القوميون في السويداء: أكثر من «عسكر»
من يرَ اليوم زوابع القوميين المعلقة فوق زنود المقاتلين على خطوط التماس، يلحظ «الرّدة» التي يبديها أبناء السويداء إلى حزب أنطون سعادة. قليلة هي القرى التي لم يبدأ القوميون فيها حركةً تنظيمية وعسكرية. في وقت تتفاعل فيه المحافظة مع التداعيات الخطيرة للأزمة السورية، وتشعر أكثر فأكثر بعمق الخطر الذي تشكّله الجماعات الإرهابية عليها خلف خطوط التماس من جهاتها الأربع. بالطبع، لم يتسلح أبناء المحافظة الهانئون منذ سنوات طويلة «على خاطرهم». فالسلاح هو آخر ما كان يفكر فيه المزارعون والموظفون ومشايخ الموحدين الدروز الذين ينبذون القتل والاعتداء بغير الدفاع عن النفس، لكنها الحرب!
لا يريد المشايخ تشكيل ميليشيا مذهبية تدافع عن المحافظة، وتصبح مع الوقت أمراً واقعاً وعامل تفجير جاهز في أي مشروع مستقبلي يهدف إلى تقسيم سوريا. كما لا يريدون ترك أبناء المحافظة يسعون إلى السلاح بمفردهم، وتعريضهم للاعتقال عند الأجهزة الأمنية التي تكافح حتى الآن تهريب السلاح وتوقف المتاجرين به. وهذه الإرادة يعبر عنها مشايخ العقل: يوسف جربوع، حمود الحناوي وحكمت الهجري بشكلٍ واضح في مجالسهم العامة والخاصة.
يدرك المشايخ، أيضاً، أن الدولة السورية وأجهزتها تعارض قيام الميليشيات التي تعزز التناحر المذهبي في البلاد. وبدل ذلك، لا تمانع في انضواء المقاتلين تحت ألوية حزبَي البعث والقومي وقوات الدفاع الوطني. المصلحة والرؤية مشتركة إذاً، «نحن نرتاح جداً لتولي القوميين هذه المهمة، هم حزب عقائدي ويعملون لوحدة سوريا، بالإضافة إلى أنهم لا يسرقون وينهبون» تقول مصادر دينية فاعلة مقربة من مشيخات العقل، ما يجعل عمل القوميين «على بركة» المؤسسة الدينية. وقد أحسن القوميون تلقّف الفرصة، ومنذ بداية العام الماضي، بدأوا بالانتشار وصد الهجومات بالتعاون والتنسيق مع الجيش والمجموعات العسكرية الأخرى، والعمل على تطويع مقاتلين جدد من القرى الساخنة في المحافظة، بالتزامن مع شروحات عقائدية للمقاتلين الجدد تكفل تحوّلهم إلى حزبيين، لا إلى مقاتلين فحسب. وتقول مصادر قيادية في الحزب: «نحرص على عدم تكرار أخطاء من الحرب اللبنانية، كإدخال عدد من المقاتلين إلى الحزب من دون تمكين عقائدي».
خطوط التماس
بقعة الانتشار العسكرية لمقاتلي القومي تتوسّع بشكل مطّرد، مع ازدياد تركيز القيادة العسكرية على محافظة السويداء، وتدريب المجموعات ومدّها بالسلاح. ويمكن القول إن محافظة السويداء تعيش خطوط تماسٍ من جهات أربع، تجعل العمل فيها صعباً وشاقاً.
وتشكل قرى: الرشيدة، رامي، العجيلات، أم رواق، الكسيب، طربى، عراجي، الرضيمة الشرقية، الخط الشرقي المطلّ على خطّ تهريب السلاح والأفراد في البادية للمجموعات المسلحة في «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» من الأردن إلى العتيبة وحتيتة التركمان في ريف دمشق، بالإضافة إلى قريتي بارك والحقف المفتوحتين على منطقة الأصفر في البادية وخط التهريب. الخط الغربي، وهو امتداد لطريق السويداء ـــ دمشق، وطريق مطار خلخلة، يشكل منطقة الاشتباك المباشر مع منطقة اللجى وقرى بصرى الحرير وناحتة والغرية الشرقية الملتهبة في درعا، ويتشكل من قرى: حران، الدويرة، تعارة، الدور، سميع وصنّة الهنيدات (نسبة لآل هنيدات)، وهو الخط الدفاعي الأول عن السويداء. أمّا الخط الجنوبي، أو «خط القبلة» فتشكله قرى: كناكر، عرى، المجيمر، برد، بكا، ذيبين والغارية، وهو خط متوتر جداً، لمتاخمته قرى درعا وتبعد بعض قراه كذيبين والغارية أمتاراً عن الحدود الأردنية. وفي الجنوب الشرقي، خط مدينة صلخد، وهو خط مهم أيضاً وتشكله قرى: ملح، الهويا والعناك، وهي محاذية أيضاً للأردن وتطلّ على البادية.
انتشار القوميين
وينتشر مقاتلو القومي على خطّي التماس الشرقي والجنوبي. وهم يجهزون قوّة عسكرية «للدخول على الخطّ الغربي في الأسابيع المقبلة»، على ما تؤكد مصادرهم العسكرية. وبدأوا بتشكيل نواة مقاتلين على خط صلخد. وتقول المصادر إن «التعاون يتمّ مع باقي الفصائل بسلاسة، مع بعض التحفّظات التي تبديها مجموعات الشيخ نزيه جربوع».
وإضافة إلى حماية القرى ومدينة السويداء وخلفيّة مدينة بصرى الشام التي ينتشر فيها الجيش من أي خطر تحاول المجموعات المسلحة تشكيله، يُعدّ تمتين الخطّ الشرقي بالنسبة إلى العسكريين (الخط المحاذي لخط التهريب من الأردن إلى ريف دمشق) أمراً فائق الأهمية، لتعزيز القوة الذاتية لقرى الخط الشرقي؛ ومنها الرضيمة الشرقية. ولا تنكر المصادر المقرّبة من مشيخات العقل رغبتها في «تعميم تجربة قرى المواجهة الجنوبية والشرقية على مختلف قرى المحافظة». كما لا تنكر تخوّفها من «مخططات المجموعات الإرهابية للهجوم على محافظة السويداء، ومن عمليات الخطف والقتل العشوائية التي يتعرض لها أبناء جبل العرب»، وبالتالي، «نعوّل كثيراً على هذا الدور في مساندة الجيش للدفاع عن القرى».
السويداء ولبنان
قبل أسبوع، زار السويداء وفدٌ مركزيٌ من قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي، ضم أعضاء من قيادة الحزب في دمشق، ومسؤولي حاصبيا وراشيا وعاليه، وجال فيها على مشيخات العقل والمسؤولين الرسميين وفعاليات في المحافظة، والتقى وفوداً شعبية في القرى، وتفقد مواقع الحزب العسكرية على خطوط التماس. رئيس الوفد (نائب رئيس الحزب) توفيق مهنا، كرّر المواقف الداعمة للجيش السوري والرئيس الأسد، والمضيفون في القرى استقبلوا زوارهم بالأهازيج و«الجوفيات» الشعبية عن بطولات السوريين في الثورة السورية الكبرى، وقائدها سلطان الأطرش. وكان واضحاً أنّ زيارة الوفد استثمارٌ شعبي لتحول الحزب القومي إلى إحدى أبرز القوى العسكرية الموالية للجيش السوري في المحافظة، إلى جانب قوات الدفاع الوطني وكتائب البعث ومقاتلي جمعية البستان، ومقاتلين تحت قيادة نزيه جربوع ولجان شعبية من المدنيين والمشايخ. ومن المنتظر أن يزور وفد من القومي مشايخ الموحدين الدروز في لبنان، وقرى راشيا وحاصبيا وعاليه والشوف لنقل صورة الوضع في السويداء.
فراس الشوفي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد