العالم يطوي حقبة جورج بوش: باراك حسين أوباما يقسم اليمين اليوم

20-01-2009

العالم يطوي حقبة جورج بوش: باراك حسين أوباما يقسم اليمين اليوم

في شوارع واشنطن، مشاعر غير عادية. العاصمة تستعيد رونقها الديموقراطي ومركزيتها التاريخية. يغادرها المحافظون تباعاً، ويعود إليها الليبراليون في قطار من التفاؤل والواقعية. والحدث: مراسم أداء اليمين لأول أفريقي أميركي يسكن البيت الابيض، وأول رئيس يأتي الى الحكم من دون جروح حركة الحقوق المدنية، ولا صراعات الستينيات الإيديولوجية.
يؤدي باراك اوباما ظهر اليوم بحسب التوقيت الاميركي، اليمين الدستوري ليصبح رئيس الولايات المتحدة الـ،٤٤ ولتدخل واشنطن والعالم زمناً سياسياً جديداً يطوي صفحة جورج بوش وولايته المضطربة داخلياً وخارجياً، في حفل تنصيب هو الأكثر كلفة وشعبية في التاريخ الاميركي، بحيث قد تصل أرقامه الى ١٥٠ مليون دولار، وبحضور اكثر من مليوني شخص، في مدينة تعيش حال طوارئ غير مسبوقة مع اغلاق الجسور من نهر بوتوماك الى واشنطن، إضافة الى جزء كبير من وسط العاصمة.
في ساعات قليلة بين أداء مراسم اليمين والاستعراض الرئاسي عند جادة بنسلفانيا من الكونغرس الى البيت الابيض، سيكون وزير الدفاع روبرت غيتس رئيس هذه اللحظة الانتقالية، وسيكون في مكان لن يكشف عنه، فيما يحضر رموز الدولة كلها حفل التنصيب. وسيقوم طاقم البيت الابيض بمهمة مستحيلة تقضي بنقل أغراض بوش وعائلته خارج البيت الابيض واستبدالها بأثاث وتصميم وأغراض عائلة اميركا الاولى الجديدة. كما سينقل فريق عمل أوباما بالباصات الى البيت الابيض لتسلم ادارة البلاد في أسرع وقت ممكن. وسيستقبل بوش الرئيس الجديد في البيت الابيض ويرافقه الى حفل التنصيب قبل ان يغادر واشنطن من قاعدة اندروز الجوية ويخرج من دائرة الأضواء.
وكرم اوباما امس في حفلات رسمية عشية تنصيبه رئيساً، كلاً من منافسه في الانتخابات الرئاسية السيناتور جون ماكين، ووزير الخارجية الأسبق كولن باول، ونائبه جوزيف بايدن. وتأتي هذه الخطوات بعد اجتماعه مع شخصيات فكرية وإعلامية محافظة في منزل المعلق الصحافي الشهير جورج ويل في ضواحي مريلاند.
وقد استحضر اوباما في الساعات الاخيرة رموز التاريخ الاميركي في خطاباته بإيحاءات وتعابير تحمل بصمات ابراهام لينكولن وجون كينيدي ومارتن لوثر كينغ. فهو يحاول في مكان ما مصالحة الأفارقة الاميركيين مع هذا التاريخ، ويركز منذ انتخابه رئيساً على الآباء المؤسسين، معتبراً انهم وضعوا فكرة المساواة نظريا ليأتي لينكولن ويحرر العبيد ويعبر خطر الحرب الأهلية. لكن كان على الأفارقة الاميركيين انتظار مئة عام حتى تندمج المساواة في القوانين بعد نضال فرض نفسه على النظام.
وقال اوباما في بيان لمناسبة ذكرى مارتين لوثر كينغ »سنجتمع (اليوم) سوياً كشعب واحد في المجمع القومي ذاته حيث لا تزال أصداء حلم كينغ. وحين نفعل، ندرك ان أقدارنا هنا في اميركا مرتبطة بشكل لا ينفصم«. ولبى عشرات آلاف الشبان الاميركيين دعوة اوباما الى الخدمة العامة امس. وقد زار الرئيس الجديد بيت »ساشا بروس« قرب مبنى الكابيتول برفقة ابن كينغ، حيث ساعد على دهان احد الجدران.
اوباما من الرؤساء القلائل الذي يكتبون خطاباتهم بأنفسهم مع نفس واعظ يلقيها ببلاغة ساحرة. وقد وصف خطاب لينكولن خلال تنصيبه رئيساً عام ١٨٦١ بأنه »مخيف« لأنه قلق من اي مقارنة بين الخطابين. وعندما رافقته ابنته ماليا (عشر سنوات) الى نصب لينكولن التذكاري حيث نقش خطاب لينكولن على الحجر، قالت له عن خطابه المرتقب »أول رئيس افريقي اميركي. الافضل ان يكون جيداً«.
وتبادل اوباما مسودات خطابه مع مساعده الشاب جون فافرو على مدى شهرين، ووضع اللمسات الاخيرة على هذا الخطاب، بعد اختبار وقع بعض كلماته على الناس في الرحلة التي قام بها في القطار من فيلادلفيا الى واشنطن. ويتوقع ان يركز الخطاب على المسؤولية الشخصية للأميركيين في التغيير مع خليط من حملته الانتخابية ولمسته الرئاسية مع بناء على تجارب لينكولن وكينيدي وكينغ. وكان رونالد ريغان قال في خطاب حفل تنصيبه رئيساً عام ١٩٨١ »في هذه الازمة الراهنة، الحكومة ليست الحل لمشاكلنا، الحكومة هي المشكلة«. ويأتي اوباما اليوم ليطوي هذه الحقبة المحافظة في السياسة الاميركية، في وقت يتطلع فيه الاميركيون الى الحكومة الفدرالية مجدداً لإخراجهم من الأزمة الاقتصادية.
لا تزال التساؤلات كثيرة حول اوباما، وشهر عسله السياسي الذي قد يكون طويلاً لأن الرأي العام بكل أطيافه يريد له النجاح، حيث قال ٧٩ في المئة من الاميركيين إنهم متفائلون بولايته في استطلاع مشترك بين صحيفة »نيويورك تايمز« وقناة »اي بي سي« رغم انهم مدركون صعوبة تجاوز التحديات الاقتصادية. وفي استطلاع آخر لصحيفة »واشنطن بوست«، اعتبر ٢٥ في المئة فقط من الاميركيين ان المسألة العرقية لا تزال مشكلة مقارنة مع ٥٤ في المئة عام .١٩٩٦ لكن رأى ٤٤ في المئة من السود ان المشكلة لا تزال قائمة (مقارنة مع ٧٠ في المئة عام ١٩٩٦) فيما ذكر ٢٢ في المئة من البيض ان المشكلة قائمة مقارنة مع ٥٢ في المئة قبل ١٣ سنة.
في مقابل ذلك، أظهر استطلاع أجرته شبكة »سي ان ان«، ان ٦٨ في المئة من الاميركيين يعتبرون السنوات الثماني التي شكلت فترة رئاسة بوش، فاشلة. وقال ٣ في المئة من هؤلاء ان بوش هو أحد أعظم الرؤساء الأميركيين، في حين قال ٤٦ في المئة بأنه رئيس سيئ. وأيد ٣١ في المئة فقط من المستطلعين أداء بوش، وهي النسبة النهائية للتأييد له. وقد هاتف بوش امس قادة روسيا وكوريا الجنوبية وايطاليا وجورجيا والدنمارك وأعرب لهم عن تقديره للعمل معهم.
ويتعمد اوباما الحد من التوقعات المفرطة لولايته بحيث قال في خطابه امام نصب لينكولن التذكاري »لن ادعي ان مواجهة اي من هذه التحديات سيكون سهلا. قد يستغرق الامر اكثر من شهر او سنة، قد يستغرق الامر كثيراً على الأرجح. ستكون على الطريق نكسات وبدايات خاطئة وأيام ستختبر تصميمنا الرئيسي كأمة«.
زار اوباما واشنطن للمرة الاولى في الثمانينيات حين كان طالبا يساريا في جامعة كولومبيا في نيويورك ليشارك في تظـاهرة ضد قرار رونالد ريغان تقليص النفقات الاجتماعية في الميزانية الفدرالية. وتوجه بعد التظاهرة الى جادة بنسلفانيا حيث توقف لينظر الى البيت الابيض للمرة الاولى، حيث ربما حلم حينها بهذه اللحظة. اليوم، بعد كل دراما هذه الحملة الرئاسية، يتحول اوباما رسمياً من المعارضة الى السلطة، ومن الظاهرة الى النظام.

جو معكرون

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...