الفيروسات... ما تكون؟
تحيطنا الفيروسات منذ آلاف السنوات. جسم الإنسان متكيف مع بعضها، فيما تغزونا فيروسات أخرى كثيرة دون أن ندرك.كلمة «فيروس» لاتينية الأصل وتعني السم. وتُعدّ بعض الفيروسات ماكينات لصنع الموت كفيروس الرشح الإسباني الذي حصد مئات آلاف الأرواح إبان الحرب العالمية الأولى. تتميز الفيروسات التي تصيب الخلايا البشرية والحيوانية بأربع خصائص أساسية، فهي تملك نوعاً واحداً من الحمض النووي (dna أو rna)، ويستحيل وجود النوعين معاً داخل المحتوى الجيني لأي فيروس. ثانياً، تصنف هذه الكيانات المجهرية كطفيليات تعيش على حساب الخلايا التي تغزوها. ثالثاً، إنها غير قادرة على النمو والتكاثر اعتماداً على عدّتها الجينية أي حمضها النووي. رابعاً تمتاز بعض هذه الكيانات ببناء لولبي، وتتخذ أخرى شكل مكعبات، وتظهر بعض الفيروسات مزيجاً بين الشكلين. يتألف الفيروس من المحتوى الجيني، وقشرة سميكة عبارة عن بروتين تحمي المحتوى الجيني للفيروس، ومظروف يحيط معظم الفيروسات، وخصوصاً ذات البناء اللولبي، وهو عبارة عن غشاء يتفرع من غشاء النواة أو من الغشاء الذي يغلّف حشوة الخلية، ويبيّن الفحص المجهري وجود بروتينات على هذا الغشاء. وتصنف الفيروسات تبعاً لنوع حمضها النووي أو لشكل بنائها الهندسي.
حين يحتكّ الفيروس بالخلية الحية، تحدث تفاعلات كهربائية بين البروتينات التي تغلّف غشاء الفيروس والمستقبلات التي تظهر على غشاء الخلية، فيتمكن الفيروس من أن يعلق بالخلية. فيما تدخل الفيروسات التي لا تمتلك غشاءً إلى الخلية عبر ابتلاع الأخيرة هذه الفيروسات. بالنسبة إلى الفيروسات التي تمتلك غشاءً، فإن هذا الغشاء يتحوّل إلى جزء من غشاء الخلية، ما يمكّن القشرة البروتينية التي تغلّف المحتوى الجيني من الولوج مباشرة داخل حشوة الخلية. بعد عملية الدخول تتفسخ القشرة البروتينية، ويصل المحتوى الجيني للفيروس إلى نواة الخلية ليبدأ بتحويل إنتاجها لمصلحته. حين يدخل الحمض النووي الخاص بالفيروس إلى نواة الخلية (الموقع المناسب لتكاثره)، يبدأ بالتكاثر، ثم يُستخدم من الماكينة الإنتاجية للخلية كمصدر لإنتاج الحمض النووي، الرسول اللازم لإنتاج الأنزيمات اللازمة لتكاثر الفيروس، والبروتينات المكوّنة للقشرة البروتينية الخاصة بالفيروس وبعض مكونّات الغشاء الخارجي للفيروس. في حال الفيروس الذي يمتلك حمضاً نووياً من نوع (dna)، فهو يتكاثر في نواة الخلية التي يغزوها. أما الفيروس ذو الحمض النووي (rna) فهو يتكاثر خارج نواة الخلية.
بعد إنتاج المكوّنات البروتينية للفيروس، تتجمع البروتينات وتغلف الحمض النووي الخاص بالفيروس. وتحصل عملية إنتاج الفيروسات الجديدة في نواة الخلية الضحية أو في الحشوة، وتتكرر هذه العملية لإنتاج أعداد كبيرة من الفيروسات في الخلية الضحية. في حالة الفيروسات التي لا تمتلك غشاءً، فإن خروجها من الخلية يحصل بعد انفجار الأخيرة. أما الفيروسات التي تمتلك غشاءً فهي تتجه بعيد إنتاجها إلى الغشاء الذي يغلّف حشوة الخلية حيث يظهر الغشاء نتوءات إلى الخارج (البراعم الفيروسية)، وتتحرر وتخرج من الخلية التي تموت لاحقاً.
يمكن التقاط الفيروس عبر احتكاك مباشر معوياً أو تنفسياً، أو من خلال انتقال الفيروس من الأم إلى الجنين، أو انتقاله عبر لسعة بعوضة. وفي معظم الحالات نلتقطه عبر الاستنشاق أو الابتلاع، فيكون الغشاء المخاطي للبلعوم هو المنصة الأولى لتكاثر الفيروس. بعدها تنتقل الفيروسات إلى الجهاز الهضمي (في حال الفيروسات التي لا تمتلك غشاءً)، فيما تنتقل الفيروسات التي تمتلك غشاءً إلى الجهاز التنفسي. ويمثّل الجهازان الهضمي والتنفسي المنصتين الرئيسيتين لتكاثر معظم الفيروسات. لا تظهر الأدوية المستخدمة في مكافحة الفيروسات قيمة علاجية كبيرة، وهي تدمّر الفيروس والخلية الحية دون تمييز، أي إنها لا تملك صفة العلاجات المهدفة كما في حالة البكتيريا. يقوم بعض هذه العلاجات على إيقاف دخول الفيروس أو تعريته (تدمير القشرة البروتينية). وتعمد علاجات أخرى إلى إيقاف ترجمة الحمض النووي الرسول الخاص بالفيروس تمهيداً لإيقاف إنتاج البروتينات. فيما تحتوي أدوية أخرى شبيهات بالقواعد المكوّنة للحمض النووي، بحيث تدخل هذه المواد إلى الخلايا، وباستخدامها لا ينتج الفيروس الحمض النووي اللازم لإنتاج البروتينات اللازمة لتكوينه. الفيروسات التي تغزو البكتيريا تتكوّن من الحمض النووي والقشرة البروتينية (الرأس). العنق، الأسطوانة المغطاة بمادة قابلة للتمدد، وصفيحة تحمل شعيرات تسمى الأشواك. أما الفيروسات التي تمتلك حمضاً نووياً من نوع ( rna) فلا تمتلك ذنباً.
حين يدخل الفيروس إلى البكتيريا يحوّل ماكينتها الإنتاجية لمصلحته ويتكاثر داخلها إلى أن تنفجر وتموت، أو يلتصق محتواه الجيني بأحد الكروموسومات ويتكاثر معها، وتورثه البكتيريا هكذا إلى الأجيال اللاحقة منها.
هيثم خزعل
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد