الحروفية في التشكيل السوري

15-05-2011

الحروفية في التشكيل السوري

استمد الحروفيون السوريون إيحاءات أعمالهم من الأصول القديمة للحرف العربي وجددوا فيها فجاءت تجاربهم غنية متنوعة لكنها بقيت متناغمة معها في المزاوجة بين ضروب متعددة من الخطوط تخالطها وتوصل بينها أشكال لحروف مبتدعة تكسر من حدة المفارقة وتمهد لتجانس العناصر المختلفة ضمن تكوينات تأخذ حركتها عن طريقة واتجاه قراءة النص تأكيداً على الحركة الكامنة داخل الحروف وداخل التكوين العام.

كما استفادوا مما يحمله الحرف العربي من رشاقة وحركة جمالية وقيم تعبيرية ووظفوه في لوحاتهم الفنية التي حملت قيماً فنية عالية حيث سعى عدد منهم للاقتراب في لوحاتهم من اللوحة التشكيلية من خلال الإفادة من النماذج الشائعة في الخط الكوفي الهندسي أو الكوفي الشطرنجي والنسج على منوالهما وبما يجرد الكلمة من معناها ويبقي على إيقاعها التكراري كلازمة زخرفية هندسية.

بينما سعى آخرون إلى المزاوجة بين الصرامة الاتباعية للخط العربي وبين تجريدية الخلفيات التشكيلية له عبر مقدرة أدائية في الخط والرسم على حد سواء وسعى غيرهم لاتخاذ أبعاد تجريدية من الحرف مستفيدين من مقومات الخط العربي وأبعاده الفكرية والروحية.

وقد ظهر الاتجاه الحروفي في التشكيل العربي مع حلول منتصف القرن الماضي من خلال اعتماد الحرف العربي كمفردة تشكيلية تؤدي إلى عمل فني عربي تشكيلي معاصر محدد الهوية ويملك إمكانية التطوير والتجديد.

ومن المؤكد أن المحترف التشكيلي السوري يملك الكثير من التجارب الغنية لفنانين استطاعوا في إبداعاتهم المتنوعة واستخداماتهم المتعددة للخط العربي أن يسبقوا حركة الفن التشكيلي المعاصر في نزوعه إلى التجريد مستفيدين من قابلية الحرف العربي للمد والاستدارة والبسط والصعود والهبوط واللين في طريقة كتابته.

وتتوزع تجربة اللوحة الخطية في سورية على ثلاثة أساليب اشتغل عليها الحروفيون السوريون حيث يرتكز الأسلوب الأول على وجود الكلمة في اللوحة دون أي معنى فلا تكون مقروءة ومثاله الفنان عبد القادر أرناؤوط الذي اعتنى بشكل الحرف وجماليته واستخدامه في اللوحة ومزج بين بعدين زمنيين للوصول إلى صياغة عمل تشكيلي يعكس رغبات التأصيل والتحديث بأسلوب يتجاوز الدلالات المقروءة حيث أعطى لجمالية الشكل والتكوين الفني الأهمية الأولى بغض النظر عن العلاقات القائمة بين الكلمات.

ومن المشتغلين بهذا الأسلوب الفنان محمود حماد الذي تابع تجربة سلفه أدهم إسماعيل بأن اعتمد على تيارات الحداثة التجريدية وبنى عوالم لوحاته من منظوره الخاص ومن مناخ الحركة اللونية العفوية.

أما الاتجاه الثاني الذي اشتغل عليه الحروفيون السوريون فكان يربط ما بين الشكل والمعنى مع استخدام عناصر وأشكال تشبيهية أخرى وأبرز رواد هذا الاتجاه الفنان عيد يعقوبي الذي دخل في عوالم ومعطيات الحركة الحروفية للخط العربي المغربي المأخوذ من المخطوطات القديمة حيث أعاد تشكيلها بتقنيات مختلفة وأوجد مكاناً وسطاً بين التجريد الحروفي والصورية إضافة إلى الفنان تركي محمود بك الذي اقترب من أجواء التشكيل الحروفي والزخرفي الهندسي بحيث تتحول اللوحة إلى حركات تتقاطع أفقياً وعمودياً بزوايا قائمة وتشكل فسحة لعناصر معمارية وحيوانية تحددها حركة الحرف ذاتها.

في حين اتجه القسم الثالث من الحروفيين السوريين للمحافظة على الرسم الحقيقي والبنية الخطية للحرف العربي إلى جانب إعطائه حيوية وإشراقاً من خلال إضافة اللون ومثاله الفنان محمد غنوم الذي داخل بين الكلمات والحروف بدفق لوني حيوي مع الاحتفاظ بالدلالات المقروءة لبعضها.

وسجل غنوم حروفياته في لوحات زيتية وقعت بين التجريد الهندسي الزخرفي والحروفي ثم استلهم جمالية الخطوط برؤية حديثة عبر تصعيد حوارية المشهد البصري وإبراز رشاقة الحرف وغنى حركته وانسيابيته.

وفي تصريح لوكالة سانا يشير غنوم إلى أن الخط العربي مر بعدة مراحل حددت كلاسيكيته وخطوطه الموزونة بنقاط معينة بينت وأوضحت عرضه وامتداده والتفافه إلى أن حظي بنظرة متطورة تتواءم مع العصر وتستدعيه بدورها إلى البحث في جوانب تفجير الطاقات الجمالية للحرف العربي التي لم تكن تكتشف وتدرس عندما كان الخطاط قاعدياً كلاسيكياً همه اتباع القواعد والأوزان ويقول.. من أراد الاعتماد على الحرف العربي كاتجاه فني لتجربته فعليه أن يدرس ويلم بالقواعد والأسس الكلاسيكية للخط العربي قبل أن يشرع في تطوير تجربته وهويته الحروفية الخاصة.

ويؤكد غنوم أن اللوحة الحروفية في سورية ولاسيما الخط الكلاسيكي قطعت أشواطاً مهمة شكلت من خلالها نكهتها الخاصة وقال إن الحروفية الحديثة بدأت ترسم ملامح خصوصيتها على يد الكثير من الفنانين الشباب الذين استفادوا من تجارب الرواد ومن الاتجاهات الفنية الغربية الحديثة.

ووصف غنوم اللوحة الحروفية السورية بالنشيطة جداً لكون الحروفيين السوريين يشتغلون بمحبة للحرف العربي ويدركون التفاعل والحوار الحاصل بين اللوحة الحروفية والجمهور السوري.

كما يمثل الحرف العربي بالنسبة لعدد جيد من الفنانين السوريين المعاصرين قيمة فنية راقية يستعيدون من خلالها التراث ويحافظون على أنواع من الخطوط كما في تجربة الفنان منير الشعراني الذي يحتل الخط الكوفي عنده المرتبة الأولى في سعيه لإيجاد مناخات تشكيلية جديدة قائمة على مرتكزات ثابتة وبعيدة عن مزالق التشويه والمسخ مستعيداً بعض أنماط الخطوط الضائعة والعوالم الكتابية الصافية فامتلك المقدرة على تحريكها ضمن صياغة فنية حديثة قائمة على النسب الرياضية الهندسية الصارمة.

وإذا كانت اللوحة الحروفية تتعرض للكثير من التساؤلات المتصلة بالمنجز الحروفي وصلته بالحداثة ولاسيما لجهة توسع استخدام الحاسب وإنتاج اللوحات الرقمية التي ابتعدت بالكتابة عن الدلالات المصاحبة لها وأفقدت الحروف العربية المكتوبة باليد جزءاً من روحها وجمالياتها فإن الحروفية ستبقى مواكبة للحياة وتلبي الحاجات الجمالية للناس وستبقى روح التجديد حاضرة طالما هناك باحثون وفنانون جادون في الخط العربي يهدفون للارتقاء به إلى الجمالية المبدعة.

باهل قدار

المصدر: سانا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...