المجموعات المسلحة في العراق: أنماطها انتماءاتها وظائفها ونطاق عملها

22-09-2006

المجموعات المسلحة في العراق: أنماطها انتماءاتها وظائفها ونطاق عملها

الجمل:  بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف على غزو العراق، مازال التحدي متزايداً في مواجهة قوات الاحتلال الأمريكية وحلفائها، وأصبح واضحاً تماماً أن كل نظريات مكافحة التمرد وحرب العصابات، التي أنتجتها أو أعادت إنتاجها مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية والعسكرية التابعة للجيش الأمريكي وأجهزة المخابرات الأمريكية والمؤسسات العسكرية والاستخبارية الحليفة لأمريكا، قد فشلت في صياغة أطروحة نظرية يمكن الاعتماد عليها ميدانياً بوساطة القوات الأمريكية من أجل القضاء أو على الأقل الحد من تزايد وفعالية المقاومة العراقية.
في هذا الصدد يشير أحد تقارير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤكداً أن ظاهرة التمرد والعصيان والعنف العراقي، قد أصبحت أكثر انتعاشاً، بدليل تزايد معدلات نشاطها وأداءها السلوكي.
يصنف الأدب العسكري الأمريكي والغربي الحروب وفقاً لطبيعتها النوعية والعملياتية، إلى:
- عمليات عسكرية مرتفعة الشدة، تتضمن (حروب تقليدية)، كما في حالة الحرب العالمية الأولى، و(حروب غير تقليدية) مثل تلك التي تستخدم فيها الأسلحة النووية.
- عمليات منخفضة الشدة، تتضمن (حروباً تقليدية) محدودة كما في حالة الحرب بين أرتيريا وأثيوبيا، و(حروب غير تقليدية) وتتمثل في حرب العصابات التي تدور في المدن والأحراش والمناطق الجبلية الوعرة.
العمليات العسكرية الحربية الدائرة حالياً في العراق، هي من النوع غير التقليدي المنخفض الشدة، والاستغراق في العمليات العسكرية من هذا النوع لفترة طويلة يؤدي إلى إغراق الجيوش النظامية في بحر الرمال المتحركة، على النحو الذي يمكن أن يؤدي إلى الغرق في مستنقع النزاع.
تنقسم الحركات والميليشيات العراقية المسلحة جهوياً إلى ثلاث مجموعات:
- مجموعة القوى المسلحة بجنوب العراق: توجد في هذه المنطقة عدة حركات مسلحة، أبرزها: جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وفيلق بدر التابع لعبد العزيز الحكيم، وتتميز هاتان الحركات بالمذهبية الإسلامية الشيعية.
- مجموعة القوى المسلحة في شمال العراق: توجد في هذه المنطقة الميليشيات الكردية، وأبرزها قوات الاتحاد الوطني الكردستاني التابعة لجلال طالباني، وقوات الحزب الديمقراطي الكردستاني التابعة للبرزاني، إضافة إلى قوات حزب العمال الكردستاني، التركي، المتمركزة في شمال العراق، وأيضاً بعض الميليشيات التابعة لأكراد إيران.
- مجموعة القوى المسلحة في وسط العراق: وحالياً تمثل هذه المنطقة الأبرز أهمية على أساس اعتبارات انتعاش الأنشطة المسلحة فيها، ويوجد فيها عدد كبير من القوى المسلحة المتميزة بالمذهبية الإسلامية السنيّة، ومن أبرزها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين.
شمال العراق حالياً أكثر هدوءاً بسبب التعاون والتحالف الكامل بين الحركات الكردية مع الإسرائيليين والأمريكيين، ودورهم الإيجابي في تعزيز وتوطيد سلطة الاحتلال الأمريكي على المنطقة.. والمقاومة تتركز حالياً في وسط العراق حيث تتواجد القوات الأمريكية، وبدرجة أقل في جنوب العراق حيث تتواجد القوت البريطانية.
على خلفية الواقع الوصفي الميداني، يمكن إجراء التحليل الآتي لشبكات المقاومة المسلحة العراقية، وذلك على أساس اعتبارات الطبيعة النوعية، التي يعكسها الأداء لهذه الشبكات، وذلك للإجابة على أبرز التساؤلات حول كيفية عمل هذه الشبكات، وكيف تسير الأمور في داخلها، وبماذا تتميز حياتها الداخلية.. وذلك على ضوء المعايير المشتركة والخصائص النوعية العامة الآتية:
• النمط: بعض الشبكات تتميز باللامركزية، بحيث تعمل الخلايا والمجموعات باستقلال وانفتاح في مناطق تمركزها، كذلك تكون أكثر استقلالية في تخطيط وتمويل وتنفيذ عملياتها وتجنيد عناصرها، وبالمقابل نجد شبكات أخرى تلتزم بالنظام الهرمي الصارم المتشدد والذي يقوم على أساس اعتبارات وحدة التوجيه والقيادة والسيطرة في كل ما يتعلق بالأداء وتنفيذ المهام العملياتية والتخطيط والتمويل.. وحالياً تعتبر الشبكات التي تطبق اللامركزية أكثر خطورة وكفاءة وذلك بسبب حرية وسهولة وسرعة الحركة وبساطة عملية صنع واتخاذ القرار.
• الانتماء: توجد بعض الشبكات تركز في انتمائها على رابطة القرابة، ضمن النظام العائلي، العشائري، القبلي، إضافة إلى الاعتدال في توجهاتها الدينية، والغايات والأهداف.. ومن هنا نجد أن روابط القرابة توفر لهذه الشبكات الحماية والتمويل والدعم النفسي والمكانة كذلك توجد بعض الشبكات التي لا تركز على روابط القرابة، وثمة مثال لذلك في الشبكات التي تستخدم المتطوعين من غير العراقيين، أو العراقيين الذين ينتمون إلى مناطق أخرى، وهذا النوع من الشبكات يتبنى على الأغلب برنامجاً شاملاً في المواجهة ضد أمريكا وحلفاءها.
على أساس اعتبارات الكفاءة، يمكن القول: إن الشبكات التي تستند على روابط القرابة ما تزال حتى الآن الأكثر كفاءة في المواجهة، ومن أبرز الأمثلة على ذلك شبكات منطقة الرمادي والفلوجة وبعقوبة، إضافة إلى أنها الأكثر خطورة حتى الآن.. أما الشبكات التي لا تعتمد على الروابط الاجتماعية القرابية أو الدينية، فهي حالياً أقل خطورة بسبب عدم تكيفها مع البيئة الاجتماعية المحلية التي تعمل ضمنها، ولكن من الممكن أن يكون خطرها هائلاً إذا استطاعت ا لتكيف والتلاؤم في الفترة القادمة.
• العضوية: بعض الشبكات تستمد عضويتها من علاقات القرابة التي تسندها، وعادة ما يكون نطاق النشاط العملياتي لهذه الشبكات في وسط السكان المحليين الذين تنتمي إليهم، وعلى الأغلب أن يكون المشرفون على هذه الشبكات من العسكريين السابقين الذين عادوا إلى مواطنهم المحلية بعد تسريح الجيش العراقي الوطني وأجهزة الأمن العراقية السابقة.. وتلعب أواصر القرابة والولاء المحلي دوراً كبيراً في مصداقية عملية التجنيد، وذلك على أساس اعتبارات قاعدة (أنا وابن عمي على الغريب).. وهناك أيضاً شبكات تضم اعداداً كبيرة متنوعة الأصول الاجتماعية وتغطي انتماءاتها مختلف المناطق العراقية، وعادة ما يكون التوجه الوطني والقومي والديني العام هو الأساس العقائدي الذي يجمع بين أطرافها وعناصرها.. بحيث يتم تجنيد أعضائها وعناصرها على أساس وطني عراقي، لا يتقيد بالانتماءات القرابية أو الجهوية المحلية.. وبالنسبة لاعتبارات الكفاءة والخطورة نجد أن الشبكات المحلية حالياً أكثر كفاءة بسبب تماسك عضويتها، وصعوبة اختراقها بوساطة الأطراف الأخرى، ولكن إذا استطاعت الشبكات الكبيرة التي تعتمد على شمول الوطنية العراقية، أو الأيديولوجية، فإنها سوف تصبح أ كثر خطراً وذلك لأن نشاطها العسكري العملياتي يستطيع تغطية كل العراق.
• الوظيفة: هناك شبكات تعمل بطريقة الشمول الوظيفي، بحيث تقوم المجموعة بالتخطيط والتمويل والتنفيذ في كل ما يتعلق بنشاطها العملياتي، وهناك شبكات تعمل بشكل تكاملي، بحيث تقوم كل مجموعة بعمل محدد، كأن تقوم مجموعة بالتخطيط، وأخرى بالتمويل، وأخرى بالتنفيذ.. وغير ذلك.. ونلاحظ أن المجموعة التي تقوم بكل الوظائف تكون أقل عرضة للانكشاف وذلك لأنها تشكل نواة متكاملة، وبالتالي فهي الأكثر خطورة في الوقت الحالي.. أما الشبكات التي تعمل وفق نظام التخصص، فمن الممكن أن يكون خطرها أكبر، إذا استطاعت أن تحقق التماسك وتتفادى خطر الانكشاف.
• النطاق: الشبكات التي تقوم بنطاق كبير من  الوظائف، تستطيع أن تحول نقاط تركيزها في كل المراحل، وبالتالي كلما تغيرت معطيات البيئة العراقية، تكون قادرة على تغيير نقاط ومجالات تركيزها العملياتي، الأمر الذي يجعلها قادرة على الاستجابة للتغيرات في كل مكان وزمان، أي تستطيع التعامل مع مختلف الأهداف في كل زمان ومكان.. أما الشبكات التي تعمل ضمن نطاق محلي ضيق جغرافياً أو قبلياً عشائرياً محدوداً، أو مذهبياً دينياً، فإنها لا تستطيع تغطية كل البيئة الوطنية العراقية، وبالتالي لا تستطيع الاستجابة العملياتية لكل الأهداف، لأنها تكون مقيدة حصراً بما تفرضه عليها البيئة المحلية، وبالتالي يمكن القول: إن الشبكات المتعددة الوظائف والواسعة ا لنطاق، تكون أكثر فعالية في الاستفادة من المزايا والفرص المتجددة في مختلف جوانب ومناطق البيئة الوطنية العراقية، أما الشبكات المحدودة النطاق فإن فرصتها تنحصر فقط في استغلال مزايا وفرص بيئتها المحلية.
• القدرة الذاتية: الشبكات تتمتع بالمعرفة المجتمعية، والعملياتية، والمهارات والإمكانيات والقيادة الفاعلة تكون أكثر مصداقية في تنفيذ عملياتها، أما الشبكات التي تملك المعرفة الجزئية بالمجتمع، وتعاني من نقص المهارات والإمكانيات وضعف القيادة، ومن ثم تلجأ إلى استكمال جوانب القصور الذاتي عن طريق الاستعانة بالأطراف الأخرى، تكون أقل مصداقية وفاعلية في أدائها العملياتي.
وأخيراً نقول: أزمة الجيش الأمريكي وحلفاءه من جراء محاولة الوقوف على الرمال العراقية المتحركة، تحولت إلى أزمة معرفية ابستمولوجية في مراكز الدراسات والبحوث الأمريكية والغربية، خاصة المهتمة تحليل الصراعات والنزاعات، وحتى الآن كل الأطروحات والسمنارات وأوراق العمل الاستراتيجية التي تم نشرها في معهد الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدم، ومؤسسة كارينجي، ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لم تنجح في حل إشكالية مدى جدوى ومدى فعالية العقيدة العسكرية والقتالية الامريكية في مواجهة التمرد العراقي، وذلك من أجل إخراج القوات الأمريكية من مواجهة أمرين أحلاهما مرّ، فالخيار الأول يقول: إن الانسحاب من العراق تحت هذه الضغوط معناه الهزيمة، والهزيمة معناها خسارة الحزب الجمهوري للسلطة في أمريكا، أما الثاني فهو خيار الاستمرار في مواجهة الوضع الراهن، والذي سوف يؤدي حسب المعطيات الحالية إلى السقوط والغرق في مستنقع النزاع العراقي بشكل سوف تترتب عليه زيادة الخسائر المالية والبشرية والمعنوية بشكل يؤدي أيضاً إلى انفجار المعارضة الداخلية في أمريكا، وبالتالي يفقد الحزب الجمهوري السلطة أيضاً.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...