الأردن يسحب سفيره من إسرائيل
فتح الأردن الباب أمس، أمام ردود فعل عربية وإسلامية على انتهاكات إسرائيل للحقوق العربية في القدس الشرقية المحتلة، بإعلانه استدعاء سفيره لدى إسرائيل، للتشاور احتجاجاً على ما أسماه «تصعيد أعمال العنف الإسرائيلية في القدس».
وترافق الإعلان الأردني مع تزايد الإقرار في الجانب الإسرائيلي بأن ما يحدث في القدس ليس مجرد انتفاضة هادئة وإنما هي انتفاضة تزداد سخونة وتهدّد بجرف الضفة الغربية إليها. وكان تظاهر الحكومة الإسرائيلية بالتهدئة وإعلان كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون أن لا نية لتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي قد تبدد بالسماح لعضو الكنيست اليميني المتطرف موشي فيغلين بدخول الحرم.
وصعّدت إسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل حملتها ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي اعتبره نتنياهو المحرض على القتل، فيما وصفه وزير الاقتصاد نفتالي بينت بأنه قائد «قطار الموت» في القدس.
وفي خطوة ذات دلالة، خصوصاً بعد جهود أردنية متواصلة بحثّ أميركي، سحب الأردن سفيره من تل أبيب احتجاجاً على العنف الإسرائيلي الممارس بشدة في القدس الشرقية ضد أهلها الفلسطينيين. كما قدم الأردن احتجاجاً رسمياً إلى مجلس الأمن الدولي ضد التوجه العدواني لإسرائيل في الحرم القدسي.
وسبق للأردن، الذي يعتبر وصياً على الحرم القدسي على الأقل وفق اتفاق وادي عربا، أن حذّر إسرائيل من استمرار محاولات فرض واقع جديد في الحرم القدسي يُفضي إلى تقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود. واعتبر الأردن ذلك خطوة عدائية من طرف واحد يمكن أن تهدد اتفاقية السلام بين الدولتين.
ويتناقض الموقف الأردني مع محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية لادعاء وجود أساس للتحالف مع الدول العربية المعتدلة من دون التخلي عن سياسة الاحتلال وضمّ الأراضي بالقوة وعدم تحقيق السلام. ومن الجائز أن يشكل هذا الموقف إحراجاً للدولة العربية الأخرى التي أبرمت سلاماً مع إسرائيل، وهي مصر، والتي ترى نفسها مدافعاً أول عن الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية. لذلك ليس مستبعَداً، وبرغم كل ما يُشاع عن تعاون إسرائيلي مصري، خصوصاً حيال ما يجري في سيناء، أن تقدم مصر على خطوة احتجاجية ذات شأن على هذا الصعيد.
وكانت القدس قد شهدت أمس، ثاني حادث صدم يقوم به عربي ضد إسرائيليين وجنود الاحتلال. وأدى حادث أمس، إلى مقتل ضابط في حرس الحدود الإسرائيلي وإصابة آخرين كانوا معه في طريقهم إلى قاعدتهم قبل أن يصدم إسرائيليين كانوا ينتظرون في محطة للقطار إلى أن صرعته الشرطة الإسرائيلية بالرصاص. وعلى الأقل هناك أربعة جنود من حرس الحدود في حالة الخطر بعد إصابتهم بشكل بليغ في الحادث. وقبل أسبوعين تقريباً وقع حادث آخر قتلت فيه إسرائيلية وأصيب سبعة آخرون بجروح.
وقد حمل المسؤولون الإسرائيليون بشدة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس جراء تأييده لنضالات أبناء شعبه في القدس المحتلة، برغم بذله وأجهزة السلطة جهوداً لمنع انتشار انتفاضة القدس في مناطق الضفة الغربية المحتلة. وحمل نتنياهو على عباس بسبب الحادث وحمّله المسؤولية، قائلاً إن «في الأيام الأخيرة بتنا شهوداً على تحريض متزايد من جانب أبو مازن، الذي بلغ به الحد أن أرسل رسالة تعزية لمن حاول اغتيال يهودا غليك. وحادث الدهس في القدس اليوم هو نتيجة تحريض رئيس السلطة، ولكن لا ريب عندي أننا سوف ننتصر في المعركة. والصراع قد يستمر ولذلك ينبغي رص صفوف الشعب».
من جهته هاجم بينت الرئيس الفلسطيني معتبراً أن «أبو مازن هو سائق سيارات الموت في القدس، والمخربون ليسوا سوى مبعوثين منه. وينبغي لإسرائيل أن تقول بصوت واضح أن حكومة فتح - حماس هي منظمة إرهابية وينبغي العمل ضدها على هذا الأساس. ليس هناك قبة حديدية ضد سائقي السيارات، وليس بوسع مواطني إسرائيل العيش من دون ردع وسيادة في عاصمتهم. فالأمن ليس ترفاً».
بدوره، توجه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان برسالة إلى وزراء الخارجية في الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل محملاً الرئيس عباس المسؤولية عن الحادث.
وقال ليبرمان في رسالته إنه محظور على الأسرة الدولية التزام الصمت إزاء الرسالة التي كتبها أبو مازن لعائلة المتهم بإطلاق النار على داعية هدم الحرم القدسي وإقامة «الهيكل اليهودي»، يهودا غليك. وأضاف أن قيادة كهذه للسلطة الفلسطينية، تمجّد وتشجع الإرهاب، تخلق «كياناً إرهابياً» لا يقود إلا إلى مزيد من سفك الدماء. أما عن أعضاء الكنيست من اليمين الإسرائيلي فحدّث ولا حرج عن اتهاماتهم لعباس. وفي كل حال، عقد نتنياهو مداولات مكثفة بحضور كبار القيادات الأمنية والسياسية لدراسة الموقف وتحديد الخيارات. وقد لجأت إسرائيل إلى سياسة الضرب بشدة على يد الفلسطينيين الرافضين لسياسة فرض الأمر الواقع في القدس أو في الحرم القدسي.
وتغوّلت إسرائيل في مساعيها الاستيطانية، خصوصاً في القدس الشرقية، ليس فقط عبر الاستيلاء على أراضٍ، وإنما أيضاً الاستيلاء على بيوت داخل الأحياء العربية بقصد تهويدها. وبالعموم، كان واضحاً أن المنطق الإسرائيلي العام هو أن ما لا ينجح بالقوة يمكن أن ينجح باستخدام المزيد من القوة.
وقبل يومين فقط، أعلن قائد شرطة إسرائيل أن لا شيء في القدس يمكن تسميته انتفاضة أو ما يقترب منها. وأشار هو ورئيس بلدية القدس إلى أن الأوضاع تهدأ، وأنه خلال أيام سيتم قمع ما تبقى من مظاهر الاحتجاج في المدينة المقدسة، غير أن الأوضاع لم تهدأ وشلال الدم في المدينة والحرم القدسي صار بذاته يغذّي النضال ضد الجور الإسرائيلي. ولكن منذ الأمس، صار الحديث عن انتفاضة فعلية في القدس الشرقية، مستمرة منذ اغتيال الشهيد محمد أبو خضير وقتله حرقاً.
وأشار معلقون إسرائيليون إلى أن ما يجري في القدس هو انتفاضة فعلية لكنها خلافاً للانتفاضة الثانية لا تتم وفق ترتيبات أو توجيه من الفصائل الفلسطينية. فموقف الجمهور الفلسطيني في القدس ضد عمليات التهويد يدفع أفراداً للإقدام على عمليات متطرفة، في حين تزداد حشود الفلسطينيين الذين يتظاهرون ضد الخطوات الإسرائيلية في أرجاء القدس عموماً وفي الحرم القدسي خصوصاً.
وعلى هامش التصعيد في القدس، أقدمت اللجنة المحلية للتخطيط والبناء في القدس أمس على إقرار بناء 278 وحدة سكنية في القدس الشرقية المحتلة. وكانت اللجنة اللوائية قد قررت يوم الأحد الماضي بناء 500 وحدة سكنية في رمات شلومو في بيت حنينا.
ومن المقرر أن تقام الأبنية وفق الخطة الجديدة على أساس 216 وحدة في مستوطنة راموت و72 وحدة في جبل أبو غنيم قرب بيت جالا. وتدّعي إسرائيل أن عطاءات البناء هذه تتم وفق خطة لمعاقبة الفلسطينيين في القدس على احتجاجاتهم.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد