تونس: استنزاف الحوار قبل انطلاقه و6 قتلى للقوات الأمنية في سيدي بوزيد
لم ينطلق الحوار الوطني في تونس، في موعده المحدد أمس، حيث أصرت مختلف الأطراف على مطالبها ومواقفها المندرجة في سياق فهمها الخاص بتنفيذ اليات المبادرة التي أطلقتها «الرباعية» الراعية للحوار في 17 أيلول الماضي، في وقت اندلعت اشتباكات مفاجئة بين القوات الأمنية و«مجموعة إرهابية» في ولاية سيدي بوزيد ذهب ضحيتها ستة قتلى من القوات الأمنية، على الأقل، ما يشكل جرس إنذار للأطراف السياسية للتعجيل في إيجاد حل للأزمة السياسية أو الاستمرار في دفع البلاد إلى معادلة المبارزة الحديدية على حافة السقوط في الفراغ المؤسساتي.
وفي وقت وصل، أمس، جميع ممثلي الأطراف السياسية إلى مقر وزارة حقوق الإنسان، حيث كان من المفترض أن ينطلق الحوار الوطني، كانت أطراف المعارضة تنتظر كلمة رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض، والتي كان من المتوقع أن يعلن فيها تعهده الصريح باستقالة الحكومة خلال ثلاثة أسابيع، وفقاً لبنود مبادرة «الرباعية».
وبعد نحو خمس ساعات من التأخير، ووسط تجمع متظاهرين مناهضين للحكومة في وسط تونس العاصمة، أعلن رئيس الحكومة المؤقتة علي العريض تعهد حكومته بـ«مبدأ» التخلي أو الاستقالة «في إطار تلازم وتكامل مختلف المراحل والمسارات التي حددتها خريطة الطريق»، ما يعني أنه حدد موعداً مشروطاً للاستقالة. وتابع العريض، خلال ندوة صحافية في قصر الحكومة، قائلاً «نحن لا نرضخ لأحد، بل نرضخ فقط للمصلحة العليا للبلاد». وشدّد في هذا الصدد على ضرورة التزام الأطراف كافة بإنجاز المسارات المدرجة في مبادرة الرباعية والبحث عن توافقات.
ودعا رئيس الوزراء المجلس الوطني التأسيسي إلى «إسراع الخطى» وإنهاء الدستور وإقرار هيئة الانتخابات وتحديد موعد لها والانتهاء من صياغة قانون انتخابي.
على صعيد آخر، اعتبر العريض، وهو القيادي البارز في «حركة النهضة»، أن التظاهرات، التي دعت إليها «جبهة الإنقاذ الوطني» أمس، كانت «فاشلة». وقال أن «هذه الشعارات صدرت عن مجموعة تزعم أنها مع الحوار، ولكنها تأتي جملة من الممارسات تهدف إلى تخريب الحوار، وإفساد الظروف المحيطة به، وعرقلة نجاحه».
وحول أسباب تأخر كلمة العريض، كانت مصادر أكدت لصحيفة «الشروق» التونسية أن «ما يعطل الكلمة هما عاملان رئيسيان. الأول هو العملية الأمنية (في سيدي بوزيد) ... والثاني هو اعتبار رئاسة الحكومة للتظاهرات ضدها وضد المجلس التأسيسي تتناقض مع دعوة الحوار الوطني». وأضافت الصحيفة أن «اتصالات مكثفة وحثيثة (تمت) بين رئاسة الحكومة وقيادات في حركة النهضة وقيادات في الرباعية حول عملية بدء الحوار من عدمه»، مضيفة أنّ المصادر «تشير إلى أن الرباعية تصرّ على أن لا تبدأ جلسة الحوار الوطني قبل إعلان السيد علي العريض» عن التعهد بالاستقالة.
وتنصّ مبادرة الحوار على أن «تنعقد جلسة أولى للحوار الوطني... يتمّ خلالها الإعلان عن القبول بتشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية مستقلة لا يترشح أعضاؤها للانتخابات المقبلة تحلُّ محلّ الحكومة الحالية التي تتعهّد بتقديم استقالتها (في غضون ثلاثة أسابيع)» و«بدء المشاورات حول الشخصية الوطنية المستقلة التي ستعهد لها مهمة تشكيل الحكومة».
ويترافق ذلك مع «استئناف المجلس الوطني التأسيسي لجلساته وتحديد مهامه ونهاية أشغاله (في غضون أربعة اسابيع)».
يذكر أنّ الحوار الوطني كان قد افتتح في 5 تشرين الأوّل الحالي بالتوقيع على نصّ المبادرة من قبل الأحزاب الممثلة في المجلس التأسيسي والتي قبلت خريطة طريق كمبادرة،.
وفي حين كانت أطراف المعارضة تتوقع تعهداً صريحاً لرئيس الوزراء بالاستقالة في مهلة ثلاثة أسابيع للبدء بالحوار وطني، انطلق اجتماع لمكونات «جبهة الإنقاذ الوطني»، في مقر وزارة حقوق الإنسان، لاتخاذ موقف بشأن ما صرّح به العريض.
بدوره، قال الرئيس المنصف المرزوقي، في كلمة له، أن «السيد رئيس الحكومة أكد لي مرة أخرى أن مبدأ الاستقالة لا رجوع فيه حالما يستكمل المجلس الوطني التأسيسي تعيين اللجنة المستقلة للانتخابات وتعيين موعدها بقانون والانتهاء من الدستور، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحقق تواصل الدولة».
وقتل ستة من عناصر الحرس الوطني، على الأقل، خلال اشتباكات وتبادل لإطلاق النار بين «مجموعة إرهابية» مسلحة وعناصر من الحرس الوطني في منطقة سيدي علي بن عون في ولاية سيدي بوزيد، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء التونسية، ما دفع برئيس الجمهورية إلى الإعلان عن الحداد الوطني لثلاثة أيام.
كما أسفرت الاشتباكات، وفق مصدر أمني، عن مقتل عنصرين من المجموعة المسلحة وإصابة اثنين من قوات الأمن بجروح.
وحاصرت قوات الحرس الوطني، منذ ظهر أمس، أحد المنازل «المهجورة» في المنطقة، حيث تبين أن «عناصر مجموعة إرهابية مسلحة تتحصن به»، وفقاً لمصدر أمني، الذي أضاف أنه «بمجرد وصولهم إلى المنزل المشتبه فيه أطلق عليهم المسلحون النار ما أدى إلى اندلاع اشتباك بين عناصر الحرس والإرهابيين». وذكرت المصادر، وفقاً لوكالة الأنباء التونسية، أن «سيناريو الأحداث يشبه إلى حد كبير ما حدث يوم الخميس 17 تشرين الأول (الحالي) في منطقة قبلاط في ولاية باجة»، حيث سقط قتيلان من الحرس الوطني في اشتباكات مع مجموعة مسلحة.
وتظاهر آلاف التونسيين في تونس العاصمة، أمس، مطالبين بتنحّي الحكومة قبل ساعات من بدء «الحوار الوطني» لإنهاء الأزمة السياسية المستمرة، أساساً، منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز الماضي.
وهتف المتظاهرون، الذين تجمّعوا في ساحة القصبة، حيث يوجد مقر الحكومة، «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ارحل» وأيضاً «تسقط حكومة الخونة»، إلا أن الحشد كان أقل بكثير من التظاهرة التي شارك فيها عشرات الآلاف احتجاجاً على الحكومة في شهر آب الماضي.
وبعد تأخر الكلمة المنتظرة لرئيس الوزراء، دعا كل من القيادي في «نداء تونس» خميس قسيلة والقيادي في «الحزب الجمهوري» اياد الدهماني المتظاهرين في ساحة القصبة إلى الاعتصام، معلنين عن انطلاق «اعتصام القصبة» إلى حين الاستجابة لمطالبهم الداعية إلى استقالة الحكومة وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تشرف على الانتخابات. وترافق ذلك مع قرار النواب المنسحبين من «التأسيسي» التوجه إلى ساحة القصبة للدخول في اعتصام مفتوح حتى استقالة الحكومة.
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد