الإعاقة ليست نهاية العالم

هل نستطيع أن نمنع انفسنا ونحن نسير في الشارع أو اثناء وجودنا في أحد الاماكن ورؤيتنا لأحد الأشخاص الذين حرم من احدى ملكاتهم من أن ننظر بفضول يصل احيانا إلى درجة جارحة تفقد صاحب الحالة اتزانه وتخلق لديه إحساسا بالارباك؟

وهل يستطيع ان يلغي إحساسه بأنه مثار نظرات تساؤلات غريبة? انه المعوق, سؤال يصرخ في أعماق هذه الفئة: لماذا نعامل هكذا؟داخلنا طري وجميل, ما اخترنا ذلك, حتى قصص الاطفال وحكاياتهم تصور صاحب الإعاقة شخصا غير مرغوب؟

وهذا ( مؤيد غصن) الذي وقع ضحية حادث جعله يفقد القدرة على الحركة, ولكنه لم ينهزم ولم يقف مكتوف اليدين بل امتلأ بالتصميم والارادة, لقد انهيت الدراسة الثانوية ثم عملت بعدها في الأعمال الحرة التي نجحت فيها نجاحا باهرا وشاء الله أن أصاب في تلك الفترة بحادث سير أدى إلى بتر ساقي ما عطلني عن ممارسة عملي وبعد مرور ستة شهور على اصابتي لم أيئس لقناعتي بأن عطاء الإنسان لا ينتهي إلا حين يموت فما زلت ابحث عن عمل يتناسب مع اعاقتي.‏

وماذا تطلب من المجتمع الآن, إن المجتمع وللأسف الشديد بدل أن يفتح صدرا رحيما لهذه الفئة فهو يحاصرها فكثيرا من القوانين التي تخص بعض الوظائف والمراكز تطلب جسدا سليما مع أن الوظيفة لا تحتاج إلى جسد أكثر مما تحتاج إلى ذهن فكم من اصحاب الاعاقات تركوا بصمة خالدة في تاريخ الإنسانية مثلا.‏

ويرى البعض ممن يصابون بإعاقة إنها نهاية الدنيا ويظن أنه الوحيد في هذا الكون الذي لا يستطيع فعل شيء وهذا تصور خاطئ وهذا ما شاهدناه مع ( ايمن الخالد) فقد بترت ساقه لإصابته بعيار ناري وكانت حالته النفسية سيئة جدا حاول الاطباء والأهل جاهدين التعامل معه ولكن بدون فائدة وشاء الله أن أكون في زيارة للمستشفى فدعاني الطبيب لمساعدته وفعلا دخلت على الشاب فحاول طردي من غرفته إلا أنني رجوته أن يسمعني خمس دقائق وكشفت له عن حالة اتيت بها لشاب بترت ساقاه الاثنتان وليس ساقا واحدة, دهش الشاب واطلعته على صور فوتوغرافية لمعوقين يلعبون السلة ويمارسون الالعاب الرياضية المختلفة فاقتنع بوجوب تغيير إحساسه بالحياة وبأن الموت فقط هو الذي يعيق من حركة الإنسان ويحد من ابداعه وحيويته وإن الكثيرين ممن اصيبوا بإعاقات أبدعوا واستطاعوا انجاز الكثير وتفوقوا على غيرهم.‏

ومن ثم توجهنا لنسأل آخرين ممن شملهم السؤال هل تلغي الرغبة في الحب والزواج مع شخص يملك شللا في يده أو قدمه؟

يقول( موسى,ق) وعمره 30 عاما فاقد بصره يتمتع بذكاء عال ونشاط وله قدرة كبيرة على تحليل الأحداث السياسية, يحاول الانسجام مع ما حل به وقد يكون حقق قليلا منه ولكن هل يحقق له المجتمع جزءا ايضا?يقول ابحث عن فتاة أكون معها اسرة نموذجية ولكن لم احظ بعد بفتاة ترضى بمساعدتي في تخطي حدود العتم أما الناحية المادية فإنني احصل على اعانة بسيطة من أحد اقاربي..‏

( محمود,ش) العمر 35 عاما يدان مشوهتان لا يوجد عمل أقوم به, ساعدني اهلي وبعض الاصحاب ببناء بيت وبمبلغ من المال تزوجت من امرأة لديها شكل من اشكال البلاهة فهي غير سليمة عقليا تماما وكانت النتيجة أولاد غير سويين في الخلقة ما زاد ألماً فوق ألم فهل تفرض العاهة الجسدية على صاحبها الاقتران بطرف غير مناسب يزيد من ألمه وحزنه؟‏

تركنا هذا السؤال للمرشدة النفسية ليلى بدره لتجيبنا عليه ان الحياة الحالية على درجة عالية من الصعوبة والتعقيد, فالشخص المعافى يجد صعوبة في حل المشكلات الاجتماعية وتجنب ضغط الظروف المحيطة به واثبات ذاته فكيف يكون حال من هو مسلوب من قواه وفرصته؟

فدرجة الحصار الاجتماعي التي تفرض على المعوق كبيرة جدا قد لا يستطيع الفرد العادي تصورها وإن مشكلة العمل تطرح نفسها كمشكلة جوهرية في حياة المعوق فهو يحتاج إلى عمل يتناسب مع اعاقته من جانب ويحقق له سبل الانخراط في المجتمع من جانب اخر ويؤمن له دخلا اقتصاديا مناسبا يمكنه من الاستقلال والاعتماد على ذاته من جهة اخرى.‏

لهذا من المهم ايضا في حياة البشر من وضع الاستقرار العاطفي فإذا انعدم الدخل والاستقرار الاقتصادي فكيف سيتيسر له السعي للزواج والتفكير بإنجاب الاطفال? ولنفرض توفر الجانب المادي فإن الشخص المعوق يجد صعوبة في القيام بعلاقة عاطفية لأن الفرد لدينا لم يصل إلى درجة الوعي التي تجعله يتجاوز حدود الشكل والمظهر والتعمق بالأساسيات وتابعت بدره لتقول أرجو أن ينظر المجتمع للمعوق نظرة مختلفة عما نشاهده فنظرة الشفقة لا يريدها المعوق ولا يرضى بها فلابد من توفير عمل مناسب له واتاحة الفرصة لتطوير ابداعه وابراز امكانياته فهناك محاولات لتحسين وضعه لكن دون المستوى وتقتصر على اعاقات معينة.‏

اذا فلتكن دعوة للجميع لنعيد النظر فيمن حولنا علنا نستطيع تدارك جزء يسير مما فرضه القدر والواقع وان هذا لا يمنع ان يستمر دون شعور باليأس أو الإحباط..‏

محمد عكروش

المصدر: الثورة