الأمم المتحدة تبدأ إجراءات تشـكيـل المحكمـة الدولية
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أمس، أنه سيبدأ العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1757 القاضي بإنشاء المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وذلك بعد دخول القرار حيز التنفيذ في العاشر من حزيران من دون اتفاق الأطراف اللبنانية على اعتماد قانون المحكمة عبر البرلمان اللبناني.
وطالب بان قادة كافة دول المنطقة بالتعاون لتسهيل عمل المحكمة، مشيراً إلى أنّه قرّر تمديد مهمة رئيس لجنة التحقيق الدولية القاضي البلجيكي سيرج برامرتز حتى نهاية العام الحالي.
وردا على سؤال حول الخطوات التي ستلي دخول القرار الخاص بالمحكمة حيز التنفيذ، قال «سأبدأ العمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن من أجل إنشاء المحكمة الخاصة، وذلك من خلال البدء باختيار مكان المحكمة واختيار القضاة والمدعين والمرجعية الخاصة بها»، مشيراً إلى وجود «العديد من القضايا التقنية المعقدة للغاية وأمور إدارية تحتاج إلى اهتمامنا
ودعم كافة الدول». وأعرب عن أمله في أن «يقوم قادة دول المنطقة بالتعاون الكامل من أجل تحقيق الأمن والسلام في لبنان»، معتبراً أن «كل قائد في كل دولة لديه مسؤولية للتعاون بشكل كامل».
ورفض بان الإجابة بشكل مباشر عن سؤال حول قيام سوريا بتهريب الأسلحة عبر حدودها مع لبنان إلى جماعة «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد، واكتفى بالقول إنه أرسل بالفعل فريقاً لتقديم المساعدة التقنية من أجل تقوية وسائل مراقبة الحدود بين سوريا ولبنان، مضيفاً أنه ناقش قضية تهريب الأسلحة مع الرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة في اللقاءات التي أجراها معهما خلال جولته في المنطقة.
وقال بان انه على علم «بوجود ادعاءات بشأن تهريب شحنات أسلحة عبر الحدود بين سوريا ولبنان. وأعتقد أنه يجب على البلدين أولا تقوية قدراتهما على مراقبة الأمن على طول خطوط الحدود»، مؤكدا استعداد الأمم المتحدة للمساعدة في «أية مشاريع في هذا المجال إذا طلب الطرفان منا ذلك».
إلى ذلك، توقع مصدر رفيع المستوى في الأمم المتحدة أن تبلغ نفقات العام الأول من المحكمة نحو 30 مليون دولار، وأن تستغرق إجراءات إنشائها قرابة العام، بما في ذلك الاتفاق على مكان عقدها وآلية التمويل وتعيين طاقمها، وتوفير إجراءات الأمن وضمان الانتقال بشكل سلس من عمل لجنة التحقيق التي يرأسها برامرتز إلى الإجراءات الخاصة بالمحاكمة.
وأشار المصدر إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار ما نص عليه قانون المحكمة الذي وقعته الحكومة اللبنانية مع الأمم المتحدة، فإن المحكمة ستنعقد خارج لبنان، مؤكداً عدم صحة أية تكهنات بشأن الدولة المتوقع أن تستضيفها، لكنه ألمح إلى أن أحد الاعتبارات أن تكون فيها مكاتب للأمم المتحدة، وهو ما قد يعني قبرص أو سويسرا أو أي دولة مماثلة.
وأضاف أنه تجب موازنة عدة متطلبات للاتفاق على مكان عقد المحكمة، ومنها توافر العدالة والنزاهة والأمن والكفاءة الإدارية وضمان سهولة وصول الشهود وحمايتهم، لافتاً إلى أن الأمم المتحدة كانت قد أعدت بالفعل قائمة بأسماء الدول المحتملة لاستضافة المحكمة، لكن تم وقف هذه الإجراء لتجنب إثارة أية مشاكل داخلية في لبنان وذلك قبل اعتماد مجلس الأمن للقرار 1757 الذي جعل إنشاء المحكمة أمرا ملزما بحلول موعد العاشر من حزيران، في ضوء فشل البرلمان اللبناني في اعتماد قانون إنشائها والملحق الخاص بها الذي وقعته حكومة السنيورة مع المستشار القانوني في الأمم المتحدة نيكولا ميشال في مطلع العام الحالي.
الجدير بالذكر أنه وفقا لقانون المحكمة، فإن الاتفاق الخاص بتحديد مكان المحكمة يجب أن يكون ثلاثيا أي لبنان والأمم المتحدة والدولة المضيفة. لكن تفادياً لفشل الحكومة اللبنانية في الاتفاق داخليا على اعتماد مكان عقد المحكمة وتوقيع الاتفاق مع الدولة المضيفة، فإن القرار 1757 أشار إلى أنّ الأمين العام هو الذي سيقوم بتوقيع الاتفاق مع الدولة المضيفة بالتشاور مع حكومة لبنان. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إنه من غير الواضح إذا ما كان الاتفاق بخصوص مكان عقد المحكمة يجب تمريره عبر البرلمان اللبناني، أو أن هذا الأمر تقرره الحكومة اللبنانية نفسها.
وينطبق الأمر نفسه على قضية تمويل المحكمة، إذ في حالة عدم تمكن الحكومة اللبنانية من الوفاء بحصتها من تكاليف المحاكمة (49 في المئة لبنان و51 في المئة الأمم المتحدة) فإن الأمين العام للمنظمة الدولية يتولى تغطية النفقات من خلال تبرعات الدول الراغبة.
وقال المسؤول الدولي إنه كي تبدأ المحكمة في العمل، والتي قدر قانونها أن تكون فترتها ثلاث سنوات، فإنه يجب ضمان تغطية نفقات العام الأول، وكذلك وجود تعهدات دولية كافية لتغطية العامين التاليين، مشيراً إلى أنّ تعيين القضاة سيتم بالتشاور مع الحكومة اللبنانية، خصوصاً في ما يتعلق باختيار القضاة اللبنانيين.
وينص قانون المحكمة على أن الهيئة القضائية تتكون من ثلاثة قضاة: اثنين دوليين والثالث لبناني. كما سيكون المدعي العام دوليا ونائبه لبنانيا. أما محكمة الاستئناف فتتكون من خمسة قضاة: ثلاثة دوليين واثنين من لبنان.
وكشف المسؤول الدولي أن الإدارة القانونية شرعت بالفعل في تشكيل مجموعة عمل، وذلك بهدف بدء إجراءات تشكيل المحكمة، وللتنسيق مع الأطراف المعنية، بما في ذلك قوات حفظ السلام في لبنان. لكنه أوضح أنه لا توجد خطط حتى هذه اللحظة لتوجه نيكولا ميشال إلى بيروت وأن العمل يتم عبر الاتصالات الرسمية مع الأطراف المعنية في لبنان.
وحول تكاليف المحكمة، قال المسؤول الدولي إن اختيار موقع المحكمة سيلعب دورا مهماً في تحديد تكاليفها، ذلك لأنه في حالة انعقادها في دولة أوروبية فستكون التكاليف أكثر ارتفاعا بكل تأكيد. كما أن أعمال الترجمة من الانكليزية والفرنسية للعربية والعكس ستضيف للنفقات، وبالتالي فإن «المبلغ المتوقع للعام الأول نقدره بثلاثين مليون دولار. لكن هذا مجرد تقييم».
ن جهته، أكد نيكولا ميشال للصحافيين أنه تم اتخاذ إجراءات عديدة لضمان حياد المحكمة، مشددا على أن الطرف الذي سيختار القضاة اللبنانيين والعاملين الآخرين لن يكون الحكومة اللبنانية، لكن مجلس القضاء الأعلى في لبنان الذي سيتقدم بقائمة من اثني عشر اسما ويقوم الأمين العام بعد ذلك بانتقاء القضاة.
وأضاف أنه حتى الأمين العام لن يقوم باختيار القضاة إلا بعد توصية من لجنة اختيار مكونة من اثنين من القضاة الدوليين أو العاملين في محاكم دولية مماثلة إلى جانب ممثل شخصي له. وينطبق الأمر نفسه على القضاة الدوليين، حيث ستتم مخاطبة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لترشيح قضاة من جانبها ويقوم الأمين العام بالاختيار بناء على القواعد نفسها.
وقال ميشيل أنه يأمل في أن تقوم سوريا بالتعاون المطلوب، ذلك لأن قرار مجلس الأمن الأخير يدعو لتعاون كل الدول الأعضاء. وأمام ضغط الصحافيين للرد على احتمال عدم موافقة سوريا على تقديم أية شهود أو متهمين محتملين للمحكمة، وذلك وفقا لما أعلنته دمشق حتى الآن، قال ميشال إن قانون المحكمة ينص على أنه من المسموح محاكمة المتهمين غيابيا لكن بشرط حضور فريق دفاع يمثلهم سواء اختياريا أو بعد تعيينه من قبل المحكمة. وأضاف أن قانون المحكمة يوضح كذلك أنه في الوقت الذي لا تجوز فيه محاكمة متهم مثل أمام المحكمة الدولية مرة أخرى أمام القضاء اللبناني، فإن العكس ممكن. وأوضح أنه على الرغم من أن قانون المحكمة يعتمد بشكل أساسي على القانون الجنائي اللبناني، فإن القرارات التي تتخذها المحكمة لها الأولوية على القوانين والاجراءات الداخلية اللبنانية.
إلى ذلك، بحث مجلس الأمن الدولي في جلسة مشاورات مغلقة التطورات الأخيرة في لبنان، وبشكل خاص تقرير الأمين العام للأمم المتحدة السنوي الخامس المتعلق بتنفيذ القرار 1559 الذي قدمه إلى المجلس في السابع من أيار الماضي.
وأكد مشروع البيان الرئاسي دعم مجلس الأمن القوي لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته ووحدته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دوليا وتحت السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان. وأدان المجلس في بيانه «استمرار الأعمال الإجرامية والإرهابية في لبنان بما فيها تلك التي يرتكبها تنظيم فتح الإسلام»، معرباً عن تأييده التام للجهود التي تبذلها الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني لضمان الأمن والاستقرار في جميع أنحاء لبنان.
وشدد البيان على ضرورة تنفيذ أحكام القرار 1559 التي لم تنفذ بعد خاصة ما يتعلق منها «بحل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية»، معرباً عن قلق المجلس العميق حيال «تهريب الأسلحة عبر الحدود اللبنانية السورية».
وقال مصدر دبلوماسي واسع الإطلاع لـ«السفير»، فيما كانت النقاشات لا تزال مستمرة في مجلس الامن إلى ما بعد منتصف الليل بتوقيت بيروت، كان مبعوث الامين العام تيري رود لارسن يقدم خلال الجلسة ما وصفها بأنها معلومات موثقة حصل عليها من الحكومة اللبنانية بتواريخ محددة لشحنات أسلحة تم تهريبها عبر الحدود من سوريا إلى لبنان.
وأوضح المصدر أن خلافات بين فريقين في مجلس الامن، الاول يضم الى جانب لارسن، الولايات المتحدة وفرنسا، ويطالب بالاشارة إلى سوريا كمصدر لتهريب الاسلحة الى لبنان، ويطالب بإدانتها، فيما يمثل الفريق الآخر دولاً مثل روسيا وقطر واندونيسيا، يرفض ربط سوريا مباشرة باتهامات تهريب الاسلحة.
وفي السياق، أصدرت المتحدثة باسم الأمين العام للأمم المتحدة بيانا قالت فيه إن بان أرسل خطابا في الثامن من حزيران إلى رئيس مجلس الأمن يخطره فيه بنيته تمديد مهمة برامرتز وذلك حتى 31 كانون الاول .2007
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد