الطبل في الشرق الاوسط و العرس في سويسرا
الجمل ـ معن صالح : يحضرني المثل الشعبي الدمشقي القائل " العرس في حرستا و الطبل في دوما او العكس " ، فكلما اقرأ او استمع الى معظم التحليلات السياسية في الايام الاخيرة لا يمكنني الا ان ارى هذاالمثل بغير مكان بحيث يصبح " الطبل في الشرق الاوسط و العرس في سويسرا " . هنا تقرع طبول الحرب على كل الجبهات و بمختلف انواع الاسلحة ، و هناك تجهيز لشهر العسل بمختلف انواع الحوار و الغزل ان لزم الامر . رغم حرارة الاحداث في شتاء كان عاصفا بامتياز من تغيير قواعد الاشتباك على جبهة الجولان بعد عملية الاغتيال الاسرائيلية والرد الذي تبعها من حزب الله الى استيلاء الحوثيين على صنعاء الى وفاة الملك عبدلله و ما قد وصف بانه انقلابا في المملكة و ليس انتهاء بالزيارات المكوكية المتزامنة للرياض من قبل السيسي و اوغلو و امير قطر و وزير الخارجية الامريكي حاملا معه تطمينات حول الاتفاق مع ايران الذي يحاول كيري ان يجعله اكثر دفئاً ليذيب ما تبقى من بقع الجليد هناك . فان الجميع يحاولون ممارسة التنجيم من خلال سرقة النظر الى وجه المفاوض الامريكي و الايراني لاقتناص بعض التعابير و الايحاءات التي يمكن ان تشي ببعض ما يجري في المفاوضات . تكثر الابتهالات و الامنيات المتناقضة بين حلفاء الطرفين ، امنيات للفشل تقابلها رجاءات للنجاح ، فلا بد من الانتباه الى نقطة هامة جدا وهي ان اهم حلفاء الولايات المتحدة لا يؤيدونها في هذا الاتفاق لدرجة ان نتنياهو صرخ بذلك في عقر دار اوباما و صفق له اعضاء الكونغرس كما لم يصفقوا لاوباما نفسه . كذلك اضطر كيري للذهاب الى السعودية لتقديم بعض التطمينات في حال حصول الاتفاق . و على المقلب الاخر نرى ان حلفاء ايران متحمسون للاتفاق اكثر من الايرانيين انفسهم نظرا لحجم الامال المعقودة على هذا الاتفاق و على مدى تاثيره في نظرهم على الاحداث في منطقتهم . و بتقديري ان هذه النقطة ستكون مربط الفرس بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية . و بالتالي ستكون قادرة على امتلاك خياراتها اكثر بالشكل الذي تريده و الذي يخدم مصالحها و رؤيتها للاحداث . امريكا بعد الاتفاق ستكون قادرة ان تتقاطع مع الجميع سلبا ام ايجابا بمن فيهم ايران وحلفائها . بنظرة اكثر عمقاً للموقف الامريكي نجد انه يلهث خلف الاتفاق اذا حقق له بعضا من اولوياته و اهمها ضمان الابقاء على نفوذه في منطقة الخليج و ضمان عدم قيام ايران بكسر توازنات المنطقة بشكل حاد مع الاقرار بمناطق حيوية للنفوذ الايراني . لكن .... و هنا بيت القصيد .... هل امريكا توقع اتفاقا نيابة عن اسرائيل ايضا ؟ هل امريكا توقع اتفاقا نيابة عن السعودية و دول الخليج ؟ هل امريكا توقع اتفاقا نيابة عن الاتراك وعن حلفائها في الناتو ؟ على الرغم من ان الاتفاق سيكون ممهورا بتوقيع 5+1 بالتأكيد لا .. و بالوقت نفسه نعم ... فالجميع يعلم ان واشنطن صاحبة الكلمة العليا . و هذا النوع من السياسات خبرناها في السياسة الامريكية لسنوات طويلة . فهي في اللحظة المناسبة قادرة ان تترك الحبل على الغارب للمحور المعادي لايران و حلفائها ... و هي في اللحظة المناسبة ايضاً قادرة على لجم حلفائها بكل بساطة . ان معارضة نتنياهو لهذا الاتفاق في مبنى الكونغرس و بتصفيق جمهوري - ديموقراطي هو ماتريده واشنطن بالتحديد . و هو لا يتعارض مع مصالحها الجوهرية بتاتاً . على العكس هو ورقة تستثمرها في تفاوضها مع الايراني و غير الايراني ، فهي الان اكملت قدرتها للولوج الى كل الخيارات . ايران الان خارجة عن حدود قوة الضغط الامريكي ... لكن بعد الاتفاق ستاخذ العلاقة شكلا مختلفا من شأنها امكانية الدخول في صلب السياسات الايرانية من باب الاتفاق وليس من باب الاختلاف ، امريكا بعد الاتفاق اكثر قدرة على توجيه دفة الاحداث بالشكل الذي يناسبها . كل ما سوف يجري بعد الاتفاق ان حصل ، هو تغيير قواعد الاشتباك التي تغيرت على الارض فعلا و اعطاء واشنطن قدرة اكبر على المناورة في كافة الاتجاهات ان كان مع حلفائها او مع ايران و حلفائها . في حسابات الربح والخسارة يمكننا القول ان ايران و واشنطن هما الرابح الاكبر و دول الخليج هي الخاسر الاكبر . بالنسبة لاسرائيل لن يتغير شيئاً لانها كانت و مازالت في صلب السياسة الاميركية و لم تنضج الظروف بعد لاتخاذ واشنطن مسارات خاصة بعيدا عن اسرائيل . لذلك لا يوجد تغير جوهري في السياسات الاستراتيجية للصراع في المنطقة ... و الذي يمكن ان يتغير بعد الاتفاق هو اسلوب الصراع نفسه و القدرة على التحكم به في الوقت المناسب بحيث لا يولد انفجارات او هزات عميقة في المنطقة . فالمعارك بين الحلفاء من الطرفين ستبقى مستمرة الى اجل غير مسمى لسنوات عديدة قادمة تشتد احيانا و تخفت احيانا اخرى و الجميع يتحين فرصة للانقضاض يمكن لها ان تعيد ترتيب الاوراق من جديد .
إضافة تعليق جديد