تأجيل افتتاح البورصة السورية ونجاتها من الأزمة المالية
لأننا ربينا على نهج اقتصادي مركزي أو موجه، قلما نؤمن أو نمتلك الجرأة للمجازفة بما تفتقت عنه مستجدات الاقتصادات الحديثة، والليبرالية منها على وجه التحديد، وهنا لسنا في صدد إثبات صحة هذه النظرة أو تخطيء تلك النظرية، إلا أننا -ومن منطلق اقتصادي -قلما آمنا بجدوى ضخ الرساميل دون تغطية سلعية وخدماتية، فالمراقب يلحظ ما ضخته المصارف الأوروبية والأمريكية مذ لاحت أزمة الرهن العقاري، ويلحظ أيضاً أن حجم المساعدات الأمريكية الاجمالية لاستقرار القطاع المالي وقطاع الاسكان قد تجاوزت 700 مليار دولار منذ بداية الأزمة، ولكن من يضمن ألا تزيد تلك السيولة من هشاشة أسواق المال وتقود إلى ارتفاعات أكبر في كلفة الاقراض لتأتي في النهاية على ثروات الأسر واضعاف الأداء الاقتصادي.
مذ قام السيد وزير المال في شهر كانون الأول من العام الفائت بوضع حجر الأساس لمبنى هيئة مفوضية الأسواق والأوراق المالية وسوق دمشق للأوراق المالية وأخبار اقلاع السوق تنهال بين التأكيد والنفي والاقلاع والتأجيل.
إلا أن ما قاله الدكتور الشلاح أخيراً حول تأجيل الاقلاع هدأ من حجم وشدة التكهنات، فمدير سوق دمشق قال: نحن نريد للبورصة أن تولد لكن لا نريد لهذا المولود أن يولد مشوهاً، فالعلة بحسب الشلاح ليست في تحديد مقر مؤقت للبورصة بقدر ما هي في التجهيزات التي تصل كلفتها الى نحو 800 مليون ليرة وبخاصة بعد احجام (NOX) عن توريد التجهيزات لدخول ناسداك على الخط واستخدام ذريعة العقوبات الاقتصادية على سورية.
إذاً سوق دمشق أو في صيغة أدق هيئة الأوراق أنهت جميع التعليمات والبنى المطلوبة، سواء لجهة النظام الداخلي للسوق ونظام اعتماد منسقي الحسابات لدى الجهات الخاضعة لرقابة هيئة الأوراق والأسواق المالية «نظام الترخيص والوساطة والافصاح وقواعد السلوك المهني والتحكيم والازدواج وفض المنازعات» أو حتى لجهة الاتفاق مع بورصات عريقة لتسهيل وتشجيع الادراج المشترك.
إلا أن تأخر التجهيزات وربما عدم وجود كادر مكتمل حالا دون الاقلاع ليأتي السؤال من رحم الأزمة المالية التي لفت مصارف وأسواق العالم، ما هي حصة البورصة السورية من ارتدادات الأزمة فيما لو كانت مقلعة، وهي الناشئة التي لا يزيد عدد الشركات المتوقع ادراجها في السوق عن 20 شركة وشركات الوساطة عن اثنتين.
قد يكون في التأخيرة خيرة هذه المرة، ولكن شريطة أن نخرج بسوق استفادت مما يجري وسوق تحمل مقومات السوق وتبتعد عن المضاربات والسعي وراء الألوان «هبوط وارتفاع» ولا تتكئ على مساعدات الدولة.. لأن طول الانتظار ما عاد ليبرر الخروج بسوق هشة.
أن تستنفر المصارف المركزية في العالم للدعم والاقراض وضخ السيولة في السوق لتحقيق الاستقرار في القطاع المالي ولا نشعر هنا بأي تحرك فعلي على الأرض فهذا ما يثير أسئلة صعبة.
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أيديهم في النار، وقد لا يكون من غرابة فيما يضخونه من أموال، اما أن تضخ اليابان واستراليا والهند أمس 33 ملياراً في أسواق المال وتفرج اليابان وحدها عن ثلاثة تريليونات على مرحلتين، فهذا ما يؤكد أن الأزمة التي تجلت في افلاس «ليمان براذرز» لن تتوقف عنده، لذا السؤال الملح الآن، ماذا فعلنا في سورية، وهل نحن فعلاً خارج اللعبة؟
حاكم مصرف سورية المركزي قال: إن المصارف السورية جميعها من مصارف التجزئة وليست مصارف استثمارية، لذلك فإن التأثير سيكون محدوداً عليها من حيث المبدأ، فضلاً عن عدم وجود سوق مالية في سورية، ولابد من الاشارة الى الضوابط التي وضعها المصرف المركزي في سورية للحد من المخاطر التي تتحملها المصارف السورية في جميع المجالات والتي حدت بشكل كبير من حصول خسائر تؤثر سلباً على المصارف المحلية.
وقال الحاكم إن التذبذب الحاصل في أسواق العملات العالمية لابد أن ينعكس على أسعار عملات الدول الأخرى ومن بينها سورية، ولكن ونتيجة لقرار ربط الليرة بسلة عملات نجد أن الأثر كان مخففاً.
يمكن قراءة محدودية أثر أزمة مالية عاصفة لا يمكن حتى التنبؤ بنتائجها أو وقت وقوف هبوبها على السوق المالية السورية بأكثر من وجه.
هل اقتصادنا متين إلى الحد الذي لم يتأثر بأزمة يحتاط منها الاتحاد الأوروبي واليابان وهزت عرش الجمهوريين في الولايات المتحدة، أم ترانا من الانعزال مايكفي لعدم التأثر.. بالفعل صعبة ولم نفهمها؟.
ما إن أعلن «ليمان براذرز» عن إفلاسه وطلب الحماية حتى وصل صدى إفلاسه إلى أسواق المال العربية، ولعل في ذلك أيضاً وجوهاً عدة للفهم، إن بدأت بأثر العولمة قد لاتنتهي عند الأثر النفسي والأموال المهاجرة من وإلى الخليج أو حتى من التدخل والعبث في البورصات العربية من خلال رساميل خارجية.
في الأيام الأولى للازمة المالية تعالت الأصوات من داخل الأسواق مستنجدة بالحكومات لوقف نزيف الأسهم عن طريق ضخ سيولة في السوق أو القيام بعمليات شراء واسعة عن طريق المحافظ وصناديق الاستثمار الحكومية، لأن الأسواق الخليجية فقدت الأسهم فيها مليارات الدراهم والدنانير والريالات، للتتدخل الحكومات ويبدأ التحسن التدريجي وانتعاش اللون الأخضر يظهر في الأسواق العربية.. إلا أن السؤال هنا هل ما شهدته الأسواق لاحقاً هو رد فعل طبيعي على موجة التراجع الحادة، أم تراه تعافياً للأسواق لتبدأ بالصعود وتعويض الخسائر مع دخول السيولة المترددة وسيولة الدول.
في الاجتماع الـ47 للجنة التعاون المالي والاقتصادي في مجلس التعاون الخليجي أمس، حاول محافظو المصارف المركزية طمأنة رأس المال وبرروا استمرار ربط عملاتهم بالدولار فقط وقللوا من الآثار السلبية لذلك الارتباط، إلا أن ما تمخض عن الاجتماع أمس ويستحق الوقوف هو ارجاء اتخاذ قرار في شأن مقر البنك المركزي المشترك إلى اجتماع قمة زعماء الدول في تشرين الثاني المقبل وأيضاً ما لفت إليه وزراء المال من وجوب أن تصادق خمس دول على اتفاق الوحدة النقدية قبل انشاء مجلس نقدي مشترك.
قد يكون التطرف لرأي قتال كما التعميم، لذا قد يكون الجنوح للنظرية التي تنادي بدنو أجل الرأسمالية جمعاً للتطرف والتعميم في آن.
إلا أنه ومن منطلق خصوصية كل اقتصاد والتي -الخصوصية -تنطلق من بنية الاقتصاد وحجم ناتجه وصادراته وغير ذلك، تفرض شكل تعاطي اقتصادياً معيناً، سواء لجهة سرعة الانفتاح وشكله أو حتى لجهة استقطاب الرساميل، وهو ما نعتقده مهماً، لأن خلق ميزات لاستقطاب رساميل تعمل في المشروعات الانتاجية غيره تماماً لجذبها في الاستثمارات المالية والمضاربات، فعدا ان الاقتصاد السوري لم يعتد بعد هاتيك الاستثمارات، لننظر ماذا فعلت الاستثمارات المالية في الاقتصادات العملاقة..
عدنان عبد الرزاق
المصدر: البعث
التعليقات
شو هاد أقتصاد؟؟
مو غلط
times they r changing
مسبّة تبدأ بحرف الشين
إضافة تعليق جديد