المشهد الصحفي في مصر بين الحبس والانقسام والانتخابات
“أحكام قضائية بالحبس، وانقسامات في الوسط الصحافي، وانتخابات تطرق الأبواب”.. ثلاث عناوين ساخنة لمشهد واحد، هو المشهد الصحافي في مصر، وهي عناوين تلخص حال ذلك المشهد، فأحكام الحبس بحق الصحافيين توالت في الأيام الأخيرة حتى وصل عدد ضحاياها المرتقبون الى 10 صحافيين نصفهم من رؤساء التحرير، وينتمي جميعهم لصحف خاصة وحزبية استنفرت هذه الأحكام الصحافيين، خصوصاً المنتمين للصحف الحزبية والخاصة، فتداعى رؤساء تحرير هذه الصحف إلى اجتماع طارئ قرروا فيه حجب صحفهم عن الصدور اليومي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وحجب الأسبوعي منها في الأيام التالية.
ولم يتوقف الاستنفار عند الصحافيين وحدهم، فقد أعلنت أحزاب معارضة رفضها لاستمرار العمل بنصوص قانونية تقضي بحبس الصحافيين في قضايا النشر، وأعلنت قيادات في منظمات حقوق الإنسان تشكيل هيئة دفاع موحدة عن الصحافيين في الدعاوى القضائية التي ترفع ضدهم في منازعات تتعلق بالنشر، وعقد اتحاد النقابات المهنية اجتماعا أعلن فيه تأييد وتضامن أعضاء النقابات المهنية الأخرى مع الصحافيين، في مواجهة ما اتفق على وصفه بالحملة الحكومية الشرسة ضد الحريات الصحافية، وفيما دعا اتحاد الكتاب إلى تشكيل جبهة موحدة من نقابات الرأي للدفاع عن حرية الصحافة، نظمت الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية” وعدد من أحزاب وقوى سياسية مظاهرة حاشدة أمام نقابة الصحافيين للإعلان عن رفض حبس الصحافيين.
ورأت نقابة الصحافيين في توالي صدور أحكام بحبس صحافيين، ووسط حملة تحريض واسعة، ما يؤكد ما ذهبت إلى وصفه عقب صدور أول هذه الأحكام بحبس أربعة رؤساء تحرير جملة واحدة بأنه “إعلان للحرب” على حرية الصحافة والتعبير، وعلى الهامش المتاح لحرية الصحافة الذي يعتبره الجميع أهم إنجاز للمجتمع ينبغي الحفاظ عليه، ورأت النقابة في صدور هذه الأحكام ما يؤكد التمسك بمطلبها بإلغاء ترسانة القوانين التي تحتوي على مواد عديدة تجيز الحبس في قضايا النشر، وتهدف إلى ترويع الصحافيين وقصف الأقلام.
ومع الإجماع الحقوقي على إدانة الحملة الحكومية على الصحافيين، اجتهدت المنظمات الحقوقية بشأن دوافع تصاعد هذه الحملة، وقالت مؤسسة عالم واحد لتنمية المجتمع المدني: إن “الأمر يثير المخاوف بشأن سعي حكومي لإلهاء الرأي العام والقوى السياسية عما سيتم مناقشته في الدورة البرلمانية المقبلة، خصوصاً مشروع قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الجمعيات الأهلية”، فيما رأت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أن في توالي صدور هذه الأحكام ما يثير التساؤل حول “ما إذا كان ضمن أجهزة الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم) جهاز خاص بملاحقة الصحافيين المستقلين أو المعارضين”.
لا تبتعد الزاوية الأخرى من المشهد الصحافي المصري كثيرا عن الزاوية الأولى وربما تأتي نتاجاً لها، حيث تشهد الساحة الصحافية تلاسنا بين كتاب الصحف الحكومية وزملائهم في الصحف الخاصة والحزبية، بسبب ما تراه الأخيرة دفاعا مستميتا من الصحف الحكومية عن الحزب الوطني الحاكم وممارساته التي كان أحد نتائجها رفع منتمين للحزب الوطني الدعاوى القضائية التي أدت إلى صدور أحكام الحبس بحق الصحافيين.
وفيما يرى كتاب الصحف الخاصة والحزبية أن الصحف الحكومية “تتطرف” في الدفاع عن السياسات الحكومية والحزب الحاكم ورموزه ترى الصحف الحكومية أن الصحف الخاصة والحزبية “تتجاوز” كثيرا عندما تتناول تقييم أداء النظام السياسي المصري أو أخباره بدليل تناولها للشائعات المتعلقة بالحالة الصحية للرئيس حسني مبارك، وهي التي يواجه رئيس تحرير جريدة الدستور الخاصة إبراهيم عيسي اتهاما بترويجها ونشرها، حتى إن مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة “المصور” الحكومية كتب يقول إن بعضا من أهلنا يقصد الصحافيين استغل مساحة الحرية ولم يتعامل لا بضميره المهني ولا بحسه الوطني، وأدخلنا في نفق مظلم.
دفعت هذه الانقسامات التي تهدد وحدة الصف الصحافي كتاباً وصحافيين كثيرين إلى تكريس الجهود لمواجهة الانقسامات أولا، وقبل خوض معركة مواجهة أحكام الحبس، حتى إن رئيس تحرير جريدة “الوفد” المعارضة أنور الهواري وأحد الذين يواجهون حكما بالحبس في قضية قذف وسب وزير العدل يرى أن الأولوية يجب أن تكون لرأب الصدع الصحافي، والعمل على خوض معركة الدفاع عن حرية الصحافة والصحافيين بصف موحد بدلا من خلق عدة معارك على جبهات مختلفة.
وقال رئيس تحرير جريدة “الأسبوع” الخاصة مصطفى بكري في بيان له “إن استمرار تبادل الاتهامات والتراشق بالكلمات والدعوة للاجتماعات والاجتماعات المضادة إنما يشكلان تجاوزا لما توصلت إليه الجماعة الصحافية من أساليب لمواجهة أزمة حبس الصحافيين عبر لجنة إدارة الأزمة التي يترأسها نقيب الصحافيين جلال عارف”، وأشار إلى ضرورة الكف عن لغة التصعيد المتبادل والتي من شأنها أن تلقي بتداعياتها السلبية على كل أبناء المهنة.
وتتماس الزاوية الثالثة من المشهد الصحافي المصري بشكل أو بآخر مع بقية زوايا المشهد، وفي كل الأحوال لا تنفصل عنها، وينشغل بها قطاع عريض من الجماعة الصحافية، وهي تتعلق بالانتخابات المزمع فتح باب الترشيح لها في 17 الشهر المقبل، لاختيار نقيب ومجلس جديد لإدارة النقابة، وينطلق الجدل حول المرشحين لموقع النقيب من “تكهنات” لم تصل بعد لمرحلة الحقائق سوى مع الإعلان الصريح الى النقيب السابق ورئيس تحرير مجلة المصور السابق مكرم محمد أحمد خوض الانتخابات على منصب النقيب.
ولأن الجماعة الصحافية اعتادت وجود مرشح مدعوم حكوميا في كل انتخابات، فإن مكرم لا يزال المرشح الوحيد لنيل هذه الصفة على الرغم مما يتردد عن رغبة شديدة لدى رئيس مجلس إدارة مؤسسة “الأهرام” مرسي عطالله في الترشح لمنصب النقيب، توازي ذلك تكهنات عن رغبة لدى النقيب السابق والرئيس السابق لمجلس إدارة الأهرام إبراهيم نافع في العودة لموقع النقيب، والثلاثة حتى الآن يواجهون بتحفظات واسعة، فمكرم فتح على نفسه باب التحفظات، حين كتب مؤخرا يدافع عن وزير الزراعة السابق يوسف والي، ويحاول أن يدحض عنه اتهامات بإدخال مبيدات مسرطنة لمصر، وهي تحفظات تصل إلى مرحلة الرفض له في موقف آخر يتعلق بموقفه من التطبيع مع “إسرائيل”، حيث تتمسك الجماعة الصحافية المصرية في مقررات جمعياتها العمومية المتوالية برفض التطبيع، فيما يواجه نافع تساؤلات عن تجاوزات مالية وإدارية ضخمة جرت في عهد رئاسته ل”الأهرام” وهي تجاوزات تناولتها بلاغات ضده بشأنها ما زالت قيد التحقيق، أما عطاالله فإن أبسط التحفظات المثارة بشأنه تتعلق بعدم خوضه أي عمل نقابي، على الرغم من أن بينه وبين ترك منصبه الصحافي محالا إلى المعاش شهواًر.
ويبقى أن قطاعا كبيرا من الصحافيين يسعى إلى إنهاء ما يسميه ب”الصراع السبعيني” على منصب النقيب، وتكرار تجربة “النقيب المستقل” التي خاضتها الجماعة الصحافية مع النقيب الحالي جلال عارف طوال السنوات الأربع الماضية، وفي هذا الشأن، تجري المشاورات والمفاوضات في محاولة لإقناع أحد النقابيين من جيل الوسط لخوض المنافسة على منصب النقيب.
محي الدين سعيد
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد