الانتخابات البرلمانية اللبنانية: المقدمات والنتائج

16-03-2009

الانتخابات البرلمانية اللبنانية: المقدمات والنتائج

الجمل: ستواجه القوى السياسية اللبنانية الكثير من التعقيدات لجهة المصاعب التي ستواجه حملاتها الانتخابية في التأثير على ميول الساحة اللبنانية بعد خروج القوات السورية وقد كشفت للبنانيين الكثير من الحقائق والملفات التي تميط اللثام وتفضح العديد من القوى اللبنانية وارتباطاتها وأساليب عملها ومواقفها الداخلية والخارجية.
* الصراع على السلطة التشريعية:
تتمثل السلطة التشريعية اللبنانية في مجلس النواب اللبناني  باعتباره الكيان الوطني اللبناني المختص بالسياسة التشريعية وعلى هذه الخلفية يمكن الإشارة للأبعاد الثلاثة المتعلقة بذلك على النحو الآتي:
• البعد الهيكلي – البنائي: يتكون مجلس النواب اللبناني من 128 مقعداً ستتنافس عليها القوى السياسية اللبنانية التي تتضمن حوالي 118 حزباً وبرغم وجود هذا العدد الكبير من الأحزاب في بلد صغير كلبنان إلا أن القوى الرئيسية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.
• البعد القيمي – الإدراكي: تتميز النخب السياسية اللبنانية باعتماد منظور قيمي – إدراكي ظل يمارس حضوراً قوياً لجهة النفوذ والتأثير على توجهاتها السياسية الداخلية والخارجية على النحو الذي شكل مذهبية سياسية لبنانية تقوم على النقاط الآتية:
- إن لبنان يقوم على تقاطعات إقليمية ودولية.
- إن عملية صنع واتخاذ القرار اللبناني لابد أن تستند إلى هذه التقاطعات.
على هذه الخلفية أصبح البعد القيمي – الإدراكي القائم على مذهبية التقاطعات الإقليمية والدولية هو الأساس الذي ظل يعتمده ويؤكد عليه خطاب الأغلبية العظمى من القوى.
• البعد التفاعلي – السلوكي: تتضمن معركة السيطرة على مجلس النواب العديد من التحالفات والائتلافات بين القوى السياسية اللبنانية فهناك تحالفات تحدث على مستوى المركز الانتخابي وأخرى على مستوى القوائم وثالثة على مستوى المحافظات والمناطق وصولاً إلى التحالفات الأكبر التي تأخذ شكل التكتل السياسي كما هو في حالة تحالفي 8 و14 آذار، إضافة لذلك فإن التحالفات تشهد الكثير من التغيرات والتعديلات داخل مجلس النواب نفسه بسبب المساومات والصفقات على مستوى النواب والقوى السياسية والكتل السياسية.
برغم أن الوقائع والأحداث الجارية على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي هي التي تحدد التحالفات والائتلافات المتعلقة بأي صراع انتخابي فإن ما هو متوقع إضافة لذلك بالنسبة للحالة اللبنانية أن يستمر الصراع سجالاً بين قوى 8 آذار  وقوى 14 آذار إضافة إلى أن هذا الصراع سينتقل إلى داخل مجلس النواب اللبناني القادم بعد الانتخابات بما يلقي بتداعياته على تشكيل الحكومة الجديدة والعلاقات بين السلطة الرئاسية التي يمثلها قصر بعبدا والسلطة التنفيذية الممثلة في السراي الكبير والسلطة التشريعية في مجلس النواب اللبناني.
* القوى السياسية اللبنانية ومعادلة حسابات الفرص والمخاطر:
يتوقف حسم الصراع على دخول مجلس النواب اللبناني في معادلة اصطفاف القوى السياسية اللبنانية وعمليات الاستقطاب السياسي التي تشكل خارطة التحالفات عشية الانتخابات ومدى انسجام كل خارطة تحالفية سياسية مع ميول وتفضيلات الناخب اللبناني وهي الميول والتفضيلات التي يلعب الإدراك والإعلام والمال السياسي دوراً كبيراً في تشكيلها وبلورتها وهو أمر ليس حصراً على هذه الانتخابات وإنما أكدتها كل معطيات الخبرة التاريخية في الانتخابات اللبنانية وجولاتها السابقة.
يوجد حالياً عاملان رئيسيان يحددان القوام الرئيسي لمنظومة القيم الإدراكية المؤثرة على توجهات الرأي العام اللبناني وتوجهات القوى السياسية اللبنانية ويمكن الإشارة إليهما على النحو الآتي:
• ملف الوضع الأمني اللبناني.
• ملف الوضع الاقتصادي اللبناني.
هذا، وفي الوقت الذي تركز فيه قوى 14 آذار على أولوية التحالف مع الغرب باعتباره يمثل الرهان الأفضل لتحسين الأوضاع الاقتصادية فإن قوى 8 آذار تركز على أولوية الاعتماد على النفس باعتباره يمثل الرهان الأفضل لجهة ضمان استمرار المقاومة ضد المخاطر الخارجية الممثلة في الخطر الإسرائيلي واستقلالية التعاون الإقليمي وفقاً لمنظور عروبة لبنان.
ملف الوضع الأمني اللبناني وملف الوضع الاقتصادي لا يمكن عملياً تخصيص كل واحد منهما لقوى سياسية أو تكتل سياسي معين، لكنهما يتداخلان والتخصص يأتي حصراً على أساس اعتبارات الأولوية فقوى 14 آذار تعطي الأولوية لملف الوضع الاقتصادي على أساس فرضية أن المعونات الغربية (الأمريكية تحديداً) هي المخرج الأساس أما قوى 8 آذار فترى في هذه المساعدات وسيلة لتتبيع لبنان وإضعافه بما يجعله فريسة سهلة لإسرائيل المتربصة بلبنان واللبنانيين، إضافة إلى أن هذه القوى ترى بأن المساعدات الغربية والأمريكية ما هي إلا وعود يتم التسويق لها في مؤتمرات المانحين، وبالتالي فهي كما أكدت كل مؤتمرات المانحين السابقة مجرد ورقة يتم التلويح بها لجهة ترويض القوى السياسية اللبنانية وتحفيزها من أجل الصراع الداخلي.
معادلة حسابات المخاطر والفرص يمكن الإشارة إليها على أساس اعتبارات الصراع الثنائي الانتخابي الحالي على النحو الآتي:
• تراهن قوى 14 آذار على فرصة التحالف مع أمريكا والغرب باعتبار أن ذلك سيتيح للبنان فرصة الحصول على المساعدات والدعم الاقتصادي وفرصة تفادي الاستهداف الإسرائيلي.
• تراهن قوى 14 آذار على فرصة الاعتماد على النفس وعلى محيط لبنان العربي والإسلامي في ردع الخطر الإسرائيلي وفرصة بناء القدرات الوطنية اللبنانية وتحقيق استقرار لبنان.
وبمطابقة حسابات الفرص مع حسابات المخاطر نلاحظ أن مفردات هذه الحسابات أصبحت أكثر ارتباطاً بالتطورات الإقليمية والدولية وقد أدى ذلك إلى إظهار العوامل الآتية:
• عامل ضعف قوى 14 آذار: بنت قوى 14 آذار رهانها الأساسي على اعتبارات تفاهم زعمائها مع إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد، إضافة إلى تفاهمات غير معلنة وإن كانت أصبحت شبه معلنة مع الإسرائيليين، ولكن التطورات الأخيرة التي تمثلت في صعود إدارة أوباما الديمقراطية بدلاً عن إدارة بوش الجمهورية، جعلت من رهان التحالف مع أمريكا والغرب أكثر ضعفاً إضافة إلى أن إدارة أوباما أكدت بشكل واضح على مبدأ التعامل مع كل الأطراف الشرق أوسطية التي في مقدمتها سوريا، وهو أمر سيؤدي إلى إضعاف قوى 14 آذار التي كانت تستمد قوتها أصلاً من تسويق العداء لسوريا، إضافة لذلك، وكما تشير الوقائع الجارية، فإن حسابات المصالح الأمريكية هي التي ستلعب دوراً رئيسياً في تحديد الخطوط العامة للسياسة الخارجية الأمريكية.
• عامل قوة قوى 8 آذار: أرست قوى 8 آذار رهانها على أساس أولوية الاعتماد على القدرة الوطنية اللبنانية، وخيار المقاومة كسبيل لردع إسرائيل ودرء أطماعها في أراضي ومياه لبنان، إضافة إلى التعاون مع سوريا باعتبارها البلد الشقيق للبنان، والتعاون مع كل الأطراف الدولية الراغبة في تقديم الدعم غير المشروط للبنان واللبنانيين وقد أكدت التجربة العملية على نجاح هذا الخيار، فقد نجحت قوى 8 آذار في التصدي للجيش الإسرائيلي وردع عدوان تل أبيب وفشلت علاقات 14 آذار مع الغرب وأمريكا في منع وقوع هذا العدوان.
على هذه الخلفية، فإن صراع الرهانات بين قوى 14 وقوى 8 آذار أصبح واضحاً وحتى خبراء اللوبي الإسرائيلي أصبحوا أكثر يقيناً من عدم جدوى رهان قوى 14 آذار القائم  على التحالف مع أمريكا والغرب، في إقناع الناخب اللبناني بالوقوف إلى جانبها، وبالأمس أكد اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر خبير اللوبي الإسرائيلي المعني بالشؤون اللبنانية في ورقة الرصد السياسي التي نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن قوى 14 آذار سوف لن تستطيع بسهولة الفوز في الانتخابات البرلمانية اللبنانية.
تأسيساً على ذلك، نشير إلى أن السياسة علم سلوكي، سيقوم على أساس عملية صنع واتخاذ القرار التي تتم على أساس المفاضلة بين البدائل المتاحة وبالأمس اتخذت واشنطن قرارها بالتخلي عن حليفتها جورجيا، من أجل بناء علاقات المصالح على خط واشنطن – موسكو، وبالتأكيد فإن واشنطن نفسها سوف لن تتردد في التخلي إن لم تكن فعلاً قد تخلت عن قوى 14 آذار وبيعهم في سوق السياسة الشرق أوسطية.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...