اتجاه أمريكي لـ"تهدئة مبدئية" مع إيران
اعرب فريق العقلاء المحترفين في الدبلوماسية الامريكية عن غبطتهم بتغيير إدارة الرئيس جورج بوش نهجها في التعامل مع إيران، واعتماد التحرك الدبلوماسي بدلاً من المخاطرة بحرب، في ما اصطلح على تسميته "تهدئة مبدئية".
ولم يخف العقلاء سعادتهم بقرار واشنطن فتح مكتب علاقات في طهران بعد 30 عاماً من القطيعة، كانت المصالح الامريكية خلالها تدار عبر سفارة سويسرا في طهران.
وحسب مصادر في واشنطن وفي مؤسسة راند للأبحاث العسكرية فإن اسباباً واقعية ومنطقية وعلمية كانت هي المحك في اتخاذ واشنطن هذا القرار لاسيما وان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس سبق أن تابعت مع فريق عمل شكل لبحث أمر التعامل مع طهران منذ عامين خلص الى النتيجة ذاتها. وكانت رايس قد قالت في واشنطن للصحافيين، إن قرار إدارة بوش تغيير سياستها السابقة وارسال واحد من كبار دبلوماسييها إلى مباحثات غد السبت في سويسرا "5 + 1" في وجود مستوى ايراني رفيع، يثبت ان المجتمع الدولي متحد في محاولة إزالة التهديدات القادمة من البرنامج النووي الايراني، واضافت رايس "ما نحاول فعله هو ان نقف وبقوة خلف هذه التحركات الدبلوماسية، وان نقف بصلادة واتحاد مع حلفائنا، ونأمل ان الايرانيين ستصلهم الرسالة". وعلى الرغم من مناشدة ونصيحة كبار العقلاء وعلى رأسهم وزيرا الخارجية الاسبقان جيمس بيكر ووارين كريستوفر منذ وقت طويل لإدارة بوش للتحاور مع طهران وليس تجاهلها أو استخدام سياسة التصعيد في الوقت نفسه، إلا أن الاسباب الحقيقية التي كانت وراء اتخاذ ادارة بوش هذه الخطوة الدبلوماسية التي ازعجت الصقور كثيراً واللوبي "الإسرائيلي" في الولايات المتحدة تمثلت أولاً في تقرير خطير وضعته مؤسسة راند للابحاث العسكرية والسياسية بطلب من سلاح الجو الامريكي، والسبب الآخر جاء من قيادة الأركان التي وجدت أنها بحاجة إلى ارسال المزيد من القوات الامريكية الى افغانستان، إلى درجة ان رئيس الاركان افصح عن اضطراره لإرسال القوات التي كان من المزمع ارسالها للعراق الى افغانستان بدلا من ذلك.
الضغط الذي مارسته "البنتاجون" اضافة إلى النتائج المهمة التي توصلت إليها مؤسسة راند، وايضاً نتائج تصور مواجهة عسكرية محتملة مع ايران سواء عبر الولايات المتحدة أو على يد "إسرائيل"، كلها صبت في مصلحة اتخاذ القرار بالتهدئة واتخاذ طريق الحوار مع ايران "مبدئياً"، ومبدئيا هذه جاءت لتهدئة اليمين المتشدد وصقور ادارة بوش، وذلك بأسلوب "لعل وعسى"، كما حدث مع كوريا الشمالية.
ويبدو ان الرئيس بوش القلق على "إرثه" التاريخي والممتلئ بأشجان "عظمة حقبته"، وافق على هذه الخطوة التي ستمكنه من القول بأن حقبته كرئيس شهدت افتتاح أول مقر للتمثيل الدبلوماسي الامريكي في ايران بعد ثلاثين عاماً من المقاطعة منذ ازمة الرهائن التي تسببت في خسارة الرئيس الاسبق جيمي كارتر معركة الانتخابات الرئاسية. ولعل التاريخ يكرر نفسه الآن، حيث أبدت "البنتاجون" قلقها من احتمالات فقدان أرواح الجنود الأمريكيين سواء بالخطف - حسبما سبق وهدد إيرانيون - أو بالقتل، هذا الضغط من "البنتاجون" إضافة الى العديد من الأسباب التي سبق ذكرها، كانت بلا شك وراء قرار إدارة بوش الدخول في مفاوضات والتزام الطرق الدبلوماسية مع طهران، بغض النظر عن التصريحات الأمريكية بأن المبعوث الأمريكي ويليام بيرنز سيستمع ولن يتفاوض مع إيران، وأن حضور المفاوضات يظهر الالتزام الأمريكي بمحاولة حل الخلافات سلمياً.
وكانت مؤسسة راند قد وصلت في الدراسة المهمة الى أن أي هجوم على إيران غالبا سيعقد الموقف، ولن يوقف البرنامج النووي الإيراني، وأن أي هجوم "إسرائيلي" أو أمريكي على الجمهورية الإسلامية، سيقوي النظام الإيراني داخليا، وأنه لو تم قصف المواقع الإيرانية فإن التأييد الشعبي داخل إيران سيتضاعف، على عكس المطلوب أمريكياً، بضرورة إحداث تغيير داخلي.
وجاء في تقرير راند سبب يعتقد انه الرئيسي والحقيقي وهو المتعلق بأسعار النفط، حيث ان مهاجمة ايران ستشعل أسعار النفط وسيغلق لمدة غير معلومة الممر الذي يؤمن تصدير النفط من الخليج العربي. وحذر التقرير من أي ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط في حالة مهاجمة إيران، مع فرض ان "إسرائيل" هي التي ستقوم بمهاجمة إيران، فإن ذلك سيقوي موقف الحكومة الإيرانية بدرجة أكبر بكثير مما هو متوقع. أي أن الولايات المتحدة ستخسر بشكل متضاعف.
وحذر التقرير من أن ترك "إسرائيل" تقوم بهجوم على إيران فالعواقب الاقتصادية ستكون كارثية، ليس فقط في الولايات المتحدة ولكن في العالم.
واقترحت "راند" في تقريرها ان تحسن الولايات المتحدة من علاقاتها مع طهران، وحذرت من خطأ دق اسافين لإثارة النعرات والخلافات الاثنية داخل إيران لا سيما الاقليات.
يذكر ان الولايات المتحدة كانت قد رصدت 400 مليون دولار لزعزعة الاستقرار الداخلي في ايران.
ونصح تقرير راند بأن تتوقف الولايات المتحدة عن التهديد بتغيير النظام الإيراني او فرض المزيد من العقوبات الجديدة عليها باعتبار ان هناك علاقة إيجابية بالأساس موجودة بين الولايات المتحدة وإيران، وأنه وعلى خلاف الشرق الأوسط فإن الولايات المتحدة لها شعبية في ايران.
أضاف ان من المتوقع ان تزداد خطى الديمقراطية في ايران، وأن يقل عنادها على المدى البعيد.
حنان البدري
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد