تجهمّ.. فأنت في مطار دمشق.. الدولي
حطت الطائرة على أرض المطار.. وبهدوء ودون تأخير خرج المسافرون من على متنها إلى مبنى المطار.. أروقة نظيفة ومرتبة كل ما فيها يحيط به اللمعان.. لا يقف أشخاص في الأروقة وعلى جوانب الممرات لا عمل لهم ينظرون إليك بفضول وبلادة، ولا أشخاص يريدون أن يحملوا أي شيء في يدك ليحصلوا على فتات المال.. وقبل أن أتجه إلى مراقبة الجوازات أخذت طريقي إلى السوق الحرة لأشتري سجائري التي لم أستطع للأسف التخلص من سيطرتها علي.. هناك حملت الكمية التي يسمح لي بها القانون ودفعت المبلغ المطلوب بالتحديد، فما كان من البائعة إلا أن شكرتني لأني دفعت المبلغ المحدد دون زيادة أو نقصان!!..
دقائق خمس اعتقدت أنني سأصل بعدها إلى ضباط الجوازات وما زال صف المنتظرين أمامي طويلا.. لكنني لم أجد أحدا.. جميع ركاب الطائرة كانوا قد أنهوا إجراءاتهم.. وخرجت ولسان حالي يقول: لم أتأخر كثيرا لا شك أنني سأنتظر الآن أمام شريط الحقائب ريثما تصل حقائبي..
مرة أخرى خرجت ولم أجد أحدا ولا شيء سوى حقائبي تدور على الشريط تنتظر مني أن ألتقطها.. وضعت الحقائب على العربة المخصصة التي اصطفت مع عشرات غيرها لمن يحتاج، بدون رسوم، وبحثت عن موظفي الجمارك الذين يفترض أن يسألوني: "شو معك؟"..
ومجددا لم أجد أحدا والباب أمامي مفتوحا إلى خارج المطار.. ورغم أني لا أحمل إلا أغراضي الشخصية وليس هناك ما يحتاج تصريحا أو تفتيشا إلا أن الفضول تملكني لأعرف كيف تركت سلطات المطار المسافرين يخرجون هكذا دون وجود مراقب لرفع العتب على الأقل، فاكتشفت أن على حقائبي لاصقات كمبيوترية تدل على أن الحمولة مرت على كواشف متقدمة وأجازتها دائرة الجمارك من دون أن أشعر أو أن تنقلب محتويات الحقيبة عاليها سافلها وأنا أتحسر على الوقت الذي قضيته في طي وترتيب الملابس..
في الطريق إلى الخارج يا للدهشة.. لم أجد أناسا مكدسين أمام الباب يتدافعون بخشونة لكي يحصلوا على النظرة الأولى للمسافر المنتظر، كان هناك قاعة كبيرة ونظيفة تنتشر فيها الكراسي المريحة والكثيرة وبجانبها مقهى يوفر للمنتظرين الاسترخاء والراحة بانتظار ظهور القادمين من السفر.. يا إلهي أين أنا؟
كنت عندما خرجت من مطار دمشق سألني أكثر من أربعة أشخاص غير مراقبة الجوازات عن جواز سفري للتدقيق ولا أدري لماذا، فهل هناك أحد يستطيع أن يمر بعد حاجز الجوازات دون أن يكون قد ختم جواز سفره؟ وبانتظار موعد الطائرة قلت في نفسي سأشتري مجلة أو جريدة وأطالع ما يجري في الدنيا بدلا من الجلوس والتحديق في خلق الله.. لكن صالات الانتظار كانت مليئة بعشرات محلات بيع الحلويات ولم يكن هناك ركن واحد يبيع المطبوعات، حتى الأقراص المدمجة والأشرطة التي يمكن أن يشتريها المرء ليسمعها عبر الجهاز الذي يحمله، كلها قديمة وقليلة عدا عن أنها منسوخة أي ليست أصلية..
وبعد نداءات كثيرة "أخيرة" للاتجاه إلى بوابة الصعود إلى الطائرة وقف المسافرون في صف طويل لا يتحرك، ولم أتمكن من معرفة السبب الحقيقي الذي يكمن خلف البطء الشديد في اتخاذ الأماكن المحددة على مقاعد الطائرة.. هذا جزء مما يراه المسافر في مطار دمشق وهناك ظواهر عجيبة أخرى بخلاف تكدس المسافرين والمستقبلين والمودعين على الأبواب، وعدم تحديد خطوط انتظار بأسوار تسمح للمنتظرين أن يكونوا صفا واحدا وليسوا مجموعات تندفع من الخلف والأمام واليمين واليسار وحتى من السقف لو استطاع الشعب أن ينزل!! هناك التأخير الغريب في وصول حقائب السفر وهناك عمال التنظيف الذين تركوا التنظيف ليدفعوا أمامهم عربات النقل ويعرضوها على المسافرين ليحصلوا على دخل ثان وهم أصلا لم يؤدوا عملهم الذي يتقاضون عنه دخلهم الأول..
أمر محير فعلا... إن جميع المسافرين السوريين الخارجين من القطر يدفعون رسم خروج يختلف باختلاف وجهة السفر، وجميع المسافرين غير السوريين القادمين إلى داخل القطر يدفعون رسوما للدخول، وأنا أريد أن أعرف لماذا لا يستقطع جزء من هذه الأموال الهائلة التي تتجمع آخر النهار وآخر الشهر لتحسين الخدمات في مطار دمشق الدولي؟؟ المسألة ليس فيها اختراع ذري أو عبقري، وليس فيها جهود جبارة.. الموضوع يحتاج فقط لتخطيط وتصميم في التنفيذ وتوزيع مراقبين لا يتقاضون الرشى لمتابعة سير العمل في كل المجالات.. هل هذا كثير؟؟
قليل من المحبة للبلد يا أهل البلد يحول البلد إلى واحة من جديد..
وبالمناسبة.. المطار الذي بدأت الحديث عنه في البداية ليس في دولة أجنبية من دول العالم الأول، ولا يبعد كثيرا بالمسافة، هي رحلة لا تتجاوز ثلاثة آلاف كيلومتر بين هذا المطار وذاك.. إنه مطار أبو ظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة.. ولا يقولن أحد إنها دولة بترول، لأن ما حدث فيها من تطور لم يكن بسبب المال فقط، وإنما أيضا بعزيمة وتصميم وانفتاح أهل البلد على أحدث ما قدمه العلم لراحة المسافر وأمنه... هيهات هيهات يا وطني...
ميساء آق بيق
المصدر: موقع تلفزيون الدنيا
إضافة تعليق جديد