انطلاق الحوار الوطني للانتقال بسورية الى «ديموقراطية تعددية» بدستور جديد
شكل اللقاء التشاوري، الذي انطلق أمس بحضور 180 شخصية، جبهوية وبعثية ومستقلة ومعارضة وشبابية، نقطة انطلاق تستكمل بعقد مؤتمر وطني شامل يعلن انتقال سورية الى «دولة تعددية ديموقراطية»، وسط مطالب بعدم الاكتفاء بـ «تعديل» بعض مواد الدستور السوري، بل «تغييره بالكامل». وقال نائب الرئيس فاروق الشرع في افتتاح «التشاوري» أمس الذي ما كان أن يعقد «لولا التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري من دم أبنائه، مدنيين وعسكريين»، مؤكداً أن لا بديل من الحوار حالياً سوى «النزيف الدموي».
ومقابل إجماع المتحدثين على رفض «الاستقواء بالأجنبي أو تدخله»، تراوحت كلماتهم، في جلسة الافتتاح في فندق «صحارى» قرب دمشق صباح أمس، بين التحذير من «مؤامرة خارجية قديمة - جديدة» والدعوة الى توافر «الظروف المناسبة» للحوار الوطني مثل إيقاف العنف وما يسمى «الحل الأمني» وصولاً الى ضرورة إيجاد «آليات» لتمثيل حراك الشارع مع الأمل بحضور المعارضين، الذي غابوا أمس، المؤتمر الوطني الشامل.
وافتتح «التشاوري» بدقيقة صمت على أرواح الشهداء وعزف النشيد الوطني، قبل أن يعلن عضو «هيئة الحوار الوطني» منير الحمش افتتاح أعماله بحضور أعضاء «الهيئة» التسعة بينهم عضوا القيادة القطرية لـ «البعث» الدكتور هييم سطايحي وياسر حورية. كما حضرت الجلسة المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان.
وقال الشرع في خطابه إن يوم أمس «بداية حوار وطني وهو ليس كغيره من الأيام لأننا نأمل منه أن يفضي في نهاية المطاف إلى مؤتمر شامل يعلن فيه انتقال سورية إلى دولة تعددية ديموقراطية يحظى فيها جميع المواطنين بالمساواة ويشاركون في صياغة مستقبل بلدهم»، مذكراً الحاضرين والذين تابعوا أعمال الجلسة على أثير التلفزيون السوري المباشر أن الحوار «لا ينطلق في أجواء مريحة سواء كان ذلك في الداخل أو الخارج أجواء يكتنفها الكثير من الشك والريبة وتخفي في أعماقها قدراً لا يستهان به من الرفض والقلق في أكثر من مكان. فالتحول في مسار القوانين والانتقال من وضع إلى آخر لا يمكن أن يمر بيسر وسلاسة من دون عقبات طبيعية كانت أو مفتعلة والخطط المضادة لدى الآخرين سواء كانت معدة مسبقاً أو تمت فبركتها في عجالة، إنما استندت في معظمها إلى كم كبير من الأخطاء والنفايات التي كنا نرميها تحت سجادنا دونما تفكير عميق في قادم الأيام».
وتابع إن الحوار «ليس منة من أحد على أحد ولا يمكن اعتباره تنازلاً من الحكومة للشعب بل هو واجب على كل مواطن عندما ننطلق من الإيمان الراسخ بأن الشعب هو مصدر السلطات كباقي الدول المتقدمة»، لافتاً الى أن «معاقبة أشخاص يحملون رأياً فكرياً أو سياسياً مختلفاً بمنعهم من السفر أو العودة إلى الوطن ستقودهم إلى التماس الأمن والحماية من المجتمعات الأخرى»، قبل أن يعلن صدور قرار من القيادة يفضي بعدم وضع عقبات غير قانونية في وجه سفر أو عودة أي مواطن سوري إلى وطنه متى شاء، وان وزير الداخلية محمد الشعار أبلغ تنفيذ ذلك خلال أسبوع.
وأضاف نائب الرئيس السوري إن الحوار «لا بديل عنه في الوضع الراهن غير النزيف الدموي والاقتصادي والتدمير الذاتي. أما فكرة اللاحوار فلا أفق سياسياً لها ولا أظن أن هذه الفكرة ستكون مطلباً شعبياً في أي ظرف كان فكيف بظروف بلدنا ومنطقتنا في هذه الأيام». وزاد: «وطننا غال علينا جميعاً هو الآن على محك في هذه الظروف التي يجب أن نستعيد فيها الشجاعة والحكمة آملين وواثقين بإيفاء الرئيس بشار الأسد بما وعد به»، لافتاً الى أنه «لولا التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري من دم أبنائه مدنيين وعسكريين في أكثر من مدينة وبلدة، لما كان لمثل هذا اللقاء أن يعقد بمتابعة رسمية وحزبية على أعلى المستويات تحت عدسات المصورين».
وأضاف إن «مجتمعنا لن يستطيع بغير النظام السياسي التعددي الديموقراطي، الذي سينبثق من هذا الحوار أن يصل إلى الحرية والسلم الأهلي اللذين يرغب بهما كل مواطنيه في أرجائه كافة. وإذا نجح الشعب السوري في التحرك الديموقراطي سلمياً وبالتعاون بين جميع أطيافه ومن دون أي تدخل أجنبي فهو سيكون قد نجح في كسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها جدل محتدم بين الحل السياسي للأزمة والحل الأمني ونجح في أن يعزل عن بيئته من لا يهمهم مستقبل هذا الوطن أو التغيير تحت سقفه أياً كان هذا التغيير من دون أن يدركوا أن هذا يخدم مصلحة أعداء سورية في تقسيم الوطن»، لافتاً الى أن «مختلف مراحل التاريخ أثبتت أن استعانة العرب بالأجنبي واستقوائهم به لم تجلب لهم الحرية المنشودة وإنما المزيد من فقدان الأمن والأرض».
بعدها، فتح رئيس الجلسة المجال لمداخلات، كان أولها كلمة للمفكر المعارض طيب تيزيني الذي شدد على وجوب «تحريم الرصاص»، متمنياً أن يتوقف العنف. وزاد إن التأسيس لمجتمع سياسي يتطلب تحسين الدور الأمني وإطلاق السجناء وأداء الإعلام السوري. كما اقترح نقطتين لإنجاح الحوار الوطني: أولاً، أن تكون لجنة الحوار من ثمار حوار وطني ديموقراطي وألا تأتي عبئاً على الحوار. ثانياً، برنامج العمل يجب أن يكون مثالاً يحتذى، قبل أن ينتقد طريقة عقد «التشاوري» أمس بحيث أنه جاء «امتداداً لسلطة تريد أن تبقى مهيمنة في القرار».
وافق النائب محمد حبش على ضرورة «تحريم الرصاص» وضرورة الانتقال الى دولة مدنية وانتهاء الحزب الواحد، مطالباً بتعديل الدستور السوري وخصوصاً المادة الثامنة التي تنص على أن «البعث» القائد في المجتمع والدولة، إضافة الى تشكيل هيئة لحقوق الإنسان ووقف تدخل الأمن في حياة المواطنين والتعامل مع التظاهرات بالأساليب الديموقراطية المعروفة. وشدد على «رفض أي شكل من أشكال الاستعانة بالخارج والعقوبات» وعلى ضرورة الدعوة لمؤتمر حوار وطني شامل برئاسة رئيس الجمهورية «لا يستثنى أحد من الدعوة في الداخل والخارج» و «الحفاظ على الشرعية الدستورية ومتابعة الإصلاحات مع الرئيس بشار الأسد».
وفيما قال أنيس كنجو إن المعارضين «سيلتحقون بركب الحوار، عندما يرون أن الشروط قد تحققت» ونوه بدور الجيش الوطني مع دعوته المعارضة الى «ترجيح لمنطق التغيير الذي يمثله الرئيس الأسد في مقابل من لا يتحمس للتغيير»، وضع الأب الياس زحلاوي ما يجري باعتباره «جزءاً من حملة استعمارية قديمة»، قبل أن يطالب بمحاربة الفساد. وقال: «أي حوار يعني الاعتراف الكامل بشخصية الآخر والاعتراف العملي بكامل حقوقه وواجباته أمام القانون»، مشدداً على «وضع حد نهائي للاعتقالات التعسفية وإطلاق المعتقلين الحاليين» وليس إلغاء المادة الثامنة، بل بـ «تغيير الدستور بكامله يأتي منسجماً مع دولة حديثة»، وتسمية مجلس الشعب بـ «مجلس النواب ينتخب رئيس الجمهورية تكون ولايته لمدة أربع سنوات قابلة للتمديد مرة واحدة فقط».
واستذكر الكاتب حسن م يوسف في مداخلته الافتتاحية عبارة الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس بـ «الجوع الى الحوار»، قبل أن يقول: «ونوس قال إننا محكومون بالأمل، ونحن الآن محكومون بالحوار». وبدأ رئيس المبادرة الوطنية لأكراد سورية عمر أوسي كلمته بعبارة صباح الخير باللغة الكردية، قائلاً إن سورية «تتعرض لمؤامرة خارجية». وبعدما نوه بخطوات الحكومة الأخيرة تجاه أكراد سورية، دعا الى «حق التمثيل السياسي في الحكومة والبرلمان والمؤسسات الوطنية. بقدر اعتزازنا بكرديتنا، نحن فخورون بسوريتنا. نحن سوريون أولاً».
وبعد تأسيسه «الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير» مع الدكتور قدري جميل مساء أول أمس، قال علي حيدر ممثلاً جناحاً في «الحزب السوري القومي الاجتماعي» إن الحاضرين لا يريدون «حواراً ترقيعياً، بل حواراً جوهرياً»، داعياً الى وضع سورية على «خط التغيير الى الدولة الدستورية». وقال إن «لا أحد يدعي تمثيل الحراك»، مشدداً على ضرورة «إيجاد آليات لتمثيل هؤلاء وتطلعات. عندها تستقيم الدعوة لحوار وطني على قاعدة ندية». ورأى جميل أنه «إذا بقيت الحلول ترقيعية ومتأخرة، فإن الأزمة ستتفاقم»، مع التأكيد على أن «العوامل الأساسية للأزمة، هي داخلية». وزاد: «الحركة الشعبية تفرز قيادات جديدة تفرز شخصيات جديدة وبنى جديدة يجب احترامها».
وندد عبد الكريم الناعم بـ «التدخلات الخارجية آخرها زيارة السفير الأميركي روبرت فورد ولقاءاته بأعداد من مثيري الفتنة» في حماة، مع تنويه بدور معظم أهالي حماة الوطني، في حين قال محمد الخطيب باسم الشباب الى أن «الوطن ينزف»، مطالباً بسماع صوت الشبيبة. وقدم الفنان عباس النوري ورقة عمل باسم مجموعة من المثقفين بينهم نبيل صالح، داعياً الى «فك عقد الارتباط» عن «الجبهة الوطنية التقدمية» (التي تضمم الأحزاب المرخصة) لإنتاج واقع سياسي جديد». وقال إن «الإصلاح يبدأ من عقل إصلاحي وليس عقل محافظ» مع التأكيد أن يكون «الإصلاح تحت سقف الدولة» و «رفع الوصاية عن المجتمع الأهلي». وقال الدكتور عماد فوزي شعيبي في كلمته: «نجتمع لبناء دولة الحق والقانون، دولة لا تقصي رأياً ولا تحتكر سلطة» وأن اللقاء يرمي الى البحث في «تنظيم تغيير النظام السياسي».
إبراهيم حميدي
المصدر: الحياة
التعليقات
لم أتوقع أن أسمع ما سمعت في الجلسة الأولى لمؤتمر الحوار الوطني
أيها المتحاورن
من أين لك هذا
إضافة تعليق جديد