الخرافات الأمريكية وعشبة الأمل السورية

19-03-2008

الخرافات الأمريكية وعشبة الأمل السورية

الجمل- د. عمار سليمان علي:  تنتشر الخرافات بين الناس انتشار النار في الهشيم, ولعل الخرافات المتعلقة بالصحة العامة والمعتقدات الطبية والعلمية الزائفة هي الأسرع انتشاراً وتداولاً والأكثر تأثيراً وتفاعلاً, وليس الأمر مقتصراً على دول العالم الثالث كما قد يخيل للبعض, بل هو كذلك وبنفس الدرجة إن لم يكن أكثر في الدول المتقدمة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال منظمة خاصة تسمى المجلس الأمريكي للصحة والعلم the American Council on Science and Health وهي تأخذ على عاتقها مهمة فضح المزاعم والادعاءات الطبية غير العلمية, وكشف المخاوف والفزاعات الصحية التي لا أساس لها, رغم أنها شاعت بين الناس على نطاق واسع ولوقت طويل, بدءاً من الذعر الذي انتشر في خمسينيات القرن العشرين بسبب المواد الكيماوية في التوت البري, إلى هستيريا الثمانينيات حول أذرع التفاح, إلى ما سوى ذلك... ومؤخراً نشرت تلك المنظمة في موقعها الخاص على شبكة الانترنت  www.acsh.org  قائمة بما اعتبره أعضاؤها أسخف عشر خرافات صحية للعام 2007 في الولايات المتحدة, وسنقوم فيما يلي بترجمتها حرفياً مع التعليقات والتوضيحات التي وضعت أسفل كل منها:
الخرافة الأولى: أقلام حمرة الشفاه تحتوي على رصاص مميت.
ليس صحيحاً, فالكميات الصغيرة جداً ليست مؤذية.
الخرافة الثانية: الماء المفلور يعرض الصحة للخطر.
خطأ, فهو يحسن صحة الأسنان.
الخرافة الثالثة: اللحم الأحمر واللحم المطبوخ يزيد خطر السرطان.
كلام تافه, فتلك الدراسات أجريت على أناس يتناولون كميات هائلة ويعيشون حياة ساكنة جداً وقليلة الحركة. واللحم ممتاز وضروري في التغذية المتوازنة.
الخرافة الرابعة: المواد الكيماوية المستخدمة في صناعة التيفلون (وهو نوع من البلاستيك غير اللاصق يستعمل في أدوات الطبخ وغيرها) تسبب ولادة أجنة ناقصي الوزن.
 قطعاً لا, فالاختلافات في أوزان الولادة في تلك الدراسات صغيرة جداً لكي تسمح بإطلاق ذلك الاستنتاج.
الخرافة الخامسة: أملاح حمض الآزوت (النترات) في اللحوم المعالجة تسبب مرضاً رئوياً.
هراء, فالتعرض لمعدلات عالية جداً من تلك المواد الكيماوية يمكن أن يسبب السرطان, ولكن هذا ليس له علاقة بنا.
الخرافة السادسة: تحتوي الزهور على مبيدات حشرية سامة.
هنا فكرة أفضل: توقف وشم الزهور.
الخرافة السابعة: الألعاب المطاطية سامة للأطفال بسبب احتوائها على مواد كيماوية من نوع الأصبغة العضوية phthalates.
محاولة أخرى لجذب الانتباه بتخويف الآباء والأمهات وبث الرعب في قلوبهم.
الخرافة الثامنة: اللقاحات تسبب التوحد أو الفصام الطفلي (مرض نفسي حاد عند الأطفال).
لا. أظهرت دراسات عديدة أن آثاراً صغيرة من المواد الحافظة للقاحات ليست مؤذية للأطفال.
الخرافة التاسعة: الطابعات المكتبية هي مصدر خطر شبيه بالتدخين غير المباشر.
لا لا لا. فهناك فقط مجال واحد للتشابه يمكن فيه اعتباطياً جمع التدخين وذرات الطابعة معاً وهو "التلوث".
الخرافة العاشرة: قوارير الماء الزجاجية تسبب السرطان.
اشرب واكرع (كاسك). ففي الواقع لا توجد آثار لأية مواد كيماوية ترشح داخل مائك.
في النهاية يوجه القيمون على المنظمة المذكورة نصيحة مختصرة وهامة لعموم الناس وهي: كونوا هادئين... وشكاكين.
أما نحن فنتوجه بملاحظاتنا إلى الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية العربية التي تتلقف كل ما يصدر عن الغرب من أمثال هذه الخرافات وشقيقاتها وتضخها في عقول الناس البسطاء الذين للأسف الشديد يتأثرون بها ويعتبرونها حقائق مؤكدة يجب الأخذ بها وتطبيقها والسير على هديها وتغيير نمط حياتهم بما يناسبها. ونقترح في هذا المجال تأسيس مجلس عربي للوقاية من الخرافات الصحية المستوطنة والمستوردة والمصنعة محلياً, وهذه الأخيرة ليست قليلة وآخرها في سوريا مثلاً الترويج المفرط لـ " عشبة الأمل" التي يزعم مروجوها أنها تشفي من السرطان وذلك في إطار حملة إعلامية / إعلانية هائلة شارك فيها حتى أولئك الذين كتبوا عنها في البداية معترضين أو مشككين ثم ... تراجعوا عن شكوكهم وتحفظاتهم وذلك بحجة أنه "إذا" (ولنضع خطين تحت إذا)  أثبتت الأيام أو السنوات القادمة فعالية تلك العشبة نكون قد حرمنا الآلاف من المرضى من الاستفادة منها, وهذه حجة غير مقنعة وغير منطقية وحتى غير أخلاقية, لأنه بهذا المنطق يمكن تبرير قيام بعض الشركات الدوائية بتجريب أدويتها الجديدة على مرضى العالم الثالث قبل أن تنال الترخيص في بلدانها وقبل الإحاطة بكافة تأثيراتها الرئيسية والجانبية وربما السمية, كما أنه على ذلك المنوال يمكن لأي شخص أو لأي محتال أن يدعي أن النبتة الفلانية أو العشبة العلانية تشفي من مرض كذا أو تداوي علة كذا فلا يجرؤ أحد على تكذيبه والتشكيك في روايته بحجة أن كلامه "قد" يثبت مع مرور الأيام. وهذا على رأي المنظمة أعلاه ليس أكثر من هراء, لأن قصة عشبة الأمل تلك في غياب الدراسات العلمية الأكاديمية الرصينة والموثوقة لا تختلف أبداً عن قصة التيس الحلوب في دير الزور قبل سنوات وقصة شجرة دوما العجائبية وغيرها من القصص والحكايات الخرافية التي يمكن بكل تأكيد أن نحكيها ونتداولها ولكن فقط على سبيل التهكم والمزاح والسخرية.

الجمل


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...