أين وصل الإصلاح في سوريا؟
بعد قرابة ست سنوات من الخلافة الرئاسية يرى كثير من الباحثين السوريين أن ما تحقق حتى الآن من اصلاح أو تغيير يعتبر دون مستوى الآمال التي علقوها على الاصلاح منذ خطاب القسم. والحق أنه منذ وصول الرئيس بشار الاسد الى سدة الحكم أضحى الاصلاح والتغيير موضوعين للنقاش الواسع حول ما اذا كان هناك أمل حقيقي في التغيير أم لا، وما هي حدود التغيير المحتمل. ودلّ ما نشرته الصحافة السورية واللبنانية لمثقفين سوريين متبايني الاتجاهات على حالة من عدم التوافق ما بين الحماسة للتغيير، واليأس من امكان حدوثه.
كان الاصلاح الاداري بالنسبة الى الرئيس الاسد الكلمة المفتاحية منذ البداية. فقد كان فرط المركزية والبيروقراطية وعدم الكفاءة وعدم الشفافية يشكل مشكلة عويصة. وأدركت القيادة السورية الجديدة ان عملية صنع القرار الاداري يجب أن تكون أكثر فاعلية، وأن الامر يحتاج الى خبرة أجنبية.
وفي عام 2003، تم بالفعل استقدام مجموعة من المستشارين الفرنسيين للتخطيط والاشراف على إعادة بناء مجموعة من الوزارات. وقد تبين أن الادارة السيئة ليست مشكلة تقنية فقط، بل هي في النهاية مشكلة اعتياد راسخ. فقد كان الكادر الاداري السوري في غالبيته، نظراً الى الثقافة الادارية التي كانت سائدة منذ أكثر من 40 عاماً، ينتقد الى القدرة والاستعداد لاتخاذ القرارات الجريئة. فقد تعلم هذا الكادر ألا يتخذ المبادرات، وأن من الأسلم طلب التوجيهات من الأعلى. وكان التوظيف والترقية في كثير من الأحيان يعتمدان على الولاء أكثر مما يعتمدان على المهارة والجدارة. وهذا ما كان يرجح العطالة على حساب الابداع .
كان الرئيس السوري على اقتناع تام بأولوية الاصلاح الاقتصادي، ومبدئية التدرج في الاصلاح السياسي. وقد أوضح في خطاب القسم أن "قصور الادارة هو من أهم العوائق التي تعترض مسيرة التنمية والبناء". واعتمد الرئيس في جهوده لاحداث الاصلاحات الادارية على مجموعة من "التكنوقراط". ولكن هؤلاء سرعان ما اصطدموا بمراكز القوى في أجهزة الدولة. ووجد التكنوقراطيون أنفسهم عاجزين عن احداث تغييرات أو تطوير استراتيجيات لازمة لاحداث التغييرات المطلوبة.
اتصف الخطاب الذي قدمه عدد من دعاة الاصلاح في سورية بالموقف الحدي الداعي الى الاصلاح الشامل بدءاً من تغيير الدستور. وقد وجد خصومهم في أروقة السلطة في دعوتهم الاصلاحية الشمولية ومنحاها الليبرالي، مع تأكيدها على تنشيط مؤسسات المجتمع المدني، خطراً على مصالحهم. وتمكن هؤلاء من تضييق الخناق على المنتديات السياسية بالفعل.
أظهرت مجريات الامور ان مشروع الاصلاح السياسي الذي تطلعت اليه بعض القوى الاصلاحية، ومشروع الاصلاح الاداري - الاقتصادي الذي تقوده الحكومة، يواجهان الكثير من المصاعب، ويسيران في طريق مليء بالمزالق والعثرات. واستطاعت مراكز القوى سحب البساط من تحت أرجل المعارضة، واستعادة المساحة المحدودة من حرية التحرك السياسي والاعلامي التي استخلصتها.
طالب الاصلاحيون باصدار قانون الاحزاب، والسماح بالتعددية الحزبية. كما طالبوا بحرية الصحافة، والسماح بنقد السياسات المحلية والخطط الوزارية والممارسات العامة؛ وهذا ما تحقق بدرجة نسبية في وسائل الاعلام السورية. كذلك ارتفعت اصوات المعارضة داعية الى دعم مؤسسات المجتمع المدني بصفتها المخرج من الاعتماد الكامل على الدولة لتنظيم المجتمع السوري. وقامت المعارضة بالفعل بتأسيس ما سمته "لجان إحياء المجتمع المدني". بيد أن النخبة الحاكمة وجدت في فكرة "المجتمع المدني" فكرة دخيلة لا تعبر عن خصوصيات المجتمع السوري! وعجزت المعارضة بالفعل عن احداث التغيير المنشود، وخفتت نسب أصوات المطالبين بالاصلاح، ولكن الشعب لا يزال يتوق الى الاصلاح.
المطلوب من المعارضة في سوريا أن تقدم تصوراً واضحاً لبناء مؤسسات المجتمع المدني بما يتناسب مع التطورات الداخلية، وبما يسمح بتحقيق المصلحة العامة وحقوق الافراد. وهذا يعني أن تقوم المعارضة بوضع أولويات ضمن إطار الممكن اليوم، الامر الذي يتطلب تحقيقه مزيداً من الجهد لبناء المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية، قبل المطالبة بالتغيير الشامل. كما يتطلب ان تعمل المعارضة على بناء صدقيتها من خلال المبادرات والانجازات.
يبقى مصير الاصلاح في سوريا مرهوناً بتكون إرادة شعبية للاصلاح نابعة من احتياجات أفراد المجتمع من جهة، ومن تزايد الوعي الشعبي لا من طموحات فردية أو حزبية ضيقة. ويبقى السؤال الى اليوم بعد ست سنوات من حديث الاصلاح: هل تتشكل مطالب الاصلاح الشعبية ضمن عملية متدرجة ترعاها الحكومة، أم تتشكل تحت تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج؟
من الأفضل أن يتحقق الاصلاح وفق الخيار الاول بالتأكيد.
هشام الدجاني
المصدر: النهار
إضافة تعليق جديد