تبدل مفهوم الرجولة في العصر الحديث

10-05-2007

تبدل مفهوم الرجولة في العصر الحديث

مسألة أن يكون المرء رجلاً في هذا العصر، طرحتها، من كل جوانبها، مجلة «بسيكولوجي» الفرنسية في عدد خاص (148 صفحة)، ربيع 2005، وشكّلت أيضاً موضوع دراسة ميدانية جديدة للباحثة عزة شرارة بيضون، صدرت تحت عنوان «الرجولة وتغيّر أحوال النساء»، عن المركز الثقافي العربي.

وعزت المجلة طرح هذه المسألة إلى نشوء جيل من الرجال عايش الحركات النسوية وتأثيرها في النموذج الذكوري. وتقول إنه (أي ذلك الجيل) بات يتأرجّح بين الميل إلى اللين واللطف ومغريات القساوة. وربما وجب عليه أن يعيد «اختراع» شخصيته أو تركيبها من جديد.

وتعتبر بيضون دراستها محاولة للإجابة على تساؤلات فرزها تغيّر النساء وتبدّل أحوالهن وتأثير ذلك على «هويات» الرجال. ولعلّ أبرزها التساؤل عمَّ إذا كان الرجال راضين عن الأدوار الذكرية التي صاغتها لهم الثقافة الاجتماعية، أم يشعرون، كما تشعر النساء، بوطأة قيودها عليهم؟

من زمان، كان من السهل أن يكون المرء رجلاً. وأوجه الرجولة كانت تحصيل حاصل، نقلتها إلى العلن نماذج صارخة، أمثال: لينو فنتورا وألان ديلون وجون بول بلموندو (السينما الفرنسية)، جون واين وكلارك غايبل وجيمس دين (السينما الأميركية)، وفريد شوقي ورشدي أباظة وأحمد رمزي... (السينما المصرية). وهؤلاء مثّلوا كيف يتصرّف الرجل «الحقيقي». كان يكفي نزع كل وجه أنثوي من شخصيته: الذكر لا يقف طويلاً أمام المرآة. ولم يكن يبكي، وكان ينقل مشاعره بالأعمال لا بالأفعال، كما جاء في تقديم الموضوع، في مجلة «بسيكولوجي».

وكم تكون الصدمة قوية، عندما تسيل دمعة على خدّ وجيه العائلة، الرجل الكتوم القاسي، حزناً على ضناه. «دمعته غالية»، كانوا يقولون. ومن تجلّيات كبت المشاعر «الرقيقة»، ما قام به الممثل رفيق علي أحمد، ذات مرة، وكان يلعب شخصية «الحاج محمد»، في مسرحية «ايام الخيام» (1983). وقف أمام المتفرّجين، وكان يجب أن يقول نصاً حزينا، والغصّة تخنقه. لم يستطع رفيق قول النص، ولم يستطع البكاء، فاعتذر منهم ودخل إلى الكواليس يجهش في البكاء. ويمكن القول إنه انتقص من النص حفاظاً على رجولته. (والواقعة لا يعرفها إلاّ من حضر ذلك العرض، في 1983، إذا بقيت في ذاكرته).

وتطرح عزة شرارة بيضون، في دراستها، مسألة تلخّص النظرة إلى تأثّر الرجال بتطورات العصر، متسائلة أولاً عمّ إذا كان رجل «هذا العصر» واقعاً في أزمة وهمية أم أزمة مرتجاة (ص. 46)؟ وتقول مستندة إلى طرحها: «يبدو الرجال كأنهم ضحايا، ضحايا المجتمع الصناعي الذي حرمهم من آبائهم وسلّط عليهم أمهاتهم، أو ضحايا المجتمع المعاصر وإعلامه المهيمن الذي فرض عليهم نماذج ذكرية عزيزة التحقق... هم ضحايا حركة تحرر المرأة التي رفضت خضوع النساء الذي هو الشرط الضروري لتألق ذكورتهم... ضحايا العولمة التي اجتاحت حياتهم المستقرّة...» وأشارت أيضاً إلى أن خطاب «الرجل الضحية لا يحظى بقبول شامل، فالمفكر البريطاني ألفرد نورث وايتهيد يقول بأنها أزمة وهمية.

ويصوّر قاسم أمين، المصلح النهضوي، مسألة الرجل والمرأة قائلاً: «... في الشرق نجد المرأة في رقّ الرجل، والرجل في رق الحكومة، وحيثما تتمتّع النساء بحريتهن الشخصية يتمتّع الرجال بحريتهم السياسية، والحالتان مرتبطتان ارتباطاً كلياً».

والعجالات في ملحق «أسرة» إنما تحاول، ببساطة، تلمّس ملامح عقلية الرجل «العربي» أو «الشرقي»، تارة بالمقارنة مع الجيل الجديد، وطوراً بالإشارة إلى علاقته بالمرأة. وأتت صورة لرجال عرب في المهجر لتكشف، أو بالأحرى، تلخّص واقعاً معروفاً إلى حد ما، يتخبّط فيه الذكور بين تشرّب عقلية أبناء المَهاجر والتشبّث بعقلية أبناء البلد الأم، في ميادين الأعمال والاجتماع، كما بين البقاء والعودة. ولا يبدو أن ثمة حلاً وسطاً أو خلاصة لذلك النزاع الداخلي.

زكي محفوض

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...