تناقضات أوباما الكثيرة
الجمل- كيم بيترسون- ترجمة: د. مالك سلمان:
الرئيس باراك أوباما, المعروف بمهاراته الخطابية, وجد نفسه محشوراً في زاوية كلماته نفسها. فقد رسمَ خطاً في الرمال وهددَ بإنزال عقوبات قاسية بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد إن هو تجرأ على تجاوز ذلك الخط. ثم ظهرت عدة ادعاءات بأن القوات الحكومية السورية قد استخدمت الأسلحة الكيماوية. ويبدو أن الهجوم الكيماوي الأخير المزعوم على أحد أحياء دمشق قد قدمَ لأوباما ذريعة للتدخل. ويعتقد المراقبون العاقلون أن على الأسد أن يكونَ مجنوناً تماماً لكي يستخدمَ الأسلحة الكيماوية بينما تنتظر الولايات المتحدة أي سبب للتدخل. وهنا يبرز السؤال: هل الأسد مجنون حقاً؟ أم هل هذه عملية ملفقة؟
يبدو أوباما مقتنعاً. فقد تكلمَ علانية بصوت قوي, لكن الكلمات جاءت ضعيفة.
* * *
أوباما: البارحة قدمت الولايات المتحدة دليلاً قوياً على مسؤولية الحكومة السورية عن هذا الهجوم على شعبها.
لا, لم تقدم الولايات المتحدة أيَ دليل, وفي غياب الدليل لا توجد قضية. فما يسمى بالقضية مبني على الثقة العالية لمصادرها الاستخبارية. وقد عبرت هذه المصادر الاستخبارية نفسها عن ثقتها المطلقة بامتلاك حكومة صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل ثم قامت الولايات المتحدة بارتكاب إبادة جماعية استناداً إلى معلومات استخبارية ملفقة.
أوباما: وكل هذا يثبت ما يراه العالم بوضوح – المشافي المليئة بالضحايا؛ وصور الموتى المريعة.
بمقدور العالم أن يرى صور الجثث؛ هذا صحيح. ولكن ليس بمقدور العالم أن يرى مرتكب هذا العمل الإجرامي.
أوباما: ... بنات وصبيان قتلوا بالغاز على يد حكومتهم.
مرة أخرى, هذا تأكيد يفتقر إلى مثقال من الدليل. فهناك تقرير من الغوطة يشير إلى شهود عيان يشيرون بإصبع الاتهام إلى المسلحين والسعودية.
أوباما: هذه هجوم على الكرامة الإنسانية.
كم مرة شنت الولايات المتحدة هجمات على الكرامة الإنسانية؟ متى لم تكن الحرب هجوماً على الكرامة الإنسانية؟
أوباما: كما يشكل خطراً كبيراً على أمننا القومي.
مرة أخرى, تأكيد آخر. كيف تؤثر مجزرة حصلت في سوريا على الأمن القومي الأمريكي؟
أوباما: إنه يستخف بالتحريم الكوني لاستخدام الأسلحة الكيماوية.
كما استخفت الولايات المتحدة به من خلال استخدامها للأسلحة الكيماوية في أفغانستان والعراق؟ ألا تستخف حقيقة تخزين الدول للأسلحة الكيماوية, بحد ذاتها, بالتحريم الكوني لاستخدام الأسلحة الكيماوية؟ فلماذا تقوم الدول بتخزين الأسلحة الكيماوية إن لم يكن بمقدورها استخدامها؟ فما رأيكم بالتحريم الكوني لامتلاك الأسلحة الكيماوية؟
أوباما: أنا على ثقة من أن بمقدورنا تحميل نظام الأسد مسؤولية استخدام الأسلحة الكيماوية, وردع هذا النوع من السلوك, وتقليص قدرته على تنفيذ مثل هذا الهجوم.
مرة أخرى, أين هو الدليل على استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية؟ أين هي المعلومات الاستخبارية؟ أوباما يطلب من الشعب الأمريكي (وشعوب العالم الأخرى) القبول برد عسكري بناءً على ما يقوله هو. وهذا يسمى بالقيل والقال في النظام القضائي ولا يؤخذ به في المحاكم الأمريكية بشكل عام. يبدو أن أوباما يعتبر نفسه فوق القانون, كما يتضح أيضاً من تجاوزه لتفويض من الأمم المتحدة بشن أي هجوم.
أوباما: ولكن بما أنني اتخذت قراري بصفتي القائدَ الأعلى استناداً إلى ما أعتقد أنه يمثل مصالح أمننا القومي.
لماذا لا يمتلك أوباما النزاهة الكافية ليوضحَ للشعب ماهية هذه المصالح المتعلقة بالأمن القومي؟ فإذا كان على هذه الدرجة من الثقة بأنه يخدم مصالح الأمن القومي, لماذا لا تتفضل وتشرح لنا ذلك.
أوباما: في الأيام القادمة, ستكون إدارتي جاهزة لتزويد جميع الأعضاء بالمعلومات التي يحتاجونها لكي يفهموا ماذا حدث في سوريا وسبب تأثيره الكبير على الأمن القومي الأمريكي.
إطلاع الكونغرس على هذه المعلومات, ولكن ماذا عن الشعب؟ وماذا عن عبارة أوباما التي تقول "حكومة الشعب, من قبل الشعب, ولأجل الشعب"؟
أوباما: أنا واثق من االقضية التي قدمتها حكومتنا دون انتظار تحقيقات مفتشي الأمم المتحدة.
إذا كان أوباما واثقاً إلى هذه الدرجة, فلماذا يناقض نفسَه؟ بما أنه قال "إن قدرتنا على تنفيذ هذه المهمة ليست مقيدة بزمن محدد؛ فسوف تكون مؤثرة غداً, أو الأسبوع القادم, أو بعد شهر من الآن," وإذا كان الأمر كذلك لماذا لا ينتظر نتائج المفتشين؟
أوباما: أنا مرتاح للمضي في هذه العملية دون موافقة مجلس الأمن/الأمم المتحدة المشلول حتى الآن والذي لا يبدي أية رغبة في محاسبة الأسد.
بكلمات أخرى, أوباما مرتاح لخرق القانون الدولي.
أوباما: ولكن إن كنا نريد فعلاً غض النظر عن القيام بعمل مناسب في وجه مثل هذا العمل الشنيع, فإننا نعترف عندها بتكاليف الإحجام عن القيام بأي عمل.
ما هي تكاليف الإحجام عن القيام بأي عمل؟ إن كلفة القيام بما يقترحه أوباما هي الإمعان في القتل؛ المزيد من الضحايا البشرية, ولا حظوا أن هذا الكلام يصدر عن شخص حائز على جائزة نوبل للسلام. إن العاطفية الكاذبة موجودة هنا بشكل مفرط.
أوباما: السؤال الذي أطرحه على كل عضو في الكونغرس وكل عضو في المجتمع الدولي هو التالي: ما هي الرسالة التي نوجهها إن كان بمقدور كل دكتاتور أن يقتلَ مئات الأطفال بالغازات على مرأى من الجميع دون أن يدفعَ ثمناً لفعلته؟
السؤال الذي أطرحه على أوباما هو التالي: ما هي الرسالة التي قمت بتوجيهها عندما تجاهلتَ جرائم َ الحرب التي ارتكبها نظام بوش- تشيني, حتى أنك طلبت من وزارة العدل أن تمنحَ الحصانة لمجرمي الحرب؟ عبرتَ سابقاً عن "قناعتي بأن علينا أن نتطلعَ إلى الأمام بدلاً من النظر إلى الوراء" في تبريرك للتغاضي عن جرائم الحرب التي ارتكبها بوش وتشيني. وتظهر هنا تناقضات أوباما مرة أخرى لأن المجزرة السورية قد حدثت وانتهى الأمر, فلماذا لا تتطلع إلى الأمام إذاً؟ إن تفاهة منطق أوباما شفافة جداً. أنا لن أدافع عن الأسد وأناقش إن كان دكتاتوراً أم لا؛ ولكن هل يتجرأ أوباما على أن يكون عادلاً وصادقاً ويشيرَ بشكل مباشر إلى عبد الله ملك الأردن وعبد الله ملك السعودية بصفتهما دكتاتورين؛ وهل يطلق على حكام البحرين والكويت والإمارات المتحدة وعمان وقطر صفة الدكتاتورية, كما يفعل مع الأسد؟ وأيضاً بما أن الحكومة السورية نظام, ألا ينطبق التوصيف نفسه على العديد من حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
أوباما: ما هي وظيفة النظام الدولي الذي بنيناه إن لم يتم فرض حظر استخدام السلاح الكيماوي الذي تم الاتفاق عليه من قبل حكومات 98 % من شعوب العالم والذي وافق عليه الكونغرس الأمريكي بالإجماع تقريباً؟
سيد أوباما, ما هي وظيفة النظام الدولي الذي تم بناؤه – الأمم المتحدة, الموجودة في نيويورك – إن قمتَ بتجاوزه مع القانون الدولي؟ التناقضات تتراكم.
أوباما: كونوا على ثقة – إن لهذا تداعيات تتجاوز الحرب الكيماوية. فإن لم نطبق مبدأ المحاسبة في وجه هذا العمل الوحشي, ماذا يعبر ذلك عن تصميمنا على الوقوف في وجه أولئك الذين يخرقون القواعد الدولية الأساسية؟
سيد أوباما, من المؤكد أنه لا رغبة لديك في القيام بأي عمل عندما تقوم إسرائيل بأي عمل وحشي (الاحتلال, وحصار غزة, والهجوم الإجرامي على "ماڤي مرمة", و "عملية الدرع الفولاذي", وقصف لبنان, إلخ). فأين تطبيقك لمبدأ المحاسبة, وتصميمك على الوقوف في وجه كل الأخرين الذين يخرقون القانون الدولي؟ أم أن المحاسبة هي مجرد "خيار وفقوس" من وجهة نظرك؟
أوباما: وفي وجه الحكومات التي تختار بناء الأسلحة النووية؟
أين هي معارضتك لمخزون السلاح النووي الإسرائيلي, ولمخزونك أنت من الأسلحة النووية؟
أوباما: وفي وجه الجيوش التي تقوم بعمليات إبادة جماعية؟
يأتي هذا التعليق من رئيس قال سفيرُه إلى الأمم المتحدة إن قتلَ نصف مليون إنسان كان ثمناً يجدر دفعه للولايات المتحدة؟ جيش من قامَ (متجاوزاً الأمم المتحدة أيضاً) بقتل حوالي مليون عراقياً؟
أوباما: لا يمكننا أن نربي أطفالنا في عالم لا يمكننا فيه أن ننفذ ما نقوله, ونلتزمَ بالاتفاقيات التي نوقعها, ونحافظ على القيم التي تحدد هويتنا.
تناقض آخر: ألا ينطبق ذلك أيضاً على ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعت عليه الولايات المتحدة؟
أوباما: سأطلب من أولئك الحريصين على مواثيق المجتمع الدولي الوقوفَ علناً وراء العمل الذي نقوم به. فإن كنتم حريصين على مواثيق المجتمع الدولي, إذاً عليكم أن تطلبوا التفويض من الأمم المتحدة.
يبدو جلياً أن أوباما حشرَ نفسَه في زاوية تبجحات خطه الأحمر. فقد "تطرطش" وجه أوباما بالوحل عندما زعقَ الإعلام الرسمي بأن الأسد قد تجاوز خطه الأحمر. فقد وقف الكونغرس في وجه "قناعته" العلنية بأنه يمتلك السلطة لمهاجمة بلد آخر دون موافقة الكونغرس, كما ينص الدستور, مما أرغمه على التراجع. لكن الدستور الأمريكي ينص أيضاً على أن معاهدات الولايات المتحدة تشكل "القانون الأعلى في البلد".
أوباما: ولكننا الولايات المتحدة الأمريكية, ولا يمكننا ولا نستطيع أن نتغاضى عما حدث في دمشق.
لماذا تتغاضى عن الأعمال الوحشية التي ترتكبها أنت؟ والتي ترتكبها إسرائيل؟ وتلك التي يرتكبها حلفاؤك الآخرون؟
أوباما: ... سوف نبني نظاماً دولياً ونطبق القواعد التي تكسبه معناه.
الآن, يرغب أوباما في تجاهل النظام الدولي المتمثل في الأمم المتحدة؛ فأوباما هو الذي يقوم بتقويض هذه القواعد. فمن المفارقة التحدث بتوهج وحماس عن النظام الدولي ثم المشاركة في تدميره وتفريغه من محتواه.
* * *
تحدث أوباما لأنه أرغم على ذلك من قبل الكونغرس, وقد تلفظ بكلمات واهية تنطوي على الكثير من التناقضات والتأكيدات. هل يمكننا أن نأخذ مثل هذا الخطاب على محمل الجد عندما يتعلق الأمر بالطلب بشن هجوم عسكري – عندما يعني الهجوم أن بشراً سيموتون؟ ومن يعرف ماهية النتائج الناجمة عن مثل هذا الفعل الاستفزازي؟ وهل يخدم حقاً مصالح الأمن القومي الأمريكي؟
http://dissidentvoice.org/2013/09/the-easy-come-contradictions-of-obama/
تُرجم عن ("ديسيدنت ڤويس", 1 أيلول/سبتمبر 2013)
الجمل
إضافة تعليق جديد