إسرائيل تستهدف «نقطة» في بحر سلاح حزب الله وتتوقع الرد
تعاملت إسرائيل باهتمام بالغ وشديد، مع أنباء استهدافها موقعاً عسكرياً سورياً في القلمون قبل أيام، رغم اقتصار المقاربة الرسمية على وزير الأمن، موشيه يعلون، الذي لمّح الى مسؤولية تل أبيب، من دون إقرار صريح بها.
وفي سياق كلمة ألقاها يعلون في احتفال خاص في مبنى وزارة الأمن في تل أبيب بمناسبة «عيد استقلال» الدولة العبرية، لمح الى مسؤولية إسرائيل عن الهجوم في القلمون، مشيراً الى أن «إيران تواصل محاولات تسليح حزب الله، حتى في هذه الأيام، وهي تسعى الى تزويد هذه المنظمة اللبنانية بأسلحة متطورة ودقيقة، وعناصر الحرس الثوري الإيراني يسعون الى تحقيق ذلك بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة ممكنة، مع إدراكهم بأن إسرائيل رسمت خطوطاً حمراء لا تنوي أبداً أن تساوم عليها».
وحذر يعلون من عواقب هذه المحاولات، مؤكداً أن إسرائيل لن تسمح بنقل السلاح النوعي الى منظمات إرهابية، وفي مقدمها حزب الله في لبنان، و«نحن سنعرف كيف نصل إليه وإلى من يرسله، في أي وقت وفي أي مكان». وأضاف: «لن نسمح لإيران وحزب الله بإنشاء بنية تحتية إرهابية على حدودنا مع سوريا، وسنضع يدنا على من يهدد سكان إسرائيل، وعلى طول الحدود، بل وأبعد من ذلك».
وجاءت تصريحات يعلون بعد يوم طويل من التعليقات، ملأت الإعلام العبري في اليومين الماضيين، وجاءت في معظمها مشككة بجدوى استراتيجية توجيه ضربات جوية لسلاح حزب الله في سوريا، مع تركيز المحللين والمعلقين على تداعيات الهجوم الأخير، وما سموه التوتر الشديد على الحدود الشمالية مع لبنان، وإمكان تلقي إسرائيل رداً غير محسوب، من شأنه أن يتسبب بمواجهة عسكرية واسعة.
صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي أفردت حيّزاً بارزاً في مقاربة «الغارة الجوية على سلاح حزب الله في القلمون»، أشارت إلى أنه حتى لو صحت التقارير المنشورة في الخارج عن هجوم إسرائيلي ناجح ضد شحنة صواريخ تابعة لحزب الله في سوريا، إلا أن المسألة لا تتعدى كونها نقطة في بحر السلاح الموجود لدى الحزب، فـ«مخزون السلاح هو ضخم جداً، ولا يمكن تدميره بهجمات جوية على جرعات مرة كل نصف سنة، لأن الحزب مسلح من رأسه الى أخمص قدميه، وبجميع أنواع الأسلحة المعروفة براً وبحراً وجواً، وهو قادر على استهداف أي نقطة في إسرائيل، بل هو قادر على إطلاق أكثر من 1500 صاروخ يومياً، من أصل مخزون هائل يبلغ 130 ألفاً».
أما عن الصمت الرسمي، سواء للإقرار أو النفي، فأكدت الصحيفة أن هناك مصلحة واضحة بالحفاظ على صمت إعلامي رسمي، إذ إن إسرائيل معنية بعدم تحفيز حزب الله على القيام برد يؤدي الى تصعيد خطير بين الجانبين، لكن في الوقت نفسه «عرفت إسرائيل كيف تختار توقيت الضربة»، إذ إنها لاحظت أن النظام السوري وحزب الله يعانيان من ضائقة في شمال سوريا، وفهمت أن الوقت مناسب جداً لتوجيه الضربة، وخاصة بعد الأنباء الواردة عن سيطرة «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم «القاعدة» على بلدة جسر الشغور في محافظة إدلب.
مع ذلك، حذرت الصحيفة القيادة في تل أبيب من التمادي، لأن الأمر يتعلق بمناورة خطرة جداً في مقابل حزب الله الذي بات لديه من القدرات والتجربة العسكريتين ما يؤهله لأن يكون جيشاً بكل ما للكلمة من معنى. «ويمكن القول إنه تنتظرنا على الحدود الشمالية قنبلة موقوتة، تلزمنا بإعادة التفكير بشكل مختلف، وإذا لم ينجحوا في المؤسسة الأمنية في تفكيك هذه القنبلة، وأيضاً بسرعة، فتنتظرنا معركة لم نشهد لها مثيلاً»، تضيف الصحيفة.
حزب الله قادر على إطلاق أكثر من 1500 صاروخ يومياً، من أصل مخزون يبلغ 130 ألفاً
وأشار كبير معلقي الشؤون الأمنية والعسكرية في الصحيفة، أليكس فيشمان، الى إمكان تفهم قلق إسرائيل من منظومات «كاسرة للتوازن» تنقلها إيران الى حزب الله، لكن في الوقت نفسه، لفت فيشمان الى أن هذه المنظومات لا يمكن صدها وإيقافها بقصف مخازن ومستودعات، لأن عدداً ضرب عدد إضافي من الصواريخ كان سينقل الى حزب الله في لبنان لا يغير شيئاً، مشيراً الى وجود معطى آخر يتعلق بالساحة السورية. وأوضح أن قصف الموقع السوري في منطقة القلمون كفيل بالتأثير على القتال الجاري هناك بين النظام والمعارضين في هذه المنطقة تحديداً، إذ منذ أكثر من أسبوع يتموضع الجانبان في جبال القلمون ومحيط دمشق، لخوض معركة حاسمة هناك.
بدورها، أشارت صحيفة «هآرتس» الى أن «ما يحكى» عن ضربة جوية لسلاح كاد أن ينقل الى لبنان في منطقة القلمون السورية، يشير من جديد الى أن «تهديد صواريخ حزب الله عاد ليحتل مكانته كتحدّ أمني رقم واحد بالنسبة لإسرائيل». وحاولت الصحيفة أن تدافع عن قرار الضربة لتؤكد أن «المسألة لا تتعلق فقط بقافلة صواريخ تنضم الى ترسانة حزب الله الهائلة، فهذا ليس دافعاً لشن غارات، بل هي قافلة تحوي صواريخ ذات نوعية خاصة ودقيقة للغاية، كونها تخرق فعلاً التوازن بين حزب الله وإسرائيل».
وكتب معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة، عاموس هرئيل، ليشير الى أنّ حزب الله بحاجة الى صواريخ دقيقة كي يتمكن من إصابة الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية التي هدّد (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله باستهدافها في الحرب المقبلة. أما لجهة التوقيت، فأكد هرئيل ما ذهبت إليه «يديعوت أحرونوت»، ولفت الى أن الغارة جاءت في توقيت مرتبط بتراجع النظام في سوريا أمام هجمات شنتها تنظيمات متطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة»، التي استولت في الفترة الأخيرة على مواقع عديدة في سوريا وعلى حدودها.
صحيفة «إسرائيل اليوم» أشارت، من جهتها، الى أنّ «الهجمات الإسرائيلية المزعومة»، تأتي في فترة توتر متزايد على الجبهة الشمالية مع لبنان، وهي «هجمات» أعقبت مواقف وتصريحات صدرت أخيراً عن القيادة الإسرائيلية، بما يشمل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه يعلون، اللذين حذّرا من زيادة الوتيرة غير المسبوقة للمساعي الإيرانية في تسليح حزب الله، و«هذه الأمور طرحت أيضاً تحذيرات في سياق اللقاءات التي جرت بين القيادة الإسرائيلية وممثلين عن حكومات أجنبية».
وكتب معلق الشؤون العسكرية في «إسرائيل اليوم»، يؤاف ليمور، أنه يمكن التقدير بأن إسرائيل ملتزمة فعلاً بالخطوط الحمراء التي رسمتها سابقاً، بمنع تزويد حزب الله بوسائل قتالية متطورة، «لكن على الرغم من ذلك، ومن المتابعة والنشاط الإسرائيلي حيال هذه المسألة، يتبين أن حزب الله نجح في إدخال شحنات سلاح الى لبنان، من بينها صواريخ دقيقة ومنظومات متطورة مضادة للطائرات والسفن الحربية». لكن مع ذلك، يؤكد ليمور أنه ليس لدى الطرفين أي مصلحة في هذه المرحلة بالتصعيد الشامل، «لكن يجب التأكيد على أن أي حادث قد يخرج عن السيطرة ويدخل الشمال في دوامة خطرة».
أما دان مرغليت في الصحيفة نفسها، فأشار الى أن «النشاط العسكري المنسوب الى إسرائيل» لا يهدف الى حل مشكلة صواريخ حزب الله، كما أنه لا يستطيع ذلك، إذ إن «سلسلة الهجمات المنسوبة لإسرائيل أُعدت فقط للحفاظ على الوضع الراهن في مخازن الصواريخ التابعة لمنظمة الإرهاب الكبرى ــ حزب الله»، محذراً من ضرورة إفهام الجميع بأن الإصرار الإسرائيلي لم يضعف، أو أن تل أبيب خضعت للتهديد وبدت كأنها ارتدعت.
القناة العاشرة العبرية، في تقرير لها، تساءلت عن رد حزب الله ومداه وتوقيته ومستواه، ورأت أنه إذا قرر الرد فإن رده لن يكون فورياً، إذ إنه بحاجة الى وقت كي يعد نفسه، كما أنه ليس في عجلة من أمره. وأشارت القناة الى أن مكان الرد بات شبه معلوم، وسيكون في مزارع شبعا على الحدود مع لبنان، الأمر الذي يلزم الجيش الإسرائيلي بتقليص عديد قواته في هذه المنطقة والكف عن تسيير قوافل عسكرية أو دوريات زائدة لا لزوم لها، فـ«من أطلق ستة صواريخ على قافلة لواء غفعاتي (عملية مزارع شبعا الأخيرة) كان يهدف الى قتل عدد كبير من الجنود، ولم يكن مرتدعاً من رد إسرائيلي يعقب ذلك، وإذا كان هناك من يرى أنه لا يريد (حزب الله) الحرب، فهذا لا يعني أنه لن يعمد من جديد الى الهجوم، وبما يصل الى حد الذهاب قريباً جداً من المواجهة الشاملة التي لا يرغب فيها أي من الجانبين».
يحيى دبوق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد