تربية غول الديموقراطية
الجمل - أيهم ديب: هل ثمة مستقبل للديمقراطية في سوريا؟ في الواقع إن المستقبل الوحيد المضمون في سوريا هو مستقبل الديمقراطية و لكن هل يملك السوريون اي مستقبل في هذا الموديل الديمقراطي ؟ لا تاتي المؤسسات السورية بأي جديد فهي ليست سوى استنساخ عن مشاريع و دراسات مراكز الأبحاث الغربية , مما يدفعنا للجزم بأن من يرسم او يهندس سياسة البلاد – كل المنطقة- قطعاً ليست الحكومات الممتلئة حكمة و نعمة و لكن باحثين غربيين : بصفة صديق او مستشار او حتى ما يسمى رجل البريد – من يرسله عدوك القوي ليريك الضار من النافع-
مؤسسات اعلامية , صناعة النجم , و إدارة الجريمة . و يتم تثبيت هذه الأقانيم الثلاث في مرحلة الحضانة اي قبل إطلاق غول الديموقراطية. و يمكن رؤية آليات العمل ضمن هذه الدوائر بمراقبة بسيطة للصحافة المحلية في أي بلد عربي و منها سوريا و رؤية كيف تعمل بتناغم لتأمين المناخ الملائم لتثبيت قيم المستقبل للعقود القادمة من تاريخ المنطقة :
قاعدة الحديد بالحديد يفلح : لا يجب ان نضع الشرطي في وجه المثقف او في وجه الصحفي أو في وجه الفنان. من الأفضل خلق جيش مدني يتحرك بشكل ذاتي نتيجة الآليات التي تضمن بقاءه و هي الولاء للمؤسسات التي انتجته. هذا الجيش سيتخذ في أيام الرخاء الديمقراطي صفة المناظر و الشريك في القرار ضمن المؤسسات الثقافية التي تؤسس على مبدأ الخوف من الغاء الآخر تحت شعار الحريات دون الانتباه الى الحدود الدنيا و العليا التي تحدد هوية هذا الآخر. فيقع الجميع في خديعة اللغة : اللغة التي تجمع الأضداد في كلياتها و تعميمها: فالسوري يمكن أن يكون المجرم و الضحية و المثقف قد يكون الشرطي و الشاعر.
المنشطات : قد تكون طبيباً جيداً و لكن ليس لك علاقات مثل زميلك الأقل ذكاءاً و اخلاقاً و لكن الأوفر حظاً و خبثاً و الذي تجمعه موائد القمار الى تجار و سياسيين في الدولة : فتقوم القرى الطبية تحت إدارته المثيرة لإعجاب الصحافة نفسها التي يمتلكها التاجر الذي منحه فرصة العمل! هذا ينطبق على المهندس و المدير التجاري المتفوق ... و النتيجة هي انك في زمن الديمقراطية ستقبل السباق لأنك إن رفضته فإنك حاسد او متبرم او كسول أو جبان او ... ستخوض السباق و ستخسر. لأنك في فترة الحضانة صدقت صلوات والدتك و استمديت قوتك من يدي والدك الفقير المتعبتين في الوقت الذي كان الآخر يفوز بالمسابقات الرخيصة التي تمجدها الصحافة المحلية و لا يغيب عن اي مناسبة اجتماعية حتى أصبح أنفه بني اللون من تقبيل سؤات السادة رجال الأعمال الذين هم بدورهم يشعون بأنوف بلون الشوكولا.
النجم و الاخصاء الجماعي : النجم يساعد في خلق شعور بالتقصير و , و شعور بالحسد يوجب تكبيت الضمير, و النجم يولد الطموح الذي يسهل تحويله الى جشع أو عنف فهو قوة كامنة قابلة للتحويل و الاستخدام بعدد غير متناه من السلوكيات التي يمكن رصدها منذ الآن في المجتمع .
نظام التعطيل: ضرائب, رسوم , سمات, شروط كلها تقاس و تفصل بحسب حاجة الحاكم بحيث تحتوي أي حيوان غير مرغوب به . و بالتالي لا يكون المقياس قوانين الطوارء و لكن أشخاص يبدون اكثر كفاءة لتحقيقهم الشروط. المزيد من الاحباط و الاخصاء الجماعي.
علم الحيوان – السلوك : قد يكون ماكيافيلي أبو السياسة و لكن عشيقها و محبوبها هو إيفان بافلوف و كلبه الشهير. يمكن مقارنة سلوك الانسان مهما تعقد و رده الى السلوكيات الأساسية التي تحرك أي حيوان. احياناً لا تجد الأجوبة عن السياسة في كتب إدارة الأعمال و لكن في المخابر . و في علم الطبيعة قد تجد اجوبة عن الاقتصاد. هذا ما لم نصل اليه بعد في بلادنا و هو القدرة على ربط العلوم و هو ما لا تمنحه لنا الدول الغربية و لن تمنحه و لن تسمح به إنه يشبه امتلاك حجر الفلاسفة . و بالتالي من هنا يمكن فهم آلية التصنيف و ما يرافقها من خوف من انفتاح الدوائر على بعضها. كلمة شفافية هي الكلمة الأكثر نفاقاً في القاموس السياسي المعاصر.
ثلاجة الزمن : تعمل القوى الكبرى في العالم الى تدوير المجموعات البشرية في حلقات زمنية متفاوتة مستفيدة بذلك من فروق التوقيت في تحقيق ارباح كبيرة من دون ان يخل هذا بأمنها. هذا بحد ذاته يخلق خطابات اقتصادية متفاوتة ضمن الزمن الواحد و برغم الانفتاح على سوق عالمي واحد.
في سوريا يتم استخدام ثلاجة الزمن لتفكيك الخطاب الشعبي : فبينما تعيش. دمشق في 2009 تكون حلب في 2000 و تكون اللاذقية في 1995 مما يمنع تكون وعي شامل بوضع البلاد الاقتصادي و يمنع بالتالي وحدة الخطاب الوطني. و هذا المطب الذي يقع فيه معظم المعارضين أو المنظرين السياسيين السوريين الذين لا ينتبهون عندما يخاطبون الشعب السوري انهم فعلياً يخاطبون مجموعات مشظاة و ان الخطاب يتكسر مثل الضوء على هذه السطوح. عدا عن ان هذا الخطاب يتم من منابر رجاجة و هشة و بشكل غير مستقر. في حين يتطلب العمل السياسي او التنويري بنية منظمو و متصلة و شبكة نشطة ضمن اطار زمني واسع و هو ما لا تسمح به كل المنظومة الحديثة في الحكم. فالصحف مملوكة من قبل المتنفذين و الجامعات الخاصة يدرس فيها اولاد المحترمين !!!
الانتخابات اللبنانية : ما حدث في الانتخابات اللبنانية هو مرجعية و مادة دراسة مهمة لكل المنظرين للمستقبل السوري و المقصود المنظرين بالفعل و ليس بعض قوادي الصحافة و الاقتصاد. فالانتخابات تعكس اهمية الموديل الغربي في قراءة المجتمع و آليات الاستفادة من قواعد المعلومات في المناورة. فبينما جاء خطاب المعارضة عاماً و أخلاقياً و هما قيمتين غير فاعلتين – وقائع- . في حين خاطب الفريق الآخر بما عندهم و ما يحتاجوه بالمعنى القصير : فالعرب عموما يفتقدون لآلية التنظير البعيد الأمد و بالتالي خياراتهم و تفاعلاتهم آنية و دفاعية : الطالب الجامعي يخاف من الحجاب, التاجر يخاف من المقاطعة الاقتصادية , الفلاح لا يريد أن يخسر سوق السعودية , المطعمجي لا يرغب بخسارة السائح, البطرك اكثر وضوحاً من ميشيل عون مسيحياً و لا يحتاج الكثير من التحليل و المراهنة و مثله خطاب سمير جعجع و غيره , حتى في المعارضة من ربح هو هؤلاء الواضحين المباشرين في طروحاتهم, لم يربح من يقدم مشاريع دولة. الديموقراطية في سوريا ستكون على نفس الوزن و بنفس الآلية. سيتعلق العامة بمن يقنن الماء و سيحبون القوي و لن يكونوا قادرين على رؤية انفسهم ضمن أي مشروع شعبي يتطلب ان مستقبل البلاد هو لمن ينام في حضن السلطة . و ستكون العامة أشد نفاقاً مما يجعل من اي سياسي حر مجرد ضحية لأوهامه و لتصديقه أنين الجياع في بلده و عليه أن يعي أن الجوع ليس قيمة سياسية و إنما الوعي. إلا إن كان يملك عنزة رسول او سمكة نبي.
خلال سنوات سيطلق سياسينا غول الديمقراطية ليتمتع الحاكم بالمشهد التاريخي الذي يرسم له حيث يصارع الشعب – كما في روما القديمة- غول الديموقراطية بينما النخبة تاكل العنب و العامة تصفق.
إضافة تعليق جديد