بعض المغالطات المنطقية في بروباغاندا تبرئة أمريكا من المسؤولية عن الإرهاب

23-12-2015

بعض المغالطات المنطقية في بروباغاندا تبرئة أمريكا من المسؤولية عن الإرهاب

الجمل ـ الأيهم صالح: تحاول إسراء الفاس في سلسلة من المقالات على موقع المنار تحميل السعودية مسؤولية صناعة الإرهاب الذي يستهدف منطقتنا حاليا مستخدمة في ذلك سلسلة من المغالطات المنطقية تفوقت فيها على قدرتي على التجاهل، وسأسرد لكم بعضا منها مع تشريحها.

    تنقل إسراء الفاس إحصائية عن صحيفة الحياة تقول أن "60% من منفذي العمليات الانتحارية في سوريا والعراق سعوديون". مصدر المعلومات في هذه الإحصائية هو إعلام داعش نفسه. أنا لا أستغرب أن تصدق الحياة ما يقوله إعلام داعش وتنقله كحقيقة، ثم تناقشه قناة العربية مع أحد "خبرائها"، ولكن عندما يتسرب ما يقوله إعلام داعش إلى إعلام المقاومة فالأمر يستدعي بعض التدقيق.  وحتى إذا تجاوزنا مصدر الإحصائية وعدم إمكانية التحقق من أية معلومة فيها، فمحتواها يقول أن 12 إرهابيا من أصل 21 انتحاريا نفذوا عمليات انتحارية في بعض محافظات العراق خلال شهرين من عام 2014 كانوا من أصل سعودي. لاحظوا مغالطة التعميم الخاطئ هنا، الإحصائية تقول أن العينة صالحة لشهرين فقط وتشمل بعض محافظات العراق، بينما تقوم صحيفة الحياة بتعميم العينة على كل الزمان والمكان الذي ينشط فيه تنظيم داعش. أنا لا أعرف دافع صحيفة الحياة لصياغة مغالطة تافهة كهذه، ولكنني أستغرب جدا أن تنقل إسراء الفاس هذه المغالطة إلى قراء المنار بدون أي تدقيق، ثم تتبناها وتبني عليها سؤالا يقول "فكيف تمكنت السعودية من صناعة الإرهاب؟"
    تنقل إسراء الفاس رأيا لسعودي يقول "مناهجنا خرّجت إرهابيين فجروا أنفسهم" وتجهد في تقديم أمثلة على علاقة المناهج السعودية بالعمليات الإرهابية. المغالطة هنا أقل وضوحا، فوجود تشابه بين مجموعة كتب ما وفعل ما لا يعني وجود علاقة سببية بينهما. العلاقة السببية تقتضي أن "قراءة الكتب تسبب الفعل"، وإذا افترضنا صحة هذه القضية سنتعرض لخطر الانزلاق في مغالطة المنحدر الزلق عبر استنتاج أن كل من قرؤوا الكتب سيقومون بالفعل، أي أن أي شخص درس مناهج السعودية سيصبح إرهابيا. منطقيا، يكفي وجود شخص واحد درس في السعودية ولم يصبح انتحاريا لإثبات خطأ هذه القضية. والواقع يقول أن الكثيرين في السعودية درسوا هذه المناهج ولم يصبحوا انتحاريين، ولذلك فهذه الكتب لا تسبب تحول كل من يقرؤونها إلى إرهابيين،  ولذلك أيضا، فمهما كانت الكتب سيئة، ومهما كان نوع العلاقة بين قراءتها وتنفيذ العمليات الانتحارية، لا توجد علاقة سببية مثبتة بينها وبين قيام شخص ما بعملية انتحارية، وما تسوقه الكاتبة ليس إلا مغالطة السبب الخاطئ، فحدوث شيء ما قبل شيء آخر لا يعني بالضرورة أن ما حدث أولا هو سبب ما حدث لاحقا.
    إضافة لعدم وجود علاقة سببية، ربما لا توجد أية علاقة على الإطلاق بين مناهج السعودية والعمليات الإرهابية. إن مجرد كون انتحاري ما سعوديا كما تزعم داعش لا يعني أنه درس هذه المناهج بالضرورة، ولا يعني أنه يوافق على محتواها بالضرورة، والتشابه بين ما تقوله هذه الكتب وبين ما يفعله إرهابي ما قد يرجع إلى أسباب أخرى، فربما خضع هذا الإرهابي لتدريبات مكثفة لدى خبراء متخصصين في غسيل العقول تمكنوا من التلاعب بعقله باستخدام  كتب وتقنيات أكثر تأثيرا بكثير من مناهج التعليم السعودية. يبقى التشابه بين ما تقوله الكتب وأفعال الإرهابيين مجرد تشابه، وافتراض أكثر من ذلك هو مغالطة "الذنب بالارتباط"، ويشبه أن تقول: " ربما شرب بعض الإرهابيين ماء من نفس المصدر الذي يشربه أي سعودي." ثم تبني على ذلك سلسلة مقالات صحفية عن العلاقة بين شرب الماء في السعودية والإرهاب.
    لا تبدو الكاتبة مهتمة بالأسباب التي تجعل أشخاصا لم يدرسوا المناهج السعودية يرتكبون علميات إرهابية في إجابتها على سؤالها " فكيف تمكنت السعودية من صناعة الإرهاب؟". إن تجاهل الإرهابيين غير السعوديين يشمل جملة من المغالطات المنطقية، منها مغالطة التعميم المنحاز، فالكاتبة اختارت عينة من الإرهابيين وتحدثت عنها لتستنتج ما تريده، مهملة وجود إرهابيين ليسوا سعوديين، وليسوا مسلمين. ومغالطة التركيب، فإذا كان إرهابي ما قد درس في منهج ما، فهذا لا يعني أن كل الإرهابيين قد درسوا فيه.

كما يبدو لي، سلسلة المقالات هذه ليست إلا بروباغاندا سياسية هادفة ومتقنة ضمن استراتيجية "فرق تسد" التي اعتدنا على مواجهتها إعلاميا وسياسيا وثقافيا. وأنا أعتقد أن هدفها الحقيقي هو إبعاد الأنظار عن الأسباب الحقيقية للإرهاب الذي يستهدف منطقتنا والعالم، فالمقالات لا تتطرق أبدا للعلاقة بين المخابرات الأمريكية والإرهاب، وهي علاقة مثبتة باعتراف العديدين من ضباط الجيش الأمريكي، ومن الساسة الأمريكيين، ولا تذكر تمويل وتدريب وتسليح الإرهابيين علنا باعتراف الكونغرس الأمريكي والرئيس الأمريكي، ولا تذكر تدخل العدوان الصهيوني لصالح الإرهابيين في معاركهم مع الجيش السوري والمقاومة عدة مرات في السابق.

أنا لا أرغب بالدفاع عن السعودية ولا عن مناهجها البائسة ولا عن نظام آل سعود اللاإنساني، ولم أكن لأعترض لو أن انتقاد الكاتبة للمناهج السعودية اقتصر على فضح أفكار التخلف والزيف واللاإنسانية التي يتم تدريسها للطلاب في السعودية بدون أن تتورط في سياق البروباغاندا المعادية والتي تهدف إلى تبرئة الصهيونية العالمية وسادتها من مسؤولية خلق وتمويل وتسليح ودعم الإرهاب الذي يستهدف البشرية عبر تحميل المسؤولية كاملة إلى عبيدهم في السعودية.

بعد قراءة هذه المقالات وجدت نفسي أتساءل: إلى أي مستوى وصل اختراق تكتيكات "فرق تسد" لإعلام المقاومة؟


ملاحظة: لا أورد الروابط إلى مقالات إسراء الفاس لأنني أعتبرها بروباغاندا معادية.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...