الغش المدرسي يغزو الجامعات

13-05-2007

الغش المدرسي يغزو الجامعات

في أزمنة لم يمض عليها كثير من الزمن، شكّل الغش المدرسي أحد أبرز العناوين السلبية في الانظمة التربوية. والارجح أن ذلك الغش ما زال مستمراً ومتفشياً، وفي المراحل التعليمية كلها؛ لكنه حصل أخيراً على «دعم» غير متوقع. ولربما فاقم هذا الدعم المُعاصر تلك العدوى بما قد يجعلها أشد انتشاراً، وخصوصاً في اوساط الطلاب الجامعيين لا سيما الذين يتابعون الدراسات العليا للحصول على ماجستير ودكتوراه. وأما الدعم موضع الحديث، فجاء من الكومبيوتر والانترنت والاتصالات المتطورة، التي وفرت للغُش سبلاً لم تكن معروفة قبلاً. فقبل ظهور الانترنت كان هؤلاء الطلاب يلجأون إلى بطون الكتب والمراجع والمصادر ينقلون منها ما يشاؤون من المقاطع والصفحات وأحياناً الابحاث، ويضمونها إلى ابحاثهم ويقدمونها وكأنها من صنعهم وجهدهم وبنات افكارهم. ونجح في ذلك الأمر كثيرون، كما فشل كثيرون أيضاً فأرغموا على اعادة كتابة اطروحاتهم وتنظيفها من اي اثر للغش. وفي عصر الانترنت، تطور الغش المدرسي والأكاديمي بأنواعه كلها. وانتقل من اطاره التقليدي ليدخل زمن «الغش الرقمي» الذي اصبحت له آليات وتقنيات ووسائل باتت خبزاً يومياً في حياة الطلاب الجامعيين، وجزءاً من معارفهم البديهية.

من يُطالع الصحف الكندية، في الآونة الأخيرة، تألف عيناه رؤية عبارات من نوع «الغش المدرسي يغزو الجامعات» و «الطلاب باتوا اسياد لعبة «انسخ- لزق» على الانترنت؛ والاساتذة في حال قلق وترصد وتأهب للحيلولة دون اقدامهم على سرقة اي نص من داخل الشاشة الفضية». وتعكس تلك العبارات وغيرها، مما تنقله الصحف الكندية والاميركية والاوروبية يومياً، لسان حال العديد من الجامعات في الغرب، التي يهجس المشرفون عليها بكابوس أن يتحوّل التعليم العالي إلى مكان مثالي للغش والخداع المُرتكز إلى الامكانات الهائلة التي توفرها الشبكة الدولية للكومبيوتر. وقد اختصرت إحدى الصحف المحلية في مونتريال الوضع أخيراً بسؤال طريف: «هل باتت شبكة الويب مسرحاً للعبة «القط توم والفأر جيري» بين الطلاب والاساتذة؟».

من المعلوم ان المواقع الالكترونية، بفضل وفرتها وغزارة معلوماتها، تفتح للطلاب الراغبين بالغش آفاقاً لا تحد للإبحار والبحث والتنقيب والتفتيش عن المعلومة؛ وكذلك لخطف أي موضوع أو نص مهما كانت طبيعته؛ ولانتحال الاسماء، ولصنع مؤلفات وهمية وابتداع اسماء خيالية لمؤلفين لم يكونوا أبداً. ووفقاً لدراسة فرنسية صدرت أخيراً في كندا تحت عنوان «انتحال المعلومات واستخدامها لغير اصحابها»؛ وشملت 975 طالباً جامعياً؛ فإن الانترنت ملعب مفتوح على مصراعيه للتسلل والغش بنسبة تصل إلى حدود 97,5 في المئة.

وجاء في الدراسة عينها ان 77 في المئة من الطلاب الفرنسيين يلجأون إلى طريقة «انسخ – لزق» Copy- Paste في تحضير واجباتهم الاكاديمية؛ وان ثلاثة ارباعهم نقلوا على الاقل موضوعاً بأكمله عن الانترنت. وعلّق أحد الاساتذة على ذلك بالقول: «سابقاً كان الطلاب يصرفون وقتهم في البحث عن المراجع وينكبون على قراءتها وفهمها جيداً قبل الاستعانة بها ضمن الحدود والشروط المسموحة للاقتباس... اما مع ثورة الانترنت والمعلومات فقد استغنى العديد من الطلاب عن تلك المشقة؛ ولم يعودوا ليكلفوا انفسهم عناء البحث والاستقصاء واحترام المعايير والمحاذير التي ينبغي ان يتوقفوا عندها». وفي سياق مماثل، صرّح اريك وايس رئيس قسم التكنولوجيا في جامعة مارسيليا بأنه يعتقد بأن «الغش الرقمي يغزو صروح الجامعات يوماً بعد يوم، والطلاب اصبحوا أسياد اللعبة وملوكها إلى حد بعيد». كما أشار إلى ان ثقافة الغش الالكتروني عميمة الانتشار، ولا تقتصر على جامعة بعينها، بل تطاول الصروح الأكاديمة مهما علا شأنها، بداية من جامعة اكسفورد مروراً بالسوربون ووصولاً إلى المعاهد الثانوية والمدارس الابتدائية.

وفي هذا السياق أيضاً، يشير تقرير صادر عن «الوكالة الوطنية السويدية للتعليم العالي» إلى ان حالات الغش الرقمي في المعاهد والجامعات الاوروبية زادت 90 في المئة بين عامي 2002 و2003. ولا غرو في ذلك، فوصول الطالب عبر الويب إلى المعلومة التي يريد، لم يعد بحاجة إلى اكثر من نقرة بالفأرة الالكترونية على محرك البحث لتنفتح امامه آلاف المواقع.

ففي أوقات سابقة، توجب على طالب الدراسات العليا ان يستشير الجامعة او الاستاذ المشرف حول الموضوع الذي يختاره لاطروحته وكان الجواب على ذلك يستغرق وقتاً طويلاً. اما اليوم فأصبح الأمر سهلاً على الانترنت، ومن دون اللجوء إلى اي من الاساتذة او الجامعة كما يقول برنارد ساراتك، أحد المشرفين على أُطروحات الدكتوراه في جامعة مارسيليا. وأظهر ساراتك، في دراسة اعدها حول نسب المعلومات التي يوفرها الانترنت لمساعدة طلاب الدراسات العليا، أن 45 في المئة منها يمكن الوصول اليها بسهولة لحظة تشغيل محرك البحث، و 49 في حاجة الى مزيد من التفتيش والتنقيب والتدقيق. اما اذا اعتمد الطالب على اقصر الطرق واستسهل الغش واستهوته عملية «انسخ – لزق»، فلا يستغرق من الوقت اكثر من 4 في المئة من الوقت الذي يصرف بالطرق التقليدية، ليحفظ ما استنسخه في ذاكرة الكومبيوتر. وهذا يعني ان شبكة الويب، بما يحتويه من دوائر معارف ومكتبات الكترونية عالمية وكتب وابحاث ومجلات ومراجع ومصادر ووثائق، هي باب واسع للعلم وفي خدمة من يسعى إلى النجاح بعرق جبينه وكده وجهده ومثابرته. اما من يسعى اليه بطرق ملتوية وبالاحتيال والغش فانه في حال اكتشاف أمره، يعرض نفسه للتشهير ويعبث بحياته الجامعية ويغامر بمستقبله العلمي.

وأوردت دراسة ساراتك، أن أحد الطلاب الجامعيين وصف الوضع راهناً بالطريقة التالية: «لم يتضايق الاساتذة حين يحصل طالب مثلاً على علامة 15 من عشرين نتيجة «عمل» أنجزه على الانترنت سواء كان مشروعاً أم لا»؟

يعتبر المعنيون بالدراسات الجامعية أن هذا السؤال ذو دلالات خطيرة، وعلامة انذار تستدعي التدخل السريع. لذا قررت بعض الجامعات التصدي لظاهرة الغش الالكتروني بعد ان اكملت تجهيزاتها التقنية والتكنولوجية العالية واستعانت ببرامج خاصة للتدخل الفوري تعمل بواسطة محركات عملاقة للبحث تسمح في بضع دقائق بتحليل الوثائق وكشف معدلات الغش فيها، كما تضع خطاً أحمر تحت كل عملية مشبوهة. وتقدر تلك المحركات أيضاً على الاشارة إلى الموقع الذي سرقت المعلومات منه. وبذلك ينقلب السحر على الساحر، ويفتضح أمر الطلاب الذين سيُصار الى تبليغهم عبر تقرير تحليلي مفصل عما ارتكبوه من غش؛ إضافة إلى اتخاذ اجراءات تأديبية تتراوح عقوبتها بين اعادة كتابة الرسالة من جديد او تجميد عمل الطالب لفترة معينة أو عدم قبوله نهائياً.

علي حويلي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...