الجيش السوري والأكراد: «اتحاد» الأمر الواقع
أعادت العملية التي تنفذها قوات الجيش السوري، والفصائل التي تؤازرها، في ريف حلب الشمالي رسم الخريطة الميدانية في الشمال المفتوح على تركيا، أبرز ممر للمسلحين والأسلحة والذخائر إلى الداخل السوري، خصوصاً بعد أن تمكن الجيش السوري من فك الحصار عن قريتي نُبُّل والزهراء، و «إتمام» الطوق العسكري في محيط حلب، ما عزل المسلحين الموجودين داخل أحياء المدينة عن الحدود التركية.
ووجد الأكراد في هذا الأمر «فرصة» للتقدم إلى مناطق محاذية لمناطق نفوذهم، ما جعل الأكراد والجيش السوري على تماس مباشر تقريباً، بعد سيطرة الجيش السوري على نقاط عدة في محيط نُبُّل والزهراء، وتقدم «وحدات حماية الشعب» الكردية في مناطق جنوب عفرين.
وأوضح مصدر ميداني، أن قوات الجيش السوري قامت بتحصين مواقع سيطرتها، وإبعاد المسلحين إلى نقاط بعيدة عن قريتي نُبُّل والزهراء بسيطرتها على ماير، في حين أكد مصدر سوري كردي أن «الوحدات» فرضت سيطرتها على الزيارة، وخريبكة، وتل الفيران، والعلقمية، وتل الحجر، ومرعناز، وديرجمال، وتقوم بالتمهيد للسيطرة على قرية منغ الشهيرة التي تضم مطاراً عسكرياً.
عمليات الجيش السوري وتلك التي نفذتها «الوحدات الكردية» جاءت بشكل متزامن، الأمر الذي دفع إلى الربط بينها على اعتبارها «عملية واحدة»، وهو ما نفاه المصدر في «الوحدات» الكردية، مؤكداً، أن ما جرى «هو اتحاد الأمر الواقع». بدوره، أوضح عضو «مؤتمر سوريا الديموقراطية» ريزان حدو، الذي يعيش في مدينة عفرين، أن «العمليات جاءت متكاملة بشكل عفوي، لأن الطرفين يحاربان الإرهاب والمرتزقة، أي أن تكامل العمليات يأتي من وحدة العدو الإرهابي الذي لا يعرف إلا الحرب حواراً».
وعن إمكانية الاصطدام بين الجيش السوري و «الوحدات»، قال حدو «حالياً لا أتوقع أي تصادم، لكون الطرفين مدركين حقيقة أن الإرهاب الذي تفشى في المنطقة هو الخطر الأكبر والأولى بأن يُحارَب». وأضاف «أما مستقبلاً، فأتوقع، كما أتمنى، أن تُحَلّ جميع التناقضات بين القوى السورية بالحوار».
العمليات التي حصلت مؤخراً في ريف حلب الشمالي ساهمت بتشكيل ما يشبه الحصار للفصائل المسلحة في هذه المنطقة، الأمر الذي يتطابق مع السيناريو المتوقع حصوله في ريف حلب الشرقي، حيث سيطرت «قوات سوريا الديموقراطية»، التي تشكل «الوحدات» الكردية عمودها الفقري، على منطقة سد تشرين واتجهت نحو مدينة منبج، التي تعتبر أبرز معاقل تنظيم «داعش» في الريف الشرقي لحلب، في وقت تتابع فيه قوات الجيش السوري ضغطها على مسلحي «داعش» في منطقة الباب، ما وضع التنظيم بين فكي كماشة.
بدوره، رأى مصدر ميداني، مرافق للجيش السوري، أن الأكراد يستغلون جبهات القتال التي فتحها الجيش السوري لتحقيق تقدم ميداني من شأنه أن يعيد رسم خريطة الشمال. وقال «يحاولون التقدم وقضم المناطق بشكل سريع، سعياً لتحقيق مكاسب ميدانية يمكن استعمالها لاحقاً خلال المفاوضات، مستغلين حقيقة أن الجيش السوري لن يدخل في صدام معهم في الوقت الحالي».
ميدانياً، أكدت مصادر أهلية أن وجهاء من قرى حريتان، عندان، تل رفعت، وبيانون، التي باتت محاصرة تقريباً يسعون لإتمام اتفاق مع الجيش السوري، يتمّ بموجبه خروج المسلحين من القرى وتسليمها للجيش السوري من دون قتال، بهدف تجنيب ما تبقى في هذه القرى من مدنيين مخاطر الحرب، وهو ما ساهم بتخفيف شدة القصف على هذه المحاور، إلا أن هذا الاتفاق يتعرّض لمحاولات حثيثة لإفشاله من قبل «جبهة النصرة»، التي باتت تشكل رأس الحربة في نقاط الاشتباك مع الجيش السوري، بعد أن أعادت «توزيع قواتها» في مناطق شمال حلب، وداخل أحياء المدينة التي أصبحت محاصرة.
وتعوّل «جبهة النصرة» على استمرار التمويل والدعم الذي تتلقاه من تركيا والسعودية وقطر، لفتح جبهات قتال مع الجيش السوري قد توقف تمدّده في الريف الشمالي، الأمر الذي رفضته جماعة «نور الدين الزنكي»، التي رفضت الانخراط في هذا المشروع الذي تقوده «النصرة»، حيث انسحبت قوات تابعة لـ «الزنكي» من ريف حلب الشمالي إلى مواقع سيطرتها في ريف حلب الغربي، وفق تأكيد مصادر معارضة.
وفي هذا السياق، يرى مصدر سوري معارض أن الدول الداعمة للفصائل المسلحة تتخوّف من فكرة انقلاب المسلحين عليها، وإبرام اتفاقات مع الجيش السوري لتسليم المناطق بشكل متتابع، خصوصاً أن عدداً كبيراً من قياديي «غرفة عمليات فتح حلب» و «الجبهة الشامية» فروا من المناطق المشتعلة وتوجهوا إلى تركيا، ما دفع هذه الدول إلى الاعتماد على «جبهة النصرة» كرأس حربة في الحرب المندلعة في الشمال السوري، وهو ما دفع «النصرة» لتسلم جهات القتال داخل أحياء مدينة حلب، والبدء بقيادة العمليات في الريف الشمالي للمحافظة.
ورغم ذلك، يرى مصدر عسكري سوري أن هذه التغيرات لن تغير شيئاً من واقع العمليات العسكرية، «فجبهة النصرة كانت موجودة منذ البداية، وقد تمكن الجيش السوري من ضرب دفاعاتها والتقدم وفك الحصار وتشكيل الطوق». وأضاف أن «محاولات تكرار سيناريو ادلب، عن طريق تقديم دعم للفصائل الجهادية ودفعها للمعارك، لن يفضي إلى أية نتيجة. فعلى عكس حالة الدفاع التي كانت قائمة في إدلب، يخوض الجيش السوري عمليات هجومية في الوقت الحالي، تحت غطاء جوي روسي فعّال، ليس فقط في ريف حلب، وإنما على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا، الأمر الذي من شأنه تشتيت قوة الفصائل الجهادية، وتسهيل عملية التقدم على جميع المحاور».
علاء حلبي
المصدرك: السفير
إضافة تعليق جديد