أيان ماكيوان الأوفر حظاً للفوز بجائزة «مان بوكر» البريطانية
امرأتان وأربعة رجال في اللائحة النهائية لجائزة مان بوكر البريطانية التي تمنح سنوياً لعمل أدبي من دول الكومنولث. ثلاثة بريطانيين وباكستاني وهندي ونيوزيلندي أشهرهم وأولهم ترجيحاً للفوز ايان ماكيوان الذي سبق أن نالها عن «آمستردام» التي لم تكن أفضل أعماله، ويعرض اليوم فيلم «تكفير» المقتبس من رواية له عن حب مأسوي في الحرب العالمية الثانية. تبلغ قيمة الجائزة خمسين ألف جنيه استرليني، وينال كل من المرشحين الستة لها 25 ألفاً، ويعلن الفائز في 16 تشرين الأول (اكتوبر).
«داركمانز» هي الرواية السادسة للبريطانية نيكولا باركر (41 سنة) التي بنت شخصيات مفعمة بالحياة والمرح والعبثية وشددت على اللغة وتواصل البشر في الرواية الممتدة 838 صفحة والصادرة عن «فورث استيت». العقدة والزمن محدودان على رغم طول الرواية الغنية بالهذر والابتكار. بعد طلاق والدي كين ومرض والدته الذي أدى الى وفاتها يختار لنفسه نموذجاً مضاداً لوالده في محاولة فرويدية لـ «قتله». يلتقي الأب والابن صدفة في مقهى لا يلبث أن يقصده دوري على ظهر حصان سرقه. تسوء حياة الوالد بعد سرقته بلاطاً أثرياً ويعمل في مغسل مستشفى، وينتظر في المقهى زوجة دوري الجميلة. يبيع كين الأدوية ويرتاح الى القطيعة مع والده، وإذ يعود الى البيت من المقهى يجد صديقته السابقة تنتظره بعد أن وقعت عن حائط وكسرت ساقها. يتشاجر غفار الكروي الذي صحبها مع كين حول جدية إصابة الفتاة التي تنتمي الى عائلة لصوص ومدمنين على المخدرات. في الرواية أيضاً الشبح جون سكوجين الذي يسكن الشخصيات ويتداخل في ذهن بعضهم مع أشخاص أحياء. «داركمانز» تعني «الليل» بلغة اللصوص لكنها تشير أيضاً الى بقاء التاريخ وثقل الماضي في الحاضر.
بطلة «الاجتماع» لآن انرايت الصادر عن جوناثان كيب فيرونيكا التي تبغض اسمها وتقتنع بأنه أشبه باسم مرهم أو دواء. لا تحبه حتى بعد أن تعرف انه اسم المرأة التي مسحت الدم عن وجه المسيح، وإذا به يطبع على قطعة القماش كأنه صورة. أسرتها الكاثوليكية مؤلفة من اثني عشر فرداً لم يأتوا بفعل معارضة كاثوليكية لتنظيم النسل بل العجز عن كبح الرغبة. لا يعني الذهاب الى الكنيسة، التدين أو الرحمة التي تدعو المسيحية إليها. لم تسمع فيرونيكا والدها يوماً يصلي بصوت عال أو يحني رأسه، ولم يمنعه دينه يوماً من ضرب أولاده.
تكتسب الرواية حركتها عند غرق ليام الأكبر من الرواية بأقل من سنة. فيرونيكا تسترجع، وهي في التاسعة والثلاثين، حزنها وماضي الأسرة وتحاول أن تفهم سبب انتحار شقيقها في برايتون. ثمة حزن تشترك فيه العائلات التي جرحها الموت لكن لكل أسرة وفرد خصوصية أيضاً. تقول عن حزنها: «انه شعور ملتبس بين الإسهال والجنس، هذا الحزن الذي يكاد يتعلق بالأعضاء الحميمة». لا تهافت عاطفياً في تصوير المأساة وتفكك الأسر، ولكن محاولة فهم الانهيار حثيثة وحساسة. تعزو فيرونيكا انتحار شقيقها الى الصيف الذي ترك فيه الأطفال البيت لأمهم التي كانت تلد أو تجهض ليمكثوا بعض الوقت مع الجدة التي كانت علاقته غامضة بصديق زوجها.
«المتطرف غصباً عنه» هي الرواية الثانية للباكستاني محسن حميد أصغر المرشحين للفوز (35 سنة). الرواية الصادرة عن «هاميش هاملتون» تتفحص الحضارة الغربية الرأسمالية والانقسام الحاسم بين الشرق والغرب بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. بطلها تشنغيز شاب باكستاني لامع يتخرج من برنستون، إحدى أرقى الجامعات الأميركية ويعمل في وول ستريت. وجد هويته في أميركا التي أتاحت له فرص النجاح لكن انهيار البرجين يقضي على الحلم الأميركي ويفرض تساؤلات وخيارات وصراعات طارئة. لون جلده القاتم تهمة جاهزة بالإرهاب دفعته الى العودة الى بلاده حيث يروي قصته لسائح أميركي يتبادل الشك معه. هل هذا سائح حقاً أو عميل للاستخبارات، وهل تشنغيز مهاجر خائب أو إرهابي يضمر شراً للأميركي؟
يستخدم النيوزيلندي لويد جونز الأدب وسيلة للصلح في روايته السادسة «مستر بيب» الصادرة عن «جون ماري». جونز صحافي في الثانية والخمسين غطى الحرب الأهلية في بابوا غينيا الجديدة في تسعينات القرن الفائت واستمد منها مادة للرواية. حازت «مستر بيب» جائزة الكومنولث وبطلتها فتاة في الثالثة عشرة يصعقها ارتداد قريتها الى ما قبل المدنية بعد وصول الحرب وهرب المعلمين. يصمد أبيض وحيد هو السيد واتس الذي يعيش في الغابة ويعبد تشارلز ديكنز. يتسلم مهمة التعليم ويعتزم تحرير العقول بالأدب وتحويل الصف «حيزاً من نور».
يتوقع الأطفال أن يزودهم الدرس عن مستر ديكنز بالأسبيرين ودواء الملاريا والبنزين، لكنهم لا يخيبون عندما يتعرفون بدلاً من ذلك الى مكان رحب ساحر من العالم يستطيعون دخوله متى شاؤوا. تقع ماتيلدا في حب بيب بطل «توقعات كبيرة» وتبني له مزاراً على الشاطئ، لكن الجنود يظنونه شخصاً حقيقياً من المتمردين فتحبط الفتاة: «المشكلة في «توقعات كبيرة» إنها حديث من طرف واحد». يختلط الجنود المصابون بالملاريا بالمتمردين الذين فقدوا وعيهم من كحول الفاكهة في الغابات فيتحول مستر واتس الى شهرزاد يلهي الطرفين ويجمعهما بقصص تتداخل فيها حياة بيب والقرية مع حياته لكي يجنب القرية الكارثة.
ايان ماكيوان أكبر المرشحين سناً وشأناً (59 سنة)، وروايته الصغيرة «على شاطئ تشيزيل» الصادرة عن دار جوناثان كيب تدور في أول الستينات لكنها لا تركز على التاريخ بل على الأفعال الصغيرة التي ترسم حياة بكاملها. تبدأ الرواية بليلة زفاف كارثية يؤدي فيها الجهل بالجنس والحب الى فشل علاقة كان يمكن ان تعود بالسعادة على طرفيها. يلمح ماكيوان الى اعتداء محتمل لرجل أعمال «ناجح» على ابنته أدى الى خوفها من العلاقة الجسدية. لا تستطيع فلورنس احتمال رغبة ادوارد وينتهي زواجها القصير بعد ثماني ساعات بفعل ذعرها واشمئزازها. كانت عازفة كمان ماهرة عجزت عن التأقلم في شؤون الحياة العملية، وبلغت الشهرة التي استحقتها بعد الانفصال، في حين تعددت علاقات ادوارد من دون ان تسعده أو تنسيه إياها. بعد فشل الجنس في منحه السعادة يعرف انها كانت كريمة معه عندما عرضت عليه، في ليلة الزفاف، أن يبقيا معاً على أن يشبع رغبته مع أخريات. احتقرها ليلتها وأدرك أنه لم يحببها كما أحبته، وإلا كان منحها الفهم والصبر اللذين كانا حفظاها له. ينظر ماكيوان بحنان الى بطليه ويجعلهما ضحية تاريخهما وحاضرهما، ويرسم الخلفية السياسية بعد الحرب العالمية الثانية التي نشط فيها النقاش حول الشيوعية.
لم تراجع الصحف البريطانية «شعب أنيمال» لإندرا سينا عند صدورها عن دار سايمون وشومستر. سينا في السابعة والخمسين، درس الأدب الانكليزي في كمبريدج وعاش أربعة عقود في بريطانيا قبل أن ينتقل مع أسرته الى جنوب فرنسا. تصور روايته المخاوف من مخاطر العالم الصناعي عبر بطل كان «إنساناً يوماً». شاب على مشارف العشرين يمشي على يديه ورجليه منذ شوهه تسرب الغاز من شركة أميركية. يعيش مع كلبه جاراً وراهبة مجنونة ويتلصص على «حبيبته» نيشا والطبيبة الأميركية إيلي. فتحت هذه عيادة مجانية لمعالجة المصابين الذين لا يزالون يعانون من إصاباتهم في حادث تسرب الغاز لكن جنسيتها تدفع هؤلاء الى الشك في نياتها. في الرواية بؤس وفرح وأمل على رغم الظلام الذي استمده سينا من حادث تسرب غاز من شركة مبيدات في 1984 في بوبال أدى الى مقتل أكثر من 15 ألفاً، ودفعه الى فتح عيادة مجانية مولتها التبرعات وساعدت حتى الآن 30 ألف مصاب.
مودي بيطار
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد