الأوروبيون الشرقيون يزعزعون تقاليد أوروبا الغربية

27-10-2007

الأوروبيون الشرقيون يزعزعون تقاليد أوروبا الغربية

ظواهر غريبة صادمة وكثيرة لم تعرفها شوارع المدن الغربية من قبل بدأت تجتاح العواصم الأوروبية منذ أكثر من سنتين بعد توسع الاتحاد الأوروبي ودخول بعض دول أوروبا الشرقية في عضوية الاتحاد. تناول الكحول في الطرقات ووسائل النقل العامة وقيادة السيارات بطريقة خاطئة والسكن بشكل جماعي وما يحدثه من ضجيج وفوضى هي كلها ظواهر جديدة «جاء بها مهاجرون جدد من أوروبا الشرقية وخصوصاً من بولندا ويوغسلافيا السابقة» وأصبحت تقلق السكان الذين عبروا عن استيائهم في مناسبات كثيرة.

هذا على الصعيد الاجتماعي والثقافي، أما على الصعيد الاقتصادي فقد حل هؤلاء محل الموظفين والعمال في هذه الدول بسبب ضآلة أجورهم وبدأوا يثيرون جدالاً ومشاكل سياسية واقتصادية أخذت تتسع على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون وحتى في الشارع . ففي هولندا على سبيل المثال وهي بلد صغير للغاية بحيث تمكن ملاحظة أية ظاهرة جديدة فيه بسرعة، وصل عدد البولنديين إلى 150 ألف مهاجر خلال فترة وجيزة لا تتجاوز السنتين والنصف إضافة إلى عدد غير معروف من باقي الدول الشرقية ما جعل الهولنديين ينقسمون على أنفسهم.

يعمل البولنديون في قطاعي البناء والزراعة وهي أكثر الأعمال إزعاجا في هولندا بسبب المناخ البارد والممطر. وغالباً ما يقوم بهذه الأعمال عمال أجانب كالأتراك والمغاربة إضافة إلى القليل من الهولنديين على رغم الأجور الجيدة التي يتلقاها العاملون في هذين القطاعين. لكن مجيء البولنديين إلى هولندا جعل أصحاب العمل يفضلون هؤلاء المهاجرين بسبب ضآلة أجورهم التي تقل عن الأجور العادية بعشر مرات تقريبا. فالعامل الهولندي في قطاع البناء يتقاضى أربعة عشر يورو في الساعة الواحدة بينما أجر العامل البولندي لا يتعدى 5 يورو في الأجواء نفسها.

والغريب ان هؤلاء المهاجرين وبعد الانتهاء من العمل تراهم يملأون الأسواق التي تبيع المشروبات الكحولية. وبعضهم يبدأ بتناول الكحول في أي مكان وفي اية لحظة من دون إن يفكر بثقافة المجتمع الذي يعيشون في كنفه، فالمعروف في هولندا إن تناول الكحول في الشارع ممنوع ومن يضبط يتعرض لدفع غرامة تصل إلى 45 يورو.

على رغم التداعيات الكثيرة التي تحدث في وسط المجتمع الهولندي إزاء التطورات الجديدة في ما يتعلق بالمهاجرين من بلدان أوروبا الشرقية إلا إن السياسيين يقدمون تبريرات كثيرة حول ذلك تتعلق بقدرة هؤلاء المهاجرين على الاندماج السريع في المجتمع الهولندي، فهم أوروبيون ومسيحيون وغير متطرفين دينياً وعدا ذلك غير مهم، إضافة إلى أنهم يسهمون في منع حالات التضخم التي قد تحدث للاقتصاد. أما أصحاب العمل فهم يرحبون بسياسة الحكومة هذه ويقومون بتشغيل المزيد من العمال الذين يعيشون في أحيان كثيرة على شكل مجموعات كبيرة في أماكن صغيرة لا تتوافر فيها الشروط اللازمة للحياة السليمة، كالمزارع والمعامل وبعض البيوت الصغيرة التي لا يمكن إن تتسع لأكثر من أربعة أشخاص.

لا تريد هولندا إن ترتكب «الخطأ» نفسه الذي اقترفته في بداية ستينات القرن المنصرم حين دعت العمال المغاربة والأتراك للمساهمة في بناء اقتصادها. فهؤلاء قادمون من ثقافة مختلفة وأثبتت التجربة إنهم غير قادرين على الاندماج حتى الجيل الثالث الذي ولد وترعرع في هولندا. فالمغاربة في نظر البعض متطرفون دينياً بعد ان اقدم شاب مغربي على اغتيال المخرج السينمائي الهولندي تيو فان خوخ، واكتشاف منظمة متطرفة مرتبطة بـ «القاعدة» تدعى «العاصمة» غالبية عناصرها من الشبان المغاربة.

أما الأتراك فيقتلون بناتهم اللواتي يقمن علاقات غير شرعية في نظرهم مع شباب هولنديين وغير هولنديين. الأوروبيون الشرقيون ليست لديهم هذه المشاكل وهم اقرب إلى القيم الغربية من الآخرين بحيث يمكن إدماجهم في المجتمعات الجديدة بسهولة وسرعة. وعلى أية حال فهم غير مقيمين بشكل دائم وذلك لا يفاقم مشكلة السكن ولا يشكل ضغطاً.

وليس هذا هو رأي الهولنديين وحدهم، بل هو رأي الأوروبيين جميعاً بعد ما حدث في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في الولايات المتحدة الأميركية التي تحض الاتحاد الأوروبي على استقطاب المزيد من مواطني الدول الأوروبية الشرقية مثل بولندا التي ينتشر مواطنوها الآن في كل البلدان الأوروبية ويشارك جنودها في العراق ضمن قوات التحالف.

في ندوة تلفزيونية عرضها التلفزيون الهولندي قبل أيام أبدى الكثير من المواطنين الهولنديين تخوفهم الشديد من هذه الهجرة بعد إن طرد الكثير من العمال الهولنديين ليحل محلهم عمال بولنديون.

وقالت سيدة تعمل في إحدى الشركات التي تشغّل مئة عامل تقريباً «إن ثمانين في المئة من عمال الشركة الآن هم من البولنديين وأخشى إن يكون مصيري مثل مصير زملائي الذين تم الاستغناء عن خدماتهم في الفترة الأخيرة». نقابات العمال بدورها تحث الحكومة على وضع شروط تحد من هذه الهجرة من أجل حماية العامل الهولندي ومنع تزايد معدلات البطالة التي بدأت تتصاعد بسرعة مما يجعل الاقتصاد الهولندي يتراجع بعد الانتعاش الذي وصل إليه في السنتين الأخيرتين. المخاوف في الشارع الهولندي حقيقية وتثير الكثير من النقاش في مواجهة حكومة تشكلت من ائتلاف قد لا يصمد في النهاية.

صلاح حسن

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...