تراجيديا اللعب في حياة أطفالنا.. تزداد سواداً!!
عشرة مليارات دولار بلغت صادرات الصين من ألعاب الأطفال هذه السنة! ومليارات أخرى تجنيها شركات ألعاب الكومبيوتر من مواقع الألعاب والأقراص المدمجة والبلاي ستيشن! وفي حين تجنى هذه الأموال يتحول العالم إلى ساحة مفتوحة من الخراب، لن تصيب حياة الأطفال فقط ولكنها ستصيب المستقبل الذي سينقلون به هؤلاء الأطفال البشرية إلى مرحلة قادمة، ليست مبهمة على وجه التأكيد، بعد أن حملت وضوحها حسب النتائج المستقرأة حين تحول مفهوم اللعب من عملية تنمية عقلية ونفسية وجسدية إلى سلعة استهلاكية أهدافها ليست أن تتحول باللعب إلى عملية تسلية بحتة فقط، ولكن تمتد لتكون مشروعا منهجياً لإفراغ جيل بكامله تخرب من خلاله وتحييد جحافل البشر في كل بقاع الأرض عن رؤية ما يجري لفتح الطريق أمام كل ما يمكن من الاحتياجات، كمنظومة تتكامل مع أهداف كبيرة وعريضة ترسمها أخلاقيات السوق المعولمة، حين اعتبر جان جاك روسو في مؤلفه «العقد الاجتماعي» أن العلاقة وثيقة بين السياسة والتربية: «إنه المواطن والإنسان معاً، الحكومة تصنع المواطن، والتربية أداة صنعه، السياسة تربي والتربية تصنع السياسة أو المواطنين ».!!
وبينما يجني صناع ألعاب الأطفال ملياراتهم، يموت كل سنة آلاف الأطفال من الألعاب المغشوشة. ويموت المئات بسبب عمليات قتل جماعية يقوم بها مراهقون متأثرون بألعاب الكومبيوتر، والنت! بالإضافة إلى عمليات الانتحار الجماعية والفردية التي بدأ العالم يشهدها، وخاصة عمليات القتل التي تجري في مدارس بريطانية وأميركية، الأماكن المعنية بالتربية! أما الخطر القادم الذي يهدد حياة أطفال العالم المتقدم فهو ما اعتبره كل المتخصصين أنه مرض حقيقي فهو «البدانة»، الذي يؤثر جسدياً ونفسياً على الأطفال، هي النتيجة الواضحة لما يجري على الطبيعة حيث تقلص الريف لمصلحة سطوة المدينة، كمساحة في الأرض والأخلاق، عندما حشر الناس في علب ضيقة، لا يجدون خروجاً منها إلا بشاشة كومبيوتر هي فسحتهم الوحيدة التي ستتحول في زمن قصير لتكون عالمهم الوحيد..
المسألة لا تبدو بذلك الوضوح عندنا بما يتعلق باللعب، الخاص بالمرحلة الأهم الممتدة بين من عمر ثلاث السنوات والثالثة عشرة حيث يشكل اللعب الحيز الأكبر من بناء الفرد نفسياً وجسدياً وعقلياً، عندما يربط «جان بياجيه» بين اللعب ونمو الذكاء، فالطفولة عندنا كلها وليس لعبها فقط، تعيش وضعاً قاسياً، إذا ما أردنا التكلم عن حياة مدينة كدمشق التي تشكل مساحتها الأكبر تلك العشوائيات بكل عدم تنظيمها واستقرارها وسيبدو عندها الحديث عن اللعب ضرباً من الترف أو الطرافة إلى حد كبير فلا ملاعب وحدائق وصالات، وهناك غياب كامل لدور المدرسة التي سنفترض بأنها يجب أن تكون البديل لسد النقص في بنية الفرد، فأول تعديل جرى في المدارس لتفادي يوم العطلة الإضافي المقتطع من أيام الدراسة كان على حساب تقليص حصص الرياضة والفعاليات التربوية كالرسم والموسيقا، من التي يدخل مفهوم اللعب فيها بقوة. وهذه الحالة هي حالة متقدمة لتراجع المؤسسة التعليمية ولن نقول فسادها أو عدم اكتراثها، فالكل سيعيش النتيجة التي لن تفاجئنا فيما ستصل إليه مجتمعاتنا وشبابنا، عندما يتركون للشارع فقط وللفضائيات وتغييب المؤسسة التربوية التعليمية، لنجد بأن حتى مفهوم اللعب لا يجد تفسيراً دقيقاً في أذهان المسؤولين، فهل هي التسلية أم إنه أداة لبناء عقل الطفل وتنمية مهاراته؟
الأمر الذي تحدثت عنه الدكتورة «أمينة رزق» في استضافة على شاشتنا الفضائية السورية حيث استغربت التقرير الذي بث عندما افترضت أنه سيتحدث عن اللعب وضرورته في حياة الفرد، وإذ به يشبه الإعلان عن مجمع سياحي، ما تحدث فيه المستضافون عن أقسام المجمع وشاليهاته وغرفه وعن الألعاب الموجودة فيه «كنفق الموت» الذي أعجب طفلة التقاها التقرير، وعن قدم الشركة المالكة ومشاريعها الرائدة. الأمر الذي عبرت عنه مباشرة الدكتورة بأن هذا النوع من اللعب ليس اللعب المقصود في هذا المقام. فدخول ذلك المجمع لا يعني إلا عدداً قليلاً من الأطفال ممن يستطيعون تجاوز أسعار بطاقات الدخول ومصاريف اللعب، إذا ما نظرنا للشريحة العظمى من أطفالنا الذين يستلقون على شارع الفقر العريض والطويل، ليكون اقتراح الدكتورة «رزق» لافتاً بأن الكثير من الباحثين يميلون اليوم إلى أن يكون جزء من اللعب هو تعلم المهن، فنحصل على نتيجة مزدوجة، نحقق فيها اللعب للطفل ونعلمه «صنعة» يستفيد منها في المستقبل. وبين منطقية المقترح، وضبابية الفكرة، وعدم اكتراث المؤسسة غير الملزمة بتنفيذ المقترح، لن تزداد رويدا مساحة اللون الأسود الذي يستخدم لتغطية قدمي وأذرع «ساندي بيل» فقط، ولكن القدرة على إدراك مجتمع بكامله.
فاديا أبو زيد
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد