الربح السوري من التفاهم النووي
لو جاء الاتفاق النووي الإيراني بظروف أخرى، أي قبل أربعة أعوام لسمعنا صوتا أو أكثر في دمشق، يقول لنا إن لسوريا «حصة كبرى» فيه، ليس بنتائجه فحسب، بل أيضاً بنجاحه.
فسبق لسوريا أن اقترحت وساطات عدة في أوقات سابقة بين طهران والغرب، لا سيما فرنسا، خلال الزيارتين الملفتتين اللتين قام بهما الرئيس السوري بشار الأسد إلى باريس في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، كما سبق لها أن حاولت لعب دور مساعد مع حكومة حليفها السابق، عدوها الراهن، في تركيا، حين جرى الحديث عن إمكانية نقل يورانيوم مخصب إلى دولة ثالثة، كأحد الحلول التوافقية بين إيران والغرب.
لكن الظروف اختلفت، وسوريا التي تقاتل من أجل وجودها وبقائها، لم تعد قادرة على أداء دور المطمئن للأطراف القلقة، وجلها عربي في الخليج، وإيران بدورها ليست بحاجة إلى هذا الصوت، إذ فرضت نفسها قوة إقليمية ودولية، وقريباً إن لم تتدخل المفاجآت القاتلة، ستمد الديبلوماسية الإيرانية لسانها لمعسكر كامل، تحالفت فيه دول الخليج مع الغرب ومع إسرائيل، لإفشال إنجازه.
«بالمعنى السياسي كل ما يساهم في تخفيف التوتر يخدم المنطقة وبالتالي يخدم سوريا» يقول ديبلوماسي عربي سبق له الاطلاع على النشاط الديبلوماسي الإيراني، مضيفا: «ما يجري في فيينا (أو ما جرى حتى الآن) هو بعكس عقارب ساعة الأطراف الأخرى»، في إشارة إلى تركيا والسعودية وباقي الدول التي تعتبرها دمشق وحلفاؤها مساهمة في الحرب على سوريا، لأنه «سيقلل من الاحتقان» الذي استند إلى الملف النووي، رغم أن خلفياته لم تكن بالضرورة النووي وإنما قضايا أخرى.
ويعتقد كثيرون في دمشق أن حصول الاتفاق سيترك أثره «الإيجابي» في الأجواء، فهو من ناحية سينهي حالة توتر «كلاسيكية» منذ عقد من الزمن، وثانياً سيثبت قوة الإيرانيين المفترضة في الملفات الأخرى من ناحية أخرى، وهو ما تراه السياسة السورية كمكسب لها أيضاً.
ووفقا لأحد الديبلوماسيين فإن الإيرانيين منذ بدأت مفاوضاتهم مع مجموعة «5+1» رفضوا ربط الملفات، «وهو ما كان خياراً صائباً جدا». والمفاوضات التي بدأت فعليا في العام 2003 مع ثلاث دول، هي فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لتتوسع لاحقا مع الصين وروسيا والولايات المتحدة تظللت دوماً بأحداث إقليمية مؤثرة، بينها حروب دموية كان الحضور الإيراني فيها، ولو بالوكالة، صلباً وظاهراً من دون مهادنة. «نظرة طهران إلى سوريا وإلى الإقليم ككل ليست نظرة سياسية، وإنما جيوسياسية» يقول الديبلوماسي، مضيفاً: «أي أنها ليست مرتبطة بما يمكن لإيران الحصول عليه اليوم وغداً، بل بما يمكن تحقيقه عبر تحديد أهداف بعيدة المدى».
ما الذي تريده إيران من سوريا إذا حققت انتصاراً ديبلوماسياً على خصوم مشتركين مع دمشق؟
قبل الشروع بالإجابة على السؤال، لا بد من التذكير بأن كثرا ينتظرون في دمشق وغيرها من المدن السورية الثمار الاقتصادية لهذا الاتفاق. فالبلد الذي سيسترجع 100 مليار دولار محتجزة في الخارج، سيتمكن من إظهار ملامح كرم إضافية لحلفائه كسوريا.
ومعروف أن الجانب السوري وافق منذ أيام فقط على تسيير خط دين ائتماني جديد مع طهران بقيمة مليار دولار، سيغطي حاجة قطاعات الطاقة والدواء وبعض المواد الغذائية، ويمكن أن يكون مقدمة لخط ائتماني أطول بقيمة 3.6 مليارات دولار وفقا لما أعلنت مصادر إيرانية لوسائل الإعلام.
«في النهاية هي ديون، ليس لدينا أدنى شك في هذا الأمر» يعلق أحد المعنيين بهذا الشأن على فكرة تحسن شروط المساعدة الاقتصادية الإيرانية لسوريا، إلا أنه يجب «أن نحمد الله أن هناك من هو قادر على إعطائك، وضمن شروط لا تختلف عن رغباتك ومن دون فوائد».
وتتناقل وسائل إعلام مختلفة أن إيران منحت سوريا قروضاً بما يعادل 3.2 مليارات دولار جلها من الوقود في الأعوام السابقة. وفي هذا الإطار، تذكر تقارير صحافية غربية أن ما يعادل 60 ألف برميل يوميا يصل إلى سوريا عبر طرق مختلفة مصدرها واحد، وهو الآبار الإيرانية. وبالطبع سيسمح الاتفاق النووي، بعد رفع العقوبات على طهران، من تأمين كميات أكبر من النفط، وبطرق شرعية دون الحاجة للالتفاف، ذلك وإن ظلت العقوبات على سوريا سارية بدورها.
رغم ذلك، اشتكت العام الماضي قطاعات عديدة في سوريا من شح الوقود الإيراني، لا سيما وقود التدفئة الذي ترافق نقصه مع شتاء قارس لم تشهد البلاد مثله منذ عقود. وقال مسؤولون حينها، إن نقص الإمداد من الجانب الإيراني هو السبب الرئيسي، كما اشتكت وزارة الكهرباء حينها من نقص حاد في كميات وقود المازوت المستخدم في محطات التوليد الكهربائية، ما استدعى تطبيق نظام تقنين حاد في الخدمة الكهربائية.
ونسب محللون حينها هذا التباطؤ لاختلاف في الرأي بين الحكومة الإيرانية، الخاضعة لسلطة الرئيس حسن روحاني المباشرة، وقيادة الثورة في إيران وعلى رأسها مرشدها علي خامنئي. إلا أن الخلاف إن وجد، متعلق بالخط الاقتصادي، بشكل أساسي، وطريقة ترتيب الضمانات والتسديد، وأولويات العمل، فيما تبقى خطوط الإمداد الأخرى المرتبطة «بلعبة الشطرنج التي اخترعتها إيران، وتتقنها جيدا» مفتوحة بسعتها القصوى.
لذا حرص الجانبان في نهاية الشتاء الماضي على تبديد «صورة برد الشتاء» من الأجواء، وتبادلت سوريا وإيران وفوداً رفيعة المستوى أكدت «عمق العلاقات والتحالف القائم بين البلدين».
ووفقا لما يعلق به مصدر سوري مطلع فإن «عطاء إيران في أوقات الشدة لم يتناقص، فما بالك وقد رفع عبء النووي وعادت الأموال» التي في الخارج، الأمر الذي يجده كثيرون في دمشق فاتحة خير. ورغم أن ازدياد قوة إيران الإقليمية سيعني طردا ارتفاع قوة نفوذها في سوريا، إلا أن أحدا لا يفكر في هذا الأمر الآن. بل يتبادر إلى الذهن السؤال عما إذا كانت هذه التوقعات ستدفع الآخرين إلى إنفاق مماثل على الجبهة الأخرى. لكن وفقا للمصدر «فإنهم لا ينتظرون أصلا حصول هكذا أمر. قطر أنفقت على حربها في سوريا 3.8 مليارات دولار وفق تقارير أميركية».
في النهاية نستطيع القول: «صحيح أن هذه الحرب هي ضد سوريا، إلا أن جزءاً كبيراً منها هو ضد إيران أيضاً».
الأسد
وصف الرئيس بشار الأسد، أمس، التوقيع على الاتفاق النووي بالمنعطف الجوهري في تاريخ إيران وتاريخ علاقاتها مع دول المنطقة والعالم، معتبراً أن «الأيام المقبلة ستشهد زخما في الدور البناء الذي لعبته الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدعم حقوق الشعوب وإرساء أسس السلام والعلاقات الودية بين الدول لما فيه خير البشرية جمعاء».
وبعث الأسد برقيتي تهنئة إلى قائد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني لمناسبة التوصل إلى الاتفاق النهائي حول الملف النووي الإيراني بين إيران ومجموعة «5+1».
وقال الأسد، في برقية التهنئة إلى خامنئي: «يسرني وقد حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الانتصار العظيم بالتوصل إلى الاتفاق النهائي مع مجموعة خمسة زائدا واحدا بشأن الملف النووي الإيراني أن أعرب باسم الشعب العربي السوري، وباسمي لسماحتكم وللشعب الإيراني الشقيق، عن أحر تهاني القلبية وخالص مباركتي لكم بهذا الانجاز التاريخي».
وأضاف: «لا شك أن هذا الاتفاق هو تتويج لصمود الشعب الإيراني بكل أطيافه وتوجهاته، في وجه العقوبات الظالمة التي فرضت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي ورغم قساوتها حَوَّلَها الشعبُ الإيراني العريق إلى فرصة لتعزيز مقدراته الذاتية والارتقاء بأبحاثه وجامعاته وانجازاته، إلى أن وصل مرحلة يعترف له العالم برمته بما حققه وأنجزه».
وأشار الأسد إلى أن «توقيع هذا الاتفاق يعتبر نقطة تحول كبرى في تاريخ إيران والمنطقة والعالم، واعترافاً لا لبس فيه من دول العالم بسلمية البرنامج النووي الإيراني، الذي يضمن الحفاظ على الحقوق الوطنية لشعبكم ويؤكد سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية واستقلال قرارها السياسي». وقال: «نحن مطمئنون إلى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستتابع وبزخم اكبر دعم قضايا الشعوب العادلة، والعمل من أجل إحلال السلم والاستقرار في المنطقة والعالم».
وقال الأسد، في برقية التهنئة إلى روحاني، إن «التوصل إلى توقيع اتفاق نهائي بشأن الملف النووي الإيراني قد حقق للشعب الإيراني حقوقه في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، بل وعزز دائما إمكانية ضمان الحقوق الوطنية لشعبكم، بعد أن شهد العالم مصداقية الجمهورية الإسلامية ومنعة شعبها ومفاوضيها وحكومتها».
وأضاف إن «التوقيع على هذا الاتفاق يعتبر منعطفاً جوهرياً في تاريخ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتاريخ علاقاتها مع دول المنطقة والعالم، ولا شك لدينا أن الآتي من الأيام سيشهد زخما في الدور البناء الذي لعبته الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدعم حقوق الشعوب وإرساء أسس السلام والعلاقات الودية بين الدول لما فيه خير البشرية جمعاء».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد