تأجير الأرحام من وجهة نظر شرعية وطبية
لاشك أن كل فتاة تحلم منذ نعومة أظافرها بأن يكون لديها عروس لعبة من البلاستيك تدللها وتحتويها، وكذلك كل شاب يترعرع على أمل أن يصبح رجلاً يتحمل المسئولية ويشعر باحتياج الآخرين له، وهذه المشاعر بثها الله عز وجل داخل الإنسان دون يد له فيها ، ويشعر كل من الأم والأب بالصدمة حين يأتي الوقت ويضيع الأمل فالرجل يلقب زوجاً دون أباً والفتاة تلقب زوجة دون أماً، وهنا ينتهي بهم الأمر إلي لغز تأجير الأرحام .
في البدء لابد من بيان أن الفتاوى الصادرة من الفقهاء تارة تكون بلحظ ما تشتمل عليه عملية التلقيح الصناعي من أفعال محرمة، من قبيل النظر إلى ما يحرم النظر إليه، أو اللمس المحرم، أو الاستمناء ونحو ذلك، وتارة تكون ناظرة إلى التلقيح في نفسه ومع قطع النظر عما قارنه من أمور محرمة خارجة عن حقيقته، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن التلقيح قد يفترض له حالتان، أحداهما: أن يتم التلقيح بين الرجل وحليلته، والأخرى: أن يتم التلقيح بين الرجل وامرأة أخرى ليست بحليلة له، وأكثر الفتاوى تكاد تكون متفقة على حكم الفروض الأولى، وإنا يوجد بعض الاختلاف في وجهات النظر الفقهية بالنسبة إلى الفرض الأخير، ومجمل القول في ذلك: أنه في صورة اشتمال عملية التلقيح الصناعي على أمر محرم فلا يسوغ القيام بذلك، نعم لو كانت هناك ضرورة فهنا تكون كسائر حالات المعالجة والتداوي التي تستثنى من الحكم العام ولا يحكم بحرمتها. وأما في صورة خلو التلقيح عن أي فعل محرم، فإن تم التلقيح من الرجل وحليلته فأكثر الفقهاء أفتوا بالجواز، وإن تم التلقيح بين الرجل وامرأة أخرى فالأكثر أفتوا بالحرمة.
وعن الرأي المؤيد لهذه الفكرة ناظراً إلي الجانب الإيجابي منها ، الدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر وعضو اللجنة الدينية بمجلس الشعب ، حيث أباح فكرة تأجير الأرحام مقارناً ذلك بفكرة الرضاعة ، معتبراً أنه كما يجوز تمليك منفعة الثدي وما يفرزه من لبن لينبت به اللحم وينشر به العظم لدى الوليد وقت الرضاعة يجوز أيضاً ذلك على الرحم فيما يفرزه من أمشاج تنبت اللحم وتنشر العظم لدى الجنين ، وبذلك تصير المرأة المستأجر رحمها هي الأم الحاضنة والمرأة صاحبة البويضة الملقحة هي الأم الأصلية .
ومن هذا المنظور أباح الدكتور بيومي فكرة تأجير الأرحام بشكل بسيط ويسير ، مشيراً إلي أنه فيما يتعلق بالمولود فلن يتمتع إلا بصفات الأم والأب الأصليين الوراثية ، مما ينفي أي شك فيما دار حول اختلاط الأنساب ، بالإضافة لذلك فإنه يرى أن هذا الأمر يعد من الأمور المشرقة لحالات العقم العسيرة والتي تمنع أي امرأة مريضة به من الاستمتاع بامتلاكها لمولود ، موضحاً أن تأجير الأرحام مثلها في ذلك مثل فكرة "طفل الأنابيب".
وجاء الدكتور محمد الفياض رئيس الجمعية المصرية للخصوبة والعقم ورئيس الجمعية الأفريقية لصحة الأم والطفل ليلقي الضوء على الجانب الطبي في هذه المسالة المثارة للجدل ، لافتاً الأنظار إلي تأثر الجنين برحم أمه ودمها الذي يتغذى عليه ، مشيراً إلي أن أي مرض تحمله الأم الحاضنة ينتقل في الحال إلي الجنين في رحمها ، كذلك فإن الطفل من البديهي أن يحمل كل المكونات الوراثية التي يحملها دم الأم الذي هو مصدره الوحيد للغذاء ، مما يؤكد دون شك على قضية اختلاط الأنساب وتفكك الأمة وفتنتها ، وبالطبع لم يجني أحد الشوك بعد الأمشاج التي خلقها الله ولوثتها مادية الحياة ، سوى طفل يخرج إلي الدنيا ليجد له أم حملته وأم تريد تربيته .
ولم يقف الدين هنا متكتفاً الأيدي فقد أثارت هذه الآراء مجمع البحوث الإسلامية وقام بإصدار بيان أفتى فيه بالإجماع رفض فكرة تأجير الأرحام نهائياً دون أي جدال بل واعتبارها خروجاً على الشريعة الإسلامية ، مديناً الدكتور بيومي الذي ما هو إلا أستاذ للفلسفة دون أدنى علاقة بالفقه والجوانب الشرعية .
ومن جانبه وتضامناً مع بيان مجمع البحوث الإسلامية ، أكد الدكتور عمرو الورداني أمين لجنة الفتوى بدار الإفتاء ، أن فكرة تأجير الأرحام من الفتن التي ظهرت مؤخراً في مجتمعاتنا تريد بالإسلام والمسلمين الضياع ، حيث يشير إلي أن اختلاط الأنساب في هذه القضية موجود لا محالة ، حيث يحق للمرأة المستأجر رحمها المطالبة بحقها كأم لهذا المولود ، لأن الدين أعطى المرأة حق الأمومة في إنجاب الطفل وليس تربيته "فالأم في الإسلام هي التي أنجبت المولود".
ذلك على غرار عزة المرأة ومكانتها التي رفعها الله عز وجل وحفظها من التكشف والتلاعب ، فكيف تستهون امرأة بما وهبها الله إياه ، أليس رحم المرأة التي بث الله فيه القدرة على إنشاء مولود جديد ، هبة من الوهاب ؟ فكيف بالمرأة استغلاله والاتجار فيه ..
بريطانية 43 عاماً أجرت رحمها لابنتها 26 عاماً، وأنجبت نيابة عنها قبل أيام توأمين ذكر وأنثى، وذلك حسب ما ذكرت مصادر طبية.
وأشارت إلى أن ولادة التوأمين تمت بعد عملية إجراء قيصرية، في مستشفى في مدينة الفورد بمقاطعة ايسيكس.
وحسب التقارير الطبية، فإن الفتاة استعانت برحم والدتها كونها تعاني من قصور في مهمات رحمها الذي لا يستطيع أداء وظائفه، وستكون السيدة البريطانية مثار الجدال أماً وجدة في ذات الوقت للتوأمين.
وشنت جمعيات معنية بتنظيم الأسرة حملة تنديد بما أقدمت عليه السيدة البريطانية، معتبرة أنه قرار يحمل في طياته مخاطر كثيرة، كما أنه يعتبر سلوكا غير أخلاقي لجهة تنظيم النسل والحفاظ على التنظيم الأسري في بريطانيا المحكوم لقرارات وعادات متشددة.
لكن جد التوأمين وهو زوج السيدة المؤجرة لرحمها، رد على منتقدي قرار زوجته قائلاً " كيف يسمح هؤلاء المنتقدين لأنفسهم توجيه أي كلام يشاءون، ويطلقون النقد على عواهنه، إنني أدعوهم جميعا لمشاهدة التوأمين الجميلين اللذين سيضفيان على أسرتي حياة هانئة وتزيد من ترابطنا أيضاً".
يذكر أن حالات تأجير رحم حدثت مرات عديدة، ولكن كانت بين سيدات قد يكن شقيقات أو صديقات، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تقوم بمهمة الحمل سيدة نيابة عن ابنتها.
سارة عنانى
المصدر: المحيط
إضافة تعليق جديد