استثمار أم تقسيم؟
لا يمكن فصل الغضب الشعبي المتزايد من فشل الحكم «الإخواني» عما يجري على الأرض، فالأزمة الحقيقية لا تكمن فى سوء الإدارة بقدر ما تتمثل في سوء النية لدي جماعة «الإخوان المسلمين»، ولعل آخر فصولها يتمثل في «مشروع تطوير وتنمية إقليم قناة السويس».
أين الأزمة فى المشروع؟ وما هي أخطاره؟ وهل سيحقق تنمية حقيقية؟
يبدأ الجدل حول «مشروع تطوير وتنمية قناة السويس» باسمه، وتحديداً في كلمة «إقليم»، التي تعني صراحة فصل مدن القناة عن أرض مصر... لكن ما خفي كان أعظم!
يرى الخبير القانونى ياسر فتحي، وهو أحد أشد المناهضين للمشروع والداعين إلى الحشد ضده، أن ثمة نقاطاً في غاية الخطورة وردت فى مشروع القانون:
أولاً: نصوص هذا القانون فضفاضة وعامة، ولا تتضمن اي تفاصيل تضبط العلاقات بين أطراف المشروع، أي الهيئة العامة لتنمية إقليم قناة السويس، والشركة الرئيسية، والمستثمرين، في حين أن المهمة الرئيسية لأي قانون تتمثل في ضبط التفاصيل.
ثانياً: يعطل القانون سلطات أجهزة الدولة لمصلحة شخص رئيس الجمهورية ثم مجلس إدارة الهيئة.
ثالثاً: صدر القانون بمسار جغرافي غير محدد، بمعنى أنه لم يحدد النطاق الجغرافى للمشاريع المقررة، كذلك لم يحدد نوعية هذه المشاريع.
رابعاً: يعطل القانون كل القوانين في المنطقة غير المحددة. كذلك، لن تكون هناك سلطة في «إقليم» السويس هذا سوى لرئيس الجمهورية ومجلس إدارة الهيئة، وهما سيقرران ما يشاءان من قوانين لهذه المنطقة، في ما يعد اغتصاباً وتعدياً واضحاً على السلطة التشريعية والسلطات الرقابية لمصلحة شخص الرئيس وأفراد مجلس الادارة.
وكشف فتحي عن مفاجأة تتمثل في أن نصوص القانون قاطعة الدلالة بأن هناك عنصراً أجنبياً في الشركة الرئيسية للمشروع - وفي رأيه أن هذا الشريك هو قطر - حيث قسم القانون الجهات صاحبه الاستثمار فى المشروع الى خمسة أقسام: مجلس ادارة الهيئة، الشركة الرئيسية (نصت مادة الشركة على وجود شريك أجنبي)، شركة الباطن، الشركات المسجلة، والمستثمرون. ويعني ذلك أنه ليس هناك مجال للاسثمار الوطني، ولا حتى الاكتتاب العام، لأن حجم أعمال المشروع تتطلب كيانات اقتصادية عملاقة، لا تتوافر فى الشركات المصرية.
ويشير فتحي إلى أن مشروع القانون يتضمن مادة ليس لها وجود في أي قانون في العالم، وهي المادة 20 التي تقطع بأن كل الأعمال قبل صدور القانون (الذي لم يصدر)، وتشكيل مجلس ادارة الهيئة (غير مكتمل بعد استقالة عصام شرف وفريقه المعاون) هي أعمال باطلة. وهذه المادة إشارة من وجهة نظر فتحي الى أن هذا المشروع سيؤدي إلى تقسيم مصر وعزل إقليم قناة السويس عن باقي الدولة المصرية، لأن من حق الرئيس بعد إقرار القانون أن يقر أي قانون خاص بـ«الإقليم» من دون الرجوع الى أي جهة تشريعية أو سلطة رقابية.
وفي الجانب الاستثماري، ينص مشروع القانون على إعفاء الشركات من الضرائب لمدة عشر سنوات في منطقة المشروع. لكن الأمر لا يقتصر على ذلك، فعلى ارض الواقع ثمة إعفاءات غير مسبوقة لضرائب ورسوم توفر مبلغاً كبيراً لخزينة الدولة، ومن بينها إعفاءات ضريبية وجمركية وكذلك رسوم التسجيل.
من جهته، يرى عضو «الجبهة الشعبية لمحور قناة السويس» أشرف دويدار أن لا خريطة استثمارية واضحة للمشروع حتى يحقق عائداً، بدليل أنه اغفل وزارات كثيرة ومهمة كان من المفترض أن تشارك في هذا المشروع - مثل وزارات السياحة والزراعة والصناعة - ولم يستعن سوى بوزارتي الإسكان والنقل.
ويشير دويدار الى أن «الجبهة الشعبية» أجرت مقابلات مع عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية لكشف خطورة هذا المشروع «المشبوه»، من وجهة نظره، وأولى الشبهات في رأيه تتمثل في إسناد وضع دفتر الشروط للمشروع الى مكتب إسباني، ولم يتم توضيح لماذا هذا المكتب بالذات، كما أنه لم تجر مناقصة عالمية تتناسب مع حجم المشروع وأهميته.
الدكتورة استشهاد حسن البنا، أستاذة الاقتصاد وابنة مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين»، وصفت مشروع تنمية إقليم قناة السويس بقانونه المعلن بأنه «كارثة».
وأشارت البنا، الى أنها طالبت بتطبيق المشروع الذي تقدم به المهندس حسب الله الكفراوي لأن فيه خمس جهات رقابية، بعكس القانون الحالي الذي لا يشمل أي هيئة أو مؤسسة رقابية مستقلة وبعيدة عن الرئيس ومجلس ادارة الهيئة.
ويبقى السؤال، ما العائد الاقتصادي من المشروع؟
يجيب استاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة شوقي حسن أن الحديث يدور عن عائد هزيل للغاية لا يتناسب مع حجم المشروع، لأن معظم العائد سيذهب إلى الشركات الكبرى، بدليل، والكلام لشوقي حسن، أن المشروع ضرب ثوابت قانون العمل المصري الذي يشترط ألا تزيد نسبة العمالة الأجنبية في أي مشروع عن 10 في المئة، في حين نص القانون على 20 في المئة، وقدم إعفاءات كبيرة لم تكن متاحة حتى أيام نظام مبارك.
محمد فوزي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد