الحلقي يدافع عن أداء حكومته خلال الحرب
تعلو الانتقادات للحكومة السورية، وتتهم وزراءها ورئيسها ومسؤوليها المركزيين والفرعيين بـ «الإهمال والفساد وقلة الاهتمام»، وصولاً إلى «الاستفزاز»، وأحياناً يذهب بعض المنتقدين بعاطفية نحو «تحليل» وجود «هدف بعيد وراء الأكمة» تنحو به الحكومة.
لهجة الاتهام بالخيانة ورمي المسؤوليات في سوريا شائعة وطبيعية في الحرب الراهنة. وقد دافع أمس الأول رئيس الحكومة السورية وائل الحلقي عن نفسه وعن أداء حكومته، في لقاء طويل مع الإعلاميين المحليين، مشيراً إلى أن توقعات حكومته بأن الأزمة كانت ستنتهي قبل هذا الوقت، الأمر الذي دفع لسياسات قصيرة الأمد على ما يبدو.
واستثيرت الحكومة السورية خلال الأسابيع الماضية، بشكل غير مسبوق، من كثرة الانتقادات التي تعرضت لها، ولا سيما بسبب النقص الحاد في قطاعي الكهرباء والنفط، والتراجع المستمر لمستوى العملة.
وكان مثيراً للغاية أن يذيع التلفزيون السوري منذ أسبوعين لقاءً، في أحد البرامج المحلية الأسبوعية، مع محافظ دير الزور محمد قدور العينية، اعترف فيه الرجل بصراحة بأنه «جائع» أسوة بباقي المواطنين القاطنين في المدينة المحاصرة، منوهاً بأنه أخبر المسؤولين في دمشق بوضع المدينة «الذي اقترب من توصيف مجاعة حقيقية».
وبتزامن مع الضجة التي أثارها اللقاء، أجرى الرئيس السوري بشار الأسد تعديلين حكوميين، شملا وزارتين خدميتين، ولكن من دون مؤشرات على تعديل أكبر، وفقاً لما قاله مسؤول رفيع المستوى حينها. وشرح أن «أي حكومة، على اختلاف تكوينها، لا تستطيع تقديم أكثر من الموجود، في ظل استمرار ظروف الحرب الدائرة».
ويمكن فهم عجز الحكومة أمام متطلبات الحرب والنزوح والمناطق الآمنة، من دون إهمال الفساد الذي يستشرس في هذه الظروف، الأمر الذي يقود لسياسات غريبة، من بينها ما اعترف به محافظ دير الزور، في اللقاء التلفزيوني، بأنه اتفق مع طاقم المستشفى الحكومي على ألا يغادروا المدينة مقابل تقديم وجبات غذاء يومية لهم!
لذا اضطر الحلقي أخيراً للخروج لمواجهة صريحة مع الإعلام بالطريقة ذاتها التي واجه بها المحافظ عينية محاوره جعفر أحمد، مواجهاً المعلومة بما هو أقسى منها من المعلومات. وقدم الحلقي، في حالات عدة، توصيفاً قريباً من واقع التوصيف الخاص للمنظمات الدولية لوضع الاقتصاد والخدمات في سوريا.
وكشف الحلقي أن قطاع النفط تحول من قطاع مساهم في الموازنة العامة إلى قطاع سلبي، بعد خروج معظم الآبار والحقول عن سيطرة الدولة، فيما عدا حقول وسط حمص الشرقية والتي بدورها تخضع لتحدي عسكري يومي. وقال إن إنتاج النفط تراجع من 386 ألف برميل يومياً منذ خمسة أعوام إلى ما يقل عن عشرة آلاف برميل يومياً، هي بدورها ليست مستقرة بسبب الاعتداءات.
كما أكد الحلقي أن 70 في المئة من احتياجات سوريا النفطية تؤمنها دول صديقة، تتقدمها إيران، إلا أن هذا الخط غير مستقر أيضاً بسبب عمليات القرصنة التي تتعرض لها الحمولات في البحر الأحمر.
وعانت سوريا كثيراً من ضعف الإمدادات النفطية الشتاء الماضي، وهو ما وعد مسؤولون سوريون أنه لن يتكرر، بسبب الاتفاق مع الجانب الإيراني على توريدها مبكراً. وأدى التأخر في تسليم وقود التدفئة للمواطنين، إلى ضغط هائل على مادة الحطب، ما أدى إلى قطع عشرات الآلاف من الهكتارات المشجرة، تحت ضغط الطلب، والتجارة غير القانونية.
وتعتمد سوريا في هذا القطاع تماماً على النفط، من دون خطة بديلة للاعتماد على وسائل طاقة أخرى، بالرغم من أن الحلقي أشار بصراحة إلى أن كلفة ما تحتاجه البلاد من النفط شهرياً 3.6 مليارات دولار، وهو يقارب ربع ما سبق تقديره من احتياطي سوريا من العملة الصعبة قبل الحرب، وهو 18 مليار دولار.
وأشار الحلقي، في هذا السياق، إلى «كلفة برنامج الدعم الاجتماعي، الذي وصل إلى 512 مليار ليرة سورية في العام 2013، و615 ملياراً في العام 2014، و984 مليار ليرة في العام 2015». وأضاف «هناك 2.7 مليار دولار تقدم للدعم الإغاثي، تقوم الحكومة بتقديم 70 في المئة منها والمنظمات الدولية 30 في المئة فقط».
ووفقاً للحلقي فقد «تراجع عدد المهجرين داخل القطر من 6.5 ملايين مواطن في الأعوام الماضية إلى 5.4 ملايين مواطن خلال هذا العام».
كما عقَّب على موضوع الهجرة الخارجية باعتباره «موضوعاً منظماً، ويهدف إلى تفريغ الدولة من كوادرها، والمشروع هو استقطاب قوة العمل إلى أوروبا». ودعا وسائل الإعلام إلى «توضيح هذه الصورة»، وتشجيع المواطنين على تغيير سلوكهم «الاستهلاكي» و «الابتعاد عن السلع الكمالية لأن الأعباء الملقاة على الحكومة كبيرة جداً، ولا نريد أن نصل إلى مرحلة نصبح دولة فاشلة غير قادرة على تسديد رواتب موظفيها».
وأكد رئيس الحكومة السورية الاستمرار في سياسة «عقلنة الدعم»، والتي سمحت للحكومة بتجاوز «الخطوط الحمراء» التقليدية اتجاه أسعار مواد التدفئة والغذاء، كما الدواء.
وفيما ارتفعت أسعار الدواء للضعف «للإبقاء على فعالية المصانع الدوائية العاملة في سوريا»، ارتفعت أسعار مواد أخرى ثلاثة أضعاف تقريباً، كما هو الحال مع ربطة الخبز، التي قال الحلقي إنها وفقاً لبيانات الدعم الحكومي للقطاع الزراعي والاستهلاكي فإن «كلفة ربطة الخبز على الحكومة تصل إلى 200 ليرة سورية، وتكلفة ري الهكتار الواحد 10 آلاف ليرة سورية، وتأخذ الدولة من الفلاح 3 آلاف، وتكلفة طن النفايات 3 آلاف ليرة وتأخذ الدولة من المواطن 290 ليرة في حال دفعها للوحدات الإدارية».
كما دافع الحلقي عن سياسة سعر صرف الدولار، الذي تجاوز مؤخراً الـ 300 ليرة للدولار الواحد بعد أن كان بحدود 50 ليرة منذ خمسة أعوام. وأعلن أن سعر الصرف المثبت بالنسبة لموازنة العام المقبل سيكون 250 ليرة سورية، بينما كان 150 ليرة في موازنة العام 2015، الأمر الذي يؤكد المخاوف من عدم قدرة الليرة على استعادة عافيتها التصريفية قريباً.
ولفت الحلقي إلى أن نسبة العجز من الموارد المائية في دمشق تقدر بـ22 في المئة، أي 78 في المئة الطاقة المؤمنة، لافتاً إلى تأمين 250 متراً مكعباً من المياه حالياً لحلب. وأضاف «4 مدن صناعية تعــمل، بما فيها دير الزور، و25 منطقة صناعية في محافظات السويداء وطرطوس وتلكلخ واللاذقية».
وفي تعقيب يشير إلى أن الحكومة ما زالت تتعاطى بسياسة قصيرة الأجل مع الحرب الراهنة، قال الحلقي «عندما كلفت برئاسة الحكومة، وذهبت لأداء القسم سألت وزير الاقتصاد حينها عما يتوافر لدينا من إمكانيات الصمود، أخبرني بتوافر ما يمكِّننا من الاستمرار حتى العام 2013»، موضحاً أن «ذلك كان في العام 2012. كنا نتوقع أن الأزمة لن تستمر إلى الآن. ومع ذلك استمرت الأزمة وزادت». ورأى أن الحكومة «صمدت وما زالت تقدم كل مقومات الحياة الأساسية للمواطنين وتوفر كل مقومات الصمود لقواتنا المسلحة».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد