الأسابيع الحاسمة في الحرب السورية وتحوّلات أنطاليا وفيينا واللغز الأردني.. فماذا عن دمشق؟
ما أكثرها الإشارات والتحولات التي صدرت خلال الأيام الثلاثة الماضية، سواء في فيينا أو في أنطاليا وحتى في باريس.
فرانسوا هولاند الملطّخ الآن بدماء «11 أيلول الفرنسي»، يقول إن الموقف الفرنسي من الرئيس بشار الأسد لم يتغير، لكن «عدونا الأول» الآن هو تنظيم «داعش». الرئيس الأميركي باراك أوباما يتابع الاستدارة الأميركية الهادئة في ظلال الاقتحام الروسي للمشهد السوري، ويقول الآن، بعد تبنيه ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، خريطة الطريق السورية المعلنة في فيينا، إن هناك «معارضة معتدلة في داخل سوريا» يمكن أن تكون الأساس في «حكومة انتقالية» في المرحلة المقبلة، ويستدرك مذكراً بالتفجير الوحشي الذي ارتكبه «داعش» في بيروت.
عادل الجبير يبدو كأنه المغرّد الوحيد خارج السرب في تكرار لازمة «رحيل بشار الأسد». الصوت القطري يخفت تدريجياً انسجاماً واقعياً أكبر مع الواقع الدولي المحيط. رجب طيب أردوغان يحاول تسويق أفكار أخرى، من بينها «المنطقة الآمنة» لمواجهة «الخطر» الكردي (واستطرادا «داعش»)، ولا يجد تجاوبا غربياً مشجعاً. لا أوباما يريد قوات إضافية على الأرض ولا حتى هولاند، وديفيد كاميرون يصارع البرلمان ليسمح له بالمشاركة في الضربات الجوية. لوران فابيوس المفجوع أيضاً كرئيسه الفرنسي، يتحدث عن ثلاثة خيارات أمام الأسد، أو هكذا يعتقد الوزير الفرنسي بشأن المستقبل. لم يعد الرحيل الآن، شرطاً مسبقاً.
أثيرت في أنطاليا، قضايا ضبط الحدود بما في ذلك الحدود التركية الرخوة أمام مسلحي التنظيمات الجهادية. أشار إليها أوباما صراحة خلال لقائه مع اردوغان. البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين، تبنى إجراءات لمكافحة «داعش» و «جبهة النصرة» مالياً ومحاصرة مصادر تمويلها إقليميا ودولياً، بما في ذلك داخل العراق وسوريا.
لكن هذه الخطوات، قد لا تقتصر على «داعش» و «النصرة» مثلما أقرَّ بيان أنطاليا. الكلام الأميركي والروسي كان واضحاً في ما يتعلق بالمستقبل. تبادل الأميركيون والروس لوائح بشأن التنظيمات الإرهابية وفيها الكثير من التقاطع. قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن وقف إطلاق النار في سوريا لن يشمل «داعش ولا جبهة النصرة ولا المجموعات التي يمكن أن تصنَّف إرهابية في الأيام المقبلة من قبل مجموعة الدعم» التي كلّفت الأردن تحديد لائحة مشتركة للجماعات الإرهابية في سوريا. سيرغي لافروف من جهته، قال «لا مبرر لئلا تتخذ خطوات أكبر بكثير لدحر داعش والنصرة وما على شاكلتهما».
وإذا كانت الأمم المتحدة ستتولى مهمة تحديد الفصائل والشخصيات التي ستشكل وفد المعارضة الموحد للتفاوض السياسي، فإن تصريح أوباما، على هامش قمة أنطاليا، كان لافتا. قال الرئيس الأميركي إنه على «الصعيد الديبلوماسي فإننا نعمل بشكل حثيث لمحاولة جعل كل الأطراف تعترف بأن هناك معارضة معتدلة في داخل سوريا يمكنها أن تشكل الأساس لحكومة انتقالية.. والتواصل ليس فقط مع أصدقائنا، وإنما أيضا مع الروس والإيرانيين الذي يقفون على الجانب الآخر من المعادلة، والشرح لهم أن تنظيما كداعش هو التهديد الأكثر خطورة لهم كما هو لنا».
مجددا يجري التأكيد على أن المسار للسوريين. مقررات فيينا، صارت خريطة طريق. تعيد وزارة الخارجية الأميركية التأكيد بالأمس على أن موعد المفاوضات بين النظام والمعارضة سيكون في بداية العام 2016، والتي يفترض أن تتزامن مع وقف لإطلاق النار، وتقود لاحقا إلى تشكيل حكومة.
لم يصدر موقف سوري رسمي وواضح حتى الآن. دمشق تتمهل عادة بعدما تقرأ وتدقق في تفاصيل فيينا وأنطاليا. توحيد الجهود لمكافحة الإرهاب فكرة لطالما نادت بها، وقد وصلت الرسالة السورية، ولو متأخرة، وعبر الروس والإيرانيين وغيرهم، إلى من يهمه الأمر، بأن اللعب بورقة الإرهاب سورياً، لم يعد مثمراً. يتعزز وضوح هذه الرسالة في جانبين: أولا التقدم الميداني المحرز على الأرض في سوريا مثلما جرى مثلا في محيط حلب، وثانياً «الغزوة الباريسية لداعش» التي أصابت فرنسا، وأوروبا، في الصميم.
يبقى أن لغز تحديد فصائل وتنظيمات «فرق العملة» على الأرض السورية، بيد الأردنيين الآن، أقلّه ظاهريا، إلى أن تتضح طبيعة الضغوط التي قد تتعرض لها المملكة من جانب حلفائها الخليجيين. وقد أعلنت السلطات الأردنية موافقتها على هذا التكليف من قبل اجتماع فيينا. وبما أن الاتفاق قائم حول «داعش» و «النصرة»، هناك تقارير تشير إلى أن اللوائح المتداولة بين الروس والأميركيين تشمل أيضا «حركة أحرار الشام» وفصائل «جيش الفتح»، وهي معلومات إذا ثبت صحتها ستشكل ارتدادا قويا على مواقع النفوذ التركي ـ السعودي ـ القطري.
وفي حين من المتوقع أن يثير تكليف الأردن مخاوف من تعرّض الأمن الأردني إلى ضربات إرهابية في الداخل، نقلت صحيفة «الغد» الأردنية عن وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال المتحدث باسم الحكومة محمد المومني إن قرار المجتمعين في فيينا تكليف الأردن «يدل على مكانة المملكة، واحترام الدول لقدراتها، وكفاءة أجهزتها العسكرية والأمنية»، مشيرا إلى أن الآلية التي سيتبعها الأردن في تنسيق الجهود لوضع هذه القائمة، ستحدد عبر «الأجهزة الأمنية المختصة، وبالتنسيق مع الدول التي تنسق بشأن سوريا».
وكان الملك الأردني عبدالله الثاني أعلن تصميم الأردن على محاربة الإرهاب قبل يومين، وهو سبق له أن قام بزيارة مهمة إلى روسيا في آب الماضي حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين، وأعلن بعدها انخراط أردني في الحرب الروسية على الإرهاب في سوريا. لكن الترجمة الفعلية للموقف الأردني ستتضح في طبيعة لائحة الإرهاب التي سيعدّها لتحديد المسار حول هذا الملف الحساس.
قمة العشرين
أتاحت قمة مجموعة العشرين، إحراز تقدم طفيف في الجهود الدولية لمحاربة «داعش»، حيث اتفق القادة على تعزيز تعاونهم للحد من حرية تنقل الإرهابيين والتصدي للدعاية عبر الانترنت وتوسيع نطاق الملاحقة المالية للإرهابيين وتعزيز الأمن الجوي.
لكن ما شهدته الكواليس كان أكثر أهمية، خصوصا أن القادة كثّفوا لقاءاتهم الثنائية والمتعددة الطرف. والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الأولى مع الملك السعودي سلمان، وذلك بعد ساعات من اجتماع بوتين بنظيره الأميركي باراك أوباما. كما عقد قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وايطاليا اجتماعا خصص قسم كبير منه للملف السوري. وقال مسؤول في البيت الأبيض إن «القادة شددوا على أن مواصلة تعزيز العمل ضد الدولة الإسلامية أمر «ملحّ».
وفي حين أعلن أوباما أن الهجمات المنسّقة التي وقعت في باريس تمثل انتكاسة في القتال ضد «داعش»، فانه أكد عدم تغيير الإستراتيجية التي تتضمن غارات جوية، مشيراً إلى انه يتم العمل «للتوصل إلى اعتراف كل الأطراف بوجود معارضة معتدلة داخل سوريا يمكنها أن تكون أساس الحكومة الانتقالية»، فيما كان بوتين أكثر وضوحاً معلناً أنه قدم لنظرائه معلومات عن قنوات تمويل الإرهاب وعرض عليهم صوراً فضائية تظهر أبعاد اتجار «داعش» بالنفط، وأمثلة لتمويل الإرهابيين في سوريا من قبل أشخاص من 40 دولة، بما فيها دول حاضرة في قمة انطاليا.
ودعا قادة مجموعة العشرين، في بيان ختامي، إلى تعزيز تعاونهم للحد من حرية تنقل الإرهابيين وتشديد السيطرة على الحدود، والتصدي للدعاية عبر الانترنت وتوسيع نطاق الملاحقة المالية للإرهابيين وتعزيز الأمن الجوي وزيادة تبادل معلومات الاستخبارات. ونددوا بهجمات باريس على أنها «بشعة».
وكلف المشاركون مجموعة العمل المالية، وهي منظمة لمكافحة تبييض الأموال، أن ترفع لهم تقريرا في بداية العام 2016 حول التقدم الذي أحرز لجهة تجفيف مصادر تمويل الإرهاب.
واعتبرت مجموعة العشرين أن تزايد الإرهاب يقوض السلام والأمن الدوليين، ويعرض للخطر جهود تعزيز الاقتصاد العالمي.
وكان أردوغان، اعتبر انه «لا يمكن حل المشاكل في المنطقة، وفي مقدمتها الإرهاب واللاجئين، من دون التوافق على حل يحظى بقبول كل من يعيش في سوريا»، معتبراً أن الهدف الأساسي للجهود الرامية للحل في سوريا هو «ضمان وحدة الأراضي السورية، وإخلائها من الإرهاب، والتوصل إلى هيكل سياسي ذي شرعية».
واعتبر أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في فيينا بشأن انتقال سياسي في سوريا «خطوة للأمام تبعث على التفاؤل»، لكن يجب ألا يكون هناك مكان للأسد في مستقبل سوريا، فيما أعلن وزير خارجية تركيا فريدون سينيرلي أوغلو انه لم يتم خلال القمة بحث شن عملية عسكرية برية في سوريا.
اما أوباما، فقد وصف «داعش» بأنه «وجه الشر»، لكنه تمسك برفضه زيادة التدخل الأميركي العسكري ضد التنظيم وإنزال قوات على الأرض، موضحاً أن التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، سيضاعف جهوده لتطبيق الإستراتيجية الحالية بدلا من التحرك في اتجاه جديد، وحتى إن هدد المتشددون بضرب واشنطن.
واعتبر أن الأساس هو حل الأزمة السياسية في سوريا وفي الوقت ذاته تقليل حجم الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم وتسليمها «لقوات محلية» يمكنها الحفاظ عليها في المدى البعيد.
وأعلن «أن الأحداث المروعة في باريس كانت انتكاسة رهيبة وكريهة. ولكن في حين نشاطر أصدقاءنا الفرنسيين أحزانهم لا يمكننا أن نغفل التقدم الذي يتحقق». وأضاف «المأساة أن باريس ليست وحدها. لقد رأينا هجمات وحشية لداعش في بيروت وأنقرة، ودوريا في العراق. إن مجموعة العشرين بعثت برسالة واضحة أننا متحدون في وجه هذا التهديد».
وأشاد أوباما «بالتقدم المتواضع» في الجهود الديبلوماسية للتوصل إلى تسوية للنزاع في سوريا، بعد محادثات فيينا. وقال «سجلنا أخيراً تقدماً متواضعاً على الجبهة الديبلوماسية الحساسة. شهدت محادثات فيينا للمرة الأولى اتفاق جميع البلدان الرئيسية» في إشارة إلى الاتفاق حول انتقال سياسي في سوريا.
وأشار أوباما إلى انه ما زال هناك خلافات مع بوتين حول مستقبل الأسد «الذي لا نعتقد أن له دور في مستقبل سوريا بسبب حكمه الوحشي». وأضاف «ما يختلف هذه المرة، وما يعطينا جرعة أمل، هو أن جميع أطراف النزاع السوري وافقت للمرة الأولى على عملية لإنهاء هذه الحرب».
وتابع «نعمل بشكل حثيث من اجل محاولة التوصل إلى اعتراف كل الأطراف بوجود معارضة معتدلة داخل سوريا يمكنها أن تكون أساس الحكومة الانتقالية وتتواصل ليس فقط مع أصدقائنا ولكن أيضا مع الروس والإيرانيين الذين يقفون على الطرف الآخر من المعادلة ليتم تقديم شرح لهم أن منظمة مثل داعش هي خطر كبير عليهم وعلينا». وكرر رفضه لمطلب تركيا إقامة منطقة آمنة في سوريا لوضع اللاجئين فيها.
إلى ذلك، شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في اتصال هاتفي مع رئيس «الائتلاف الوطني» خالد خوجة، على ضرورة توحيد المعارضة السورية لضمان مشاركتهم الفاعلة والجدية في مفاوضات مع السلطات السورية برعاية الأمم المتحدة.
بوتين
قال بوتين «عرضت على زملائنا صورا من الفضاء والطائرات تبين بوضوح أبعاد تجارة النفط ومشتقاته غير الشرعية، حيث تمتد قوافل السيارات والناقلات لعشرات الكيلومترات على مد البصر، وتشاهد من على ارتفاع أربعة إلى خمسة آلاف متر. ويبدو ذلك كأنظمة أنابيب نفط».
وأشار إلى أن روسيا قدمت خلال قمة العشرين أمثلة لتمويل الإرهابيين في سوريا من قبل أشخاص من 40 دولة، بما فيها دول من مجموعة العشرين.
وأعلن قيام روسيا بالاتصال بجزء من المعارضة المسلحة في سوريا، و «اتفقت معها حتى تكون بمنأى عن الضربات الروسية»، وأن بلاده مستعدة لتقديم دعم جوي لها. وأشار إلى أن الحرب المشتركة بين الجيش السوري والمعارضة السورية ضد «داعش» من الممكن أن تصبح أساساً جيدا للتسوية السياسية المقبلة.
وأكد بوتين تقارب المواقف بين روسيا وتركيا حيث هناك «نقاط مشتركة» لتسوية الأزمة في سوريا، و «لم أشعر بأية صعوبات، بل على العكس، نستطيع تأكيد مواقفنا». وأعلن أن اعتداءات باريس أثبتت «صوابية» دعوة روسيا إلى تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، داعيا فرنسا إلى إعادة النظر في موقفها حيال ضرورة الرحيل الفوري للأسد. وقال «لقد سمعنا مرارا من أصدقائنا الفرنسيين أن حل مسألة رحيل الرئيس الأسد شرط مسبق لأي تغييرات سياسية. لكن هل حمى هذا باريس من اعتداء إرهابي؟ كلا». وأوضح «بالنسبة لي لا يجب أن نضع في أولوياتنا مسائل هي بطبيعتها ثانوية. أول ما يجب القيام به هو توحيد جهودنا في مكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية. ويجب على هذا الأساس الاتفاق على إصلاح سياسي» في سوريا.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد