الأوروبيون يُرشون دول الجوار السوري لوقف اللجوء

14-10-2015

الأوروبيون يُرشون دول الجوار السوري لوقف اللجوء

المبالغة كانت فاقعة بشكل فاضح. من جهة وقفت مجموعة صغيرة من المستضعفين، بلا حول ولا قوة، ومقابلهم الحشد المصطف لإلقاء التحيات والتقاط الصور. طائرة النقل الخاصة كانت تستعد لتشغيل محركاتها، في المطار الإيطالي الصغير، في انتظار انتهاء العرض الاحتفالي لتنقل أول دفعة لاجئين إلى السويد. خطوة «رمزية» أعلنت انطلاق العمل ببرنامج «الحصص»، من أجل إعادة توزيع اللاجئين المجمّعين من ايطاليا واليونان.
أحد الذين وقفوا يوم الجمعة على أرض المطار الصغير، قرب العاصمة روما، لم يستطع إخفاء السخرية وهو يصف ما حدث.  وقال المصدر الأوروبي «كان المشهد مضحكاً بعض الشيء، مثل احتفال بفريق فيلم سينمائي»، قبل أن يضيف «كان هناك حشد كبير من المسؤولين الأوروبيين والايطاليين والصحافيين، وكنا نطوق 19 لاجئاً، الهدف طبعاً هو تصوير أن سياسة مواجهة أزمة اللاجئين بدأت تعمل».
«استمتعوا بحياتكم الجديدة»، خاطب المفوض الأوروبي للهجرة ديمتريس أفرامابوليس اللاجئين الاريتريين، مصافحاً إياهم مع وزير الداخلية الايطالي ومسؤولين آخرين. حينما ووجه أفرامابوليس بضآلة تلك الحركة مقارنة بسيل اللجوء، ردّ بأن ذلك لا يغيّر أنه «يوم تاريخي» لأوروبا، كون ما حدث خطوة «رمزية» بمثابة قصّ شريط حريري «حول التطبيق وبدئه».
انطلاق العمل بنظام «الحصص» يعني تكرار تلك الرحلات تحت عنوان «تقاسم الأعباء». عمليات الشحن ستعمل على إفراغ «مراكز ساخنة» في إيطاليا، تجري إقامة مثيلاتها في اليونان، حيث يتم تجميع اللاجئين هناك.
نظرياً، آلية العمل يفترض أن تعمل على أكمل وجه. تبني ايطاليا واليونان مراكز تجميع، لتقبل تدريجياً إغلاق حدودها بما يمنع استمرار سيل اللاجئين إلى بقية دول الاتحاد. لتشغيل هذه الإدارة «المنظمة» للتدفقات، جرى إرسال فرق أوروبية تساعد السلطات الايطالية واليونانية. المطلوب أن تسير الإجراءات بسرعة لمواجهة آلاف المتدفقين يومياً. لذلك، تجري عملية «فلترة» سريعة، بناءً على عدة معايير أهمها موطن اللاجئ. سيتواصل تسيير رحلات لتوزيع المقبولين، مبدئياً، على الدول الأوروبية. بالمقابل، يجري العمل لتسيير رحلات سريعة موازية، لترحيل المرفوضين إلى بلدانهم، مباشرة أو عبر بلدان كانت محطة عبور لهم.
هكذا لن يمكث اللاجئون طويلاً في مراكز التجميع، لأن عملية التدقيق بملفاتهم، قبولهم النهائي أو رفضهم، ستكون من اختصاص الدول الأوروبية التي سيوزّعون عليها. كل هذا نظرياً شغّال، لكن هناك «المعضلة» العملية التي لا يوجد حلّ لها كما يبين المصدر الأوروبي. ويقول حول ذلك «لا تستطيع توزيع اللاجئين إذا لم يتم تسجيلهم في إيطاليا واليونان، وتقريباً نسبة قليلة جداً جداً توافق على أن يتم تسجيلها»، قبل أن يضيف «ليس هناك ما يجيز إجبارهم بالقوة على التسجيل، كل ما يمكن فعله هو انتظار أن ييأسوا ويقبلوا، لأن ظروف حياتهم ستكون معقدة طالما لم يحصلوا على وضع لاجئ».
حين توسيع زاوية الرؤية، تبدو تلك «المعضلة» جزيرة في بحر «الأسباب الجذرية» لسيل اللجوء. محاولة التعامل مع تلك الأسباب جعلت الأوروبيين يقيمون مؤتمراً كبيراً حول طريق البلقان، بعدما باتت معظم تدفقات اللاجئين تأتي عبره. المؤتمر عقد في لوكسمبورغ، ليجمع وزراء الداخلية والخارجية الأوروبيين، مع دعوة نظرائهم من دول البلقان إضافة إلى لبنان والأردن وتركيا.
يمكن للأوروبيين الضغط على دول رئيسية على طريق البلقان، تحديداً مقدونيا وصربيا، لكونها مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي. هذا الوضع يجعلها تحت تأثير أدوات الضغط السياسي المختلفة، علاوة على وجود اتفاقيات تتعلق بأمن الحدود وإدارتها. وفي المقابل، تجد هذه الدول «الأزمة» فرصة للحصول على امتيازات وتنازلات، يمكنها تسريع مفاوضات العضوية في الاتحاد. اهتمام دول البلقان بالمساومة وإغراءاتها بدا واضحاً، فأرسلت وزراء الداخلية والخارجية. الأمر لم ينطبق على الأردن ولبنان، الذي مثّله رامي مرتضى، السفير لدى بلجيكا والاتحاد الأوروبي.
النقاشات أظهرت تضارباً واضحاً في المصالح والسياسة، ليس معروفاً إن كان سيمكن جمعها. يسعى الأوروبيون إلى «تحسين ظروف إقامة اللاجئين»، في دول الجوار السوري، آملين أن «أناساً أقل سيشعرون بالحاجة للإقدام على سلوك هذا الطريق الخطير»، كما قال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير خلال الاجتماع. لكن السياسة الراسخة لدول مثل لبنان، لأسباب عديدة ومتشابكة، هي ببساطة العكس: ألا تتحسن شروط حياة اللاجئين ليشعر اللاجئون بالراحة، وبالتالي حذف احتمال إمكانية الاستقرار والحفاظ على «حوافز» المغادرة.
مسؤول ديبلوماسي رفيع المستوى، واكب الاجتماع، قال إن التحضير له شهد خلافات شديدة بين دول الجوار السوري والأوروبيين. معلقاً على مجمل ما حدث، قال إن مطالب الدول الأوروبية تلخصها مقولة «اعملوا جهدكم كي لا يأتي اللاجئون إلى عندنا»، فيما مرافعة دول مثل لبنان ركزت على أنه «لا يمكن حل الأزمة على حساب دول اللجوء الأولى، لأن لا حل آخر غير إيقاف الحرب» السورية.
تحت هذا العنوان، بعد مفاوضات «شاقة»، رفض لبنان «بشكل قاطع» إدراج مبدأ «دمج» اللاجئين. تمت إزالة أي إشارة لهذا المبدأ في البيان الختامي. يعترف الأوروبيون ان المبرّر منطقي، «لا يمكن مطالبة دولة بأن لاجئين باتوا يمثلون ثلث عدد سكانها». على المنوال ذاته، تم ربط التسهيلات وحقوق اللاجئين من فتح سوق العمل وغيره، بمبدأ «القدرة على الاستيعاب»، وبالأنظمة والقوانين المحلية، مع الإقرار بأن المسألة تتعلق بـ «تواجد مؤقت» في انتظار «العودة الآمنة».
الخلافات امتدت لتشمل موضوع المساعدات الإنسانية، برغم الاتفاق على ضرورتها في سياق «إجراءات الطوارئ». يعترض لبنان والأردن على سياسة قصر المساعدات على المؤسسات الأممية والإنسانية، وعدم تقديمها للمؤسسات الحكومية، باعتبارها تدير المنشآت العامة التي تتعرض لضغط اللاجئين. بهذه المعنى، توضح المصادر، أن أوروبا تحاول «رشوة» دول الجوار لتتعاون، لكنها في المقابل ترفض إعلان التزامات مالية جديّة لحكومات تلك الدول.
ركز خطاب مصالح دول الجوار السوري على أن «المشكلة لا تعالَج بإجراءات من طبيعة إنسانية أو بوليسية»، لأن الأزمة هي حرب وصراع يحتاجان «حلاً سياسياً عاجلاً». المفارقة أن من يعاندون هذه الحجج، مطالبين بتسهيلات لثني اللاجئين عن الاتجاه لأوروبا، يستخدمون المنطق نفسه.
حين يأتي الأمر للخلافات داخل الاتحاد الأوروبي، من تشديد رقابة الحدود وصولاً لاعتماد خطاب يغذّي الكراهية، تقول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن الحل في سياسة أوروبية مشتركة من دونها كل الإجراءات عبثٌ. قالت إن اللاجئين سيتجاوزون كل العوائق أمامهم، مهما كثرت، مبتكرين «بدائل مذهلة». كانت تشير للجوء العشرات إلى الالتفاف على القمع الحدودي المجري، سالكين طرقاً توصلهم إلى «معبر القطب الشمالي» من روسيا إلى النروج.
فصول «الأزمة» الأوروبية متواصلة. سيل اللجوء يحمل الآلاف يومياً. ألمانيا مددت إجراءات المراقبة الحدودية حتى بداية الشهر المقبل، ليبرر وزير الداخلية توماس دو مايز ذلك بأنه ضروري لمواجهة «تدفق هائل، خارج السيطرة، وتقريباً دائم» من اللاجئين. الشتاء صار يطرق الأبواب، مع تنبؤات بقسوته، لكن من غير المعروف كيف سيؤثر ذلك على التدفقات التي تعبر بحراً من تركيا إلى اليونان، قبل أن تواصل محطات الطريق.
خلال شهر واحد، وصل للنمسا أكثر من 220 ألف لاجئ. لم يطلب اللجوء على أرضها سوى أقل من 4 في المئة منهم، فالوجهة الأساسية تبقى أراضي ألمانيا المجاورة. حزب ميركل يتبنى إقامة «مناطق عبور» على الحدود الألمانية، لتجميع اللاجئين وفرزهم هناك، في حين يعارض الفكرة شريكها في الائتلاف الحاكم، «الحزب الاشتراكي الديموقراطي». بعض الصحافة الألمانية نشرت تسريبات تقول إن التقديرات تضاعفت، فبعد الحديث عن توقع مليون لاجئ، هناك مسؤولون ألمان يتوقعون وصول العدد إلى مليون ونصف المليون لاجئ هذا العام فقط.
المفاوضات مع تركيا سيكون لها تأثير حاسم، فهي تبقى البوابة التي تمكن سيل اللجوء من العبور. لا تمانع قيادتها في المساومة للحصول، من بين حزمة ممكنة، على اتفاقية «السفر من دون تأشيرة» لمواطنيها إلى الاتحاد الأوروبي. دو مايزر قال إن إنجاح المباحثات مع تركيا «سيكون لها بالتأكيد تكلفتها».
في الوقت ذاته، تحاول أنقرة دائماً رفع سقف الثمن. رئيس المجلس الأوروبي قال إن تركيا لا تكف عن تحذيرهم من أن «انتصار نظام (الرئيس بشار) الأســد أمر مرجح أكثر اليوم بسبب تدخل إيران وروسيا»، وأن ذلك ســيفاقم الأزمة لأنه «بناء على تقديــرات الأتراك قد يأتــي 3 ملايــين لاجئ إضافي من حلب وجوارها». يعرف الرجل أن أنقــرة في موقــع تفاوضــي قــوي. حين عاد من جولته على مخيمات دول الجوار، قال إن الرسالة الوحيدة التي نقلها له اللاجئون «نحن عازمون على القدوم إلى أوروبا».

وسيم إبراهيم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...