الصُدفة تُعيد نجاح العبد الله وجيل الوجع والتعب
منذ رحلت الفنانة نجاح العبد الله في 13 شهر كانون الثاني 2003، قلة من أصدقائها وزملاء المهنة من فنانين وإعلاميين تذكرها. قاوم بعض هؤلاء جحود الوسط الفني وضعف ذاكرته بمقال هنا عن الفنانة الراحلة، واستعادة ذكراها هناك على هامش مهرجان. إلا أن ذلك كله ظل في خانة الاستثناء، إلى أن عادت الراحلة نجاح العبد الله نفسها لتخترق تلك الذاكرة حين ظهرت في إحدى لوحات الجزء السادس من «بقعة ضوء» الذي عرض في الموسم الدرامي 2008 أي بعد خمس سنوات من رحيلها، وهي لوحة تعود إلى الجزء الثاني من المسلسل الذي أخرجه الليث حجو ومنعت من العرض حينها، وقام المخرج سامر برقاوي لاحقاً باستثمارها في الجزء السادس بعدما عادت الرقابة عن قرار المنع، فقدمها وأهداها إلى روح الفنانة نجاح العبد الله. وكان برقاوي بذلك يدفع بالراحلة نجاح العبد الله إلى دائرة الاهتمام الإعلامي، حتى ولو علم ان ذلك سيأتي من بوابة الاحتجاج على عرض اللوحة من دون ذكر كاتبها الحقيقي أو مخرجها.
ابتسم أصدقاء نجاح العبد الله آنذاك لسخرية القدر، فقد وفرت الراحلة لنفسها من الحضور الإعلامي ما عجزوا عنه طيلة سنوات رحيلها الخمس، وربما شعروا بالامتنان لمرة واحدة فقط تجاه منع الرقابة للوحة «العرس» والعودة للسماح بعرضها. فذلك على الأقل منح الراحلة العبد الله تذكرة العودة للحياة ولو لدقائق معدودة.
المصادفة التي أعادت العبد الله من ذاكرة النسيان إلى واجهة الاهتمام الإعلامي كانت هي نفسها التي حملتها من كونها عاملة في معمل التبغ في دمشق إلى فنانة مسرحية في المسرح العمالي عند تأسيسه في السبعينيات، لاحقاً سيرتبط اسمها مع أهم المخرجين المسرحيين مثل جواد الأسدي ونائلة الأطرش ومحمد سعيد الجوخدار، ولن يمضي وقت طويل قبل أن تثير اهتمام مخرجي التلفزيون والسينما، وتصبح واحدة من الأرقام الصعبة في أعمال هيثم حقي ونجدت أنزور وحاتم علي، ولعل هذا الأخير كان قد قدمها في واحد من أهم أدوارها التمثيلية وذلك من خلال شخصية «ضباع» في مسلسل «الزير سالم»، في حين ظلت أدوار الأم هي المساحة الأكثر إثارة للاهتمام في أداء الفنانة الراحلة، ولا سيما أنها لم تأسر نفسها في شخصية نمطية وإنما قدمت نماذج مختلفة وبقيت في كل مرة تختزن عاطفة الأمومة ذاتها في عينيها. لكن دور نجاح العبد الله في فيلم «الترحال» للمخرج ريمون بطرس بشخصية «أم عزمي» الفلسطينية النازحة مع عائلتها إلى حماه بعد النكبة، كان الأصدق تعبيراً عن تجسيدها لشخصية الأم رغم أن الدور كان عبارة عن مشهدين فقط . في السينما، ستبرز نجاح العبد الله في فيلم محمد شاهين «الشمس في يوم غائم» وسيعد دورها في «ليالي أبن آوى» لعبد اللطيف عبد الحميد الأهم سينمائياً، بينما سيرتبط أسمها باسم المخرج ريمون بطرس في فيلميه «الطحالب» و«الترحال»، ولاحقاً بمسلسل «أم هشام» الذي كتبه من أجلها خصيصا وبدأت بتصويره فعلياً بإدارة المخرج عبد المسيح نعمة، ولكن المرض والموت لم يمهلاها كي تنتهي منه.
نجاح العبد الله التي نجحت في اختزان عاطفة الأمومة في عينيها، كانت تختزن الحزن أيضاً، فهي المعمدة بالحزن على حد تعبير المخرج ريمون بطرس، وهي فنانة الزمن الصعب، هذا الزمن الذي لم يعد لأي من أبطاله مكان في ذاكرة الفن اليوم، هذه الذاكرة التي تُصنع النجومية فيها على طريقة الوجبات السريعة، لا بكثير من الوجع والعناد والتعب كما كان يفعل فنانو الأمس.. ومنهم نجاح العبد الله.
ماهر منصور
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد