ازدهار صناعة الحشيش في المغرب
في الوقت الذي تقوم فيه السلطات المغربية بتجريف آلاف الهكتارات من حقوق القنب الهندي (الحشيش) في عدد من مناطق شمال المغرب، فإن عصابات تهريب المخدرات تزداد أنشطتها بنحو مكثف وتتوسع رقعة تحركاتهم في مختلف مناطق البلاد.
وكانت محاكمة شبكة لتهريب المخدرات ألقي القبض على 9 من أفرادها أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في إسبانيا بعد أن أوصلوا 27 طنا من المخدرات بنجاح إلى إسبانيا، قبل أن يقعوا في قبضة الأمن الإسباني، قد ألقت الأضواء على الاحترافية الكبيرة التي أصبحت تطبع عمل هذه الشبكات، والرقعة الجغرافية الكبيرة التي أصبحت تتحرك فيها، والتي تمتد من أقصى شمال المغرب إلى أقصى جنوبه.
وكانت المحكمة الابتدائية في طنجة (شمال) قد أجلت أخيرا البت في قضية تهريب 27 طنا من المخدرات، وهي قضية مثيرة امتدت بين طنجة والداخلة (جنوب)، وجرت بكثير من الذكاء.
وكانت ثلاث شاحنات قد غادرت طنجة في 23 أكتوبر الماضي في اتجاه مدينة الداخلة بالصحراء، لشحن كمية من السمك المجمد من ميناء المدينة.
وعقب وصول الشاحنات إلى ميناء طنجة أتلف سائقوها أجهزة مراقبة السرعة من أجل التمويه عن المدة الزمنية التي استغرقتها عملية الانتقال بين المدينتين، والأماكن التي تم التوقف فيها، ومدة التوقف، فيما يعني تجميدا لكل المعلومات التي يمكن أن تفيد الأمن حول الشبهات التي يمكن أن تحيط بالشاحنات، وحول ما إذا توقفت في أماكن معينة من أجل استبدال أطنان السمك بأطنان المخدرات أم لا.
وكانت شاحنتان من بين ثلاث قد عبرتا وقتها ميناء طنجة نحو ميناء الجزيرة الخضراء (جنوب إسبانيا)، فيما منعت الثالثة من العبور بدعوى نقص الوثائق، حيث تقول السلطات المغربية إن ذلك تم باتفاق مع سلطات الأمن الإسبانية التي مدت الأمن المغربي بمعلومات حول العملية. فيما لم يُعرف لماذا تم السماح للشاحنتين بالعبور على الرغم من أنهما لا تتوفران على الأقراص المدمجة التي تبين أماكن توقفهما وسرعتهما بين الداخلة وطنجة.
وتقول معلومات الأمن المغربي إنه في اليوم نفسه الذي سمح للشاحنتين بعبور المضيق والإبقاء على الثالثة في الميناء، وصلت شاحنة ثالثة في ملكية شركة النقل نفسها، وكانت تحمل نفس وثائق الشاحنة التي بقيت في ميناء طنجة. ويضيف الأمن المغربي أن تلك الشاحنة تم ضبطها في ميناء الجزيرة الخضراء «محملة بكمية من المخدرات»، من دون إعطاء تفاصيل حول أسباب السماح لها أيضا بالمرور من ميناء طنجة بدون تفتيش.
وبغض النظر عن التفسيرات التي يقدمها الأمن المغربي أو الإسباني حول ضبط شاحنات نقل البضائع بأطنان المخدرات، فإن الحادثة المذكورة بينت أن الاتجار ونقل المخدرات لم يعودا مقتصرين على منطقة شمال المغرب، واتسعت رقعتها لتشمل مدنا بعيدة.
وأصبح شحن المخدرات جنوب المغرب، من بينها أكادير وبعض مدن الصحراء، أمرا شائعا في السنوات الأخيرة، حيث تعمل مافيا الاتجار في الحشيش على محاولة تمويه الأمن، واختلاق خريطة طريق لا علاقة لها بالطرق التقليدية التي تسلكها عادة عملية شحن المخدرات من منابعها التقليدية في شمال البلاد.
ويعتبر المغرب ثاني منتج عالمي للقنب الهندي بعد أفغانستان، ويذهب أغلب إنتاجه نحو الأسواق الأوروبية.
ويتم زرع أزيد من 200 ألف هكتار من الأراضي شمال البلاد بالحشيش، غير أن السلطات المغربية تعاقب على إنتاجه وترويجه، على الرغم من أنه يدر على الشبكات المحلية والدولية أزيد من 12 مليار دولار سنويا، لا يأخذ منه المزارعون البسطاء سوى النزر اليسير.
وأدى ارتفاع مداخيل شبكات المخدرات إلى تفتح شهية الكثيرين على هذه الصناعة الآخذة في الازدهار. وفي الوقت الذي كان فيه أغلب المتاجرين فيها من داخل المغرب يتحدرون في السابق من شمال المغرب أو إسبانيا، فإن مغامرين كثيرين دخلوا هذا الميدان في السنوات الأخيرة، وأصبح تجار المخدرات الكبار يوجدون في عدد من المدن المغربية مثل الدار البيضاء وأكادير والداخلة ومراكش والرباط وفاس، وهم الذين أصبح يطلق عليهم لقب «أغنياء الحشيش»، وجاء ذكر أسماء بعضهم في تقرير أعده المرصد الدولي لتجارة المخدرات، وبعضهم كانوا يتبوأون مناصب مهمة أو نوابا في البرلمان السابق.
وعلى الرغم من أن الجمارك في إسبانيا والمغرب يضبطون كل عام المزيد من المخدرات، إلا أن بلدان الاتحاد الأوروبي تشتكي من كونها أصبحت تعرف فائضا، وأن هناك المزيد من المدمنين في أوروبا كل سنة.
وتعاني إسبانيا، التي تعتبر الممر الرئيسي للمخدرات نحو باقي بلدان الاتحاد الأوروبي، من تزايد كبير في معدل الإدمان بين المراهقين والشباب. وتقول إحصاءات أصدرها المرصد الوطني الإسباني للمخدرات إن أزيد من 40 في المائة من المراهقين والشباب الإسبان، سبق لهم أن دخنوا لفافات المخدرات المعروفة باسم «الماريغوانا»، وأن عدد مماثلا من التلاميذ الذين يتراوح عمرهم بين 14 و18 عاما سبق لهم أن جربوها.
وفي الوقت الذي تصدر فيه الحكومة الإسبانية أرقاما حول معدل الإدمان في البلاد باعتبارها بلد عبور أساسيا للمخدرات، إلا أن المغرب الذي ينتج مئات الأطنان من الحشيش كل عام، لا يتوفر على أية أرقام حول عدد المدمنين في البلاد. وأغلب الأرقام التي يتم تداولها تقريبية ولا تصدرها معاهد دراسات مختصة.
عبد الله الدامون
المصدر: الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد