الشمس بدلاً من النفط مصدر للثروة في العالم العربي
يشكل اتفاق دول الاتحاد الأوروبي، التي تعد أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم على اعتماد سياسة جديدة للطاقة، بداية حقبة جديدة في تاريخ استهلاكها. ويقضي هذا الاتفاق بتسريع الخطى في مجال الاعتماد على الطاقات المتجددة، التي ينبغي أن ترتفع حصتها إلى 20 في المئة في سوق الطاقة الأوروبية عام 2020. كما يقضي بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالنسبة ذاتها حتى العام المذكور. ويعني ذلك الحد من استهلاك مصادر الطاقة الملوثة للبيئة، وفي مقدمها الفحم والنفط. كما يعني زيادة الاستثمار في الطاقات المتجددة وفي مقدمها الطاقة الشمسية التي تعد مصدرها الأكثر توافراً وضماناً، مقارنة بالرياح والمنتجات الزراعية والحيوانية التي يمكن استعمالها للتدفئة وإنتاج الوقود.
وما يعزز هذا التوقع الزيادة الكبيرة في الطلب على تجهيزات إنتاج الطاقة المذكورة، إضافة إلى توجه دول أخرى إلى الاعتماد عليها في شكل متزايد كاليابان والولايات المتحدة الأميركية التي بدأت بعض ولاياتها، في مقدمها كاليفورنيا، في دخول عصر الاستثمار فيها من أوسع أبوابه.
على صعيد الطلب، نمت التجارة العالمية في مجال تجهيزات الطاقة الشمسية بمعدلات قياسية في الأعوام الماضية. فعلى سبيل المثال تضاعفت قيمة الصادرات الألمانية من هذه التجهيزات خمس مرات في السنوات الثلاث الماضية، لتصل إلى بليون يورو نهاية عام 2004. ووصلت في ألمانيا نفسها حصة الطاقات المتجددة في السوق إلى نحو 8 في المئة خلال العام الماضي، مقابل أقل من 4 في المئة بداية القرن الحالي.
وتذهب التوقعات إلى نمو سوق الطاقة الشمسية بنسب تتراوح بين 300 و1000 في المئة في السنوات الخمس المقبلة في ألمانيا وأسبانيا وإيطاليا ودول الاتحاد الأوروبي الرئيسة الأخرى. فيما سجلت الاستثمارات في العامين الماضيين أرقاماً قياسية في مجال الطاقات المتجددة. إذ أفادت المؤسسة الباريسية للطاقات المتجددة REN21 بأن الشركات والدول ضخت في هذه الطاقات رؤوس أموال بقيمة 38 بليون دولار عام 2005 ، مقابل 30 بليوناً عام 2004. واستُثمر ما يزيد على نصف هذه المبالغ في الطاقة الشمسية.
وفي هذا الإطار، يلاحظ أن دخول خط هذه الاستثمارات لم يقتصر على شركات الطاقة العملاقة مثل «شل» و»توتال»، بل تجاوزهما إلى شركات أخرى وجدت فيها مجالاً واعداً للربح والوفاء بمتطلبات البيئة. فعلى سبيل المثال تتطلع شركة «ابلايد ماتيريال» الأميركية الى تحقيق مبيعات من التجهيزات المذكورة بقيمة 500 مليون دولار في السنوات الثلاث المقبلة، كما تسعى ولاية كاليفورنيا الى أن تصبح أكبر منتج للتجهيزات المذكورة بعد اليابان وألمانيا خلال أقل من عشر سنوات. ويدعم هذا التوجه تخصيص صندوق دعم مالي بقيمة 2.9 بليون دولار للعائلات والمؤسسات الراغبة في اعتماد الطاقة الشمسية في استهلاكها. وفي بلد مثل ألمانيا تحصل المؤسسات على دعم يصل إلى 40 في المئة، ولا يقتصر هذا الدعم على المؤسسات بل يشمل الجامعات والمعاهد والمراكز العلمية العاملة في مجال تطوير الطاقات المتجددة واستعمالها.
وفي وقت تقبل فيه الشركات والدول على الاستثمار في الطاقة الشمسية من كل حدب وصوب، ولا يزال العالم العربي يعتبر الأمر قضية ثانوية الأهمية على رغم السيولة المالية الكبيرة المتوافرة في دوله النفطية الآن، فباستثناء خطط لتشييد بضعة مشاريع في الإمارات ومصر والأردن، ليس هناك ما يثير الأهمية في الوقت الحاضر سواء على صعيد التخطيط لمزيد من المشاريع أم إنتاج تجهيزات هذه الطاقة.
واللافت أن ضعف الاهتمام يتزامن مع ما تحققه مراكز أبحاث ألمانية وأوروبية من خطوات مهمة للتوصل إلى تقنيات جديدة تجعل نقل الطاقة الشمسية مجدياً اقتصادياً مقارنة بالطاقات التقليدية، وفي وقت أعلنت فيه جهات أوروبية أن العالم العربي ليس مهماً لأوروبا كمصدر للنفط والغاز بل للطاقة الشمسية. ولا يعود السبب في ذلك إلى عدد الأيام القليلة التي تسطع فيها الشمس في معظم دول أوروبا، بل إلى عدم توافر المساحات الكبيرة التي تساعدها على إقامة محطات لتوليدها كما هي الحال في بلدان شمال أفريقيا وفي مقدمها الجزائر.
وصدرت أخيراً تصريحات لخبراء ألمان تفيد بأنه يمكن هذه البلدان أن تكون مصدراً لتغطية نسبة 15 في المئة من حاجة السوق الألمانية خلال العقود الأربعة المقبلة. وإذا عممنا هذه النسبة على مستوى الاتحاد الأوروبي، يمكن تصور حجم المبيعات والأرباح الضخمة التي يمكن الدول العربية تحقيقها من استغلال طاقة الشمس، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي يشكل أكبر مستورد للطاقة في العالم. ومن هنا يمكن القول إن الشمس ستكون ضامناً رئيساً لمصادر الطاقة في المستقبل، ومصدراً للثروة في البلدان التي تستثمر في الوقت المناسب.
إبراهيم محمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد