروا، سيصطادونكم على الطرقات.
حيث أنتم موتوا، كما أنتم ابقوا، بلا حراك. موتوا فقط.
بسلاح ممنوع، بسلاح مسموح ... موتوا.
وموتوا معا، أفراد الأسرة كلها، حتى لا يبكيكم أحد. ونحن، هنا ، لن نقوَى حتى على النظر إلى صور جثثكم ..
بصمت موتوا. لا تصرخوا.
وابقوا حيث أنتم ، ليس بيننا من هو قادر على انتشالكم من تحت الركام. ليس بيننا من هو قادر على الوصول اليكم. ليس بيننا من هو قادر على احصاء عددكم، ليس بيننا من هو قادر على حمايتكم من الموت الذي يريدونه لكم.
نم يا حبيبي ولا تحرك ساكنا. سأربت على شعرك وأدندن طوال الليل، أبعد الذئاب عن نهش لحمك. وفي الصباح، سأعيد حياكة البنطلون الممزق، اغسل القميص كي يعود أبيض.
نم يا بني. سأحملك بين ذراعي ، أقرب وجهك من قلبي، وأهمس للملائكة أن تروي على مسمعك القصص.
غن له يا فيروز، غن له كما تغنين لابنك. غن بصوت عال فهو يخاف الظلمة.
يا ميمتي، بعدك صغير ، عمرك وعمر الورد ما كفى السني.
ما لعينيك مفتوحتان، عمن تبحثين؟
هاك الأشلاء أمامك.بقايا أهلك .
هذه الذراع لأمك؟ خذيها ... احضنيها، واستشفي من رائحتها إن كانت فعلا لها أو أنها ذراع أبيك.
ليستا مفتوحتين تماما، عيناك .. هي نصف اغماضة، كمن يطلب السبات.
هانئة تبدو نومتك. ألا يزعجك ذلك الجزء من الإسفلت الرابض على قدمك اليسرى؟ ألا تخشين أن تصابي بالمغص وبطنك مكشوف هكذا؟
أغطيك قليلا قبل حلول الظلام، وأفك شعرك المربوط كي لا يداهمك الصداع.
هل نمت في العراء من قبل، جسدك مستلق على الأشواك والحجارة المدببة الرؤوس؟ كيف ينام الفقراء إذا؟
وجهك مازال أبيض، وملمس خدك كالحرير. مررت بأصبعي عليه سرا، خوفا من إقلاق كبوتك. بعيدة أنت عن بقية أهلك. من رماك بعيدا عنهم؟ من رماك وحدك في العراء؟
هل كنت تدري وأنت تصعد على متن الشاحنة الصغيرة أن يدك اليمنى التي أرخيتها لتستريح على المقعد ستبقى مرخية هناك إلى الأبد؟ والطمأنينة البادية في إسدالك لهدبيك وطريقة فتحك لفمك هكذا، هل حلت عليك مع خروجك من القرية؟
هل كنت تدري أن رأسك الذي ألقيته إلى الخلف سيستكين على أشلاء أحباء لك؟
هل تحلم في سباتك أن بيننا من يفضل ألا يكتب عنك أو عن طريقة استشهادك مراعاة للأحاسيس المرهفة؟
موتوا. أوغلوا في موتكم.
امضوا بعيدا عن السموم التي يبثها طيران العدو عليكم، وتلك المنبعثة من أفواه بعض أبناء أرضكم.
وهناك، عندما تلقون وجه ربكم، اطلبوا النصر لمن يعمل كي لا يصيبكم إلا فعلا ما كتب الله لكم.

هنادي سليمان

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...