جرعة أوروبية مكثفة تنقذ أميركا وتنعش أسواق العالم
بدت خطة الإنقاذ الأوروبية، أمس، أكثر تأثيراً على الاقتصاد العالمي من تلك التي أقرها الكونغرس الأميركي قبل أسابيع. ١٣٠٠ مليار يورو، خصصتها حكومات أوروبا لمواجهة الأزمة، كانت كافية لتحسن البورصات العالمية، التي فتحت على ارتفاع بعد الانهيار التاريخي الأسبوع الماضي، في وقت تتجه فيه إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى إقرار إجراءات جديدة، قد تكون على غرار خطة الأوروبيين، للحد من اضطرابات الأسواق.
وبدأت الدول الـ١٥ في منطقـة اليورو تطبيق الإجراءات التـي تـوافـقـت عليها في ختام قمة باريس، أمس الأول، في مسعى لتجنب، بأي ثمن، إفلاس المصارف من خلال دعم رأسمالها، وضمان الدولة للقروض بيـن المصـارف لتحـسين أوضـاع الاقتـصاد.
وكان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أوّل من أعلن عن خطة بلاده، حيث قال، في ختام اجتماع لمجلس الوزراء، ان حكومته قررت تقديم ضمانة للقروض بين المصارف تصل إلى ٣٦٠ مليار يورو، وتخصيص حتى ٤٠ مليار يورو لإعادة تمويل المصارف التي تواجه صعوبات، فيما أكدت الحكومة الاسبانية أنها ستضمن القروض بين المصارف حتى ١٠٠ مليار يورو للعام .٢٠٠٨
ويبدو أن ساركوزي، بموافقته على هذا النوع من التدخل، قد وافق استبدال »العقيدة الأوروبية المالية« التي كان يتمنى أن تعنون الخطة، بعلبة »أفكار عامة« اقترحتها الألمانية انجيلا ميركل لإبعاد شبح فدرالية مالية أوروبية مشتركة، فكان أن تبنت قمة باريس خطة أنكلوساكسونية المنشأ، بعدما أدى رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون صلة الوصل الأساسية بين الخطة الأميركية والأوروبية.
وأعلنت ألمانيا عن خطط مماثلة لمساعدة قطاعها المصرفي بقيمة ٤٨٠ مليار يورو، بينها ٨٠ مليار يورو لإعادة تمويل المؤسسات المالية التي تواجه صعوبات و٤٠٠ مليار لضمان التبادل بين المصارف. وأوضح وزير المالية الألماني بير شتاينبروك أن ضمانات جرى تقديمها لمصرف »هايبو ريل إستيت« لا تشملها حزمة الإنقاذ تلك.
بدورها كسرت الحكومة البريطانية المحرمات، بإعلانها أنها ستضخ ٦٤ مليار دولار في ثلاثة مصارف رئيسية، هي »رويال بنك أوف سكوتلاند« و»أتش بي أو أس« و»لويدز تي أس بي«، وذلك في أكبر خطوة تأميمية في تاريخ البلاد.
وقال رئيس الوزراء البريطاني براون ان الخطة الإنقاذية »غير مسبوقة، لكنها ضرورية لنا جميعاً«، مشيراً إلى أنه »في هذه الظروف الاستثنائية، وفي ظل توقف الأسواق المالية عن العمل، لا تستطيع الحكومة أن تترك الشعب يواجه مصيره وحده«.
في المقابل، أحجمت الحكومة الإيطالية عن تحديد القيمة الإجمالية لخطتها الإنقاذية، حيث اكتفى وزير الاقتصاد جيليو تريمونتي بالقول إنّ حكومته ستقدم »قدر ما يلزم« لمساعدة المصارف، فيما أشار حاكم المصرف المركزي الايطالي ماريو دراغي إلى أن المصرف المركزي سيضع سندات خزينة بقيمة ٤٠ مليار يورو في تصرف المصارف الايطالية لتحسين أوضاعها.
ولعل أبرز ما يميّز هذه الخطط هي أنها تولي أهمية لتسليف المؤسسات مجددا كي تستثمر، والعائلات كي تستهلك، أكثر مما تولي اهتماما مباشرا لمساعدة البورصات والأسواق المالية على امتصاص الخسائر التي أوقعتها المضاربات.
وبعد الانهيار التاريخي الذي حصل الأسبوع الماضي، فتحت معظم البورصات الأوروبية على تحسن، حيث ارتفع مؤشر »يوروفرست ٣٠٠« لأسهم الشركات الأوروبية الكبرى ٩,٢ في المئة ليغلق عند ٩٢٩,٢٩ نقطة معوّضا بذلك خسائر بلغت ٧,٦ في المئة الجمعة الماضي، والتي كانت قد دفعت به إلى أدنى مستوى إقفال في خمس سنوات، فيما سجلت بقية البورصات الأوروبية صعوداً ملحوظاً، حيث ارتفع مؤشر »فايننشال تايمز« في بورصة لندن بنسبة ٧,١ في المئة، ومؤشر »داكس« لأسهم الشركات الألمانية بنسبة ١٠,٨ في المئة، ومؤشر »كاك ٤٠« في بورصة باريس بنسبة ٩,٧ في المئة.
وقادت أسهم الشركات المالية موجة الصعود مع ارتفاع أسهم مصرف »كريدي سويس« ٢٨ في المئة، ومجموعة »آي ان جي« ٢٠ في المئة و»اليانز« ١٤ في المئة، فيما ساهم ارتفاع أسعار المعادن في صعود أسهم شركات التعدين مثل »أنغلو أميريكان« التي ارتفع سهمها بنسبة ١٣ في المئة، و»ريو تينتو« التي ارتفع سهما ١٢,٥ في المئة.
كذلك ساهم ارتفاع أسعار النفط الخام في صعود أسهم شركات الطاقة مثل »بي بي« (١١ في المئة) و»توتال« (١٠ في المئة)، و»رويال داتش شل« (١٠ في المئة).
وعلى غرار البورصات الأوروبية، سجلت مؤشرات بورصة »وول ستريت« ارتفاعاً ملحوظاً، فقفز مؤشر »ناسداك« أكثر من سبعة في المئة، فيما صعد مؤشر »داو جونز« الصناعي لأسهم الشركات الأمريكية الكبرى ٥٤٩,٢٥ نقطة أي ما يعادل ٦,٥٠ في المئة. أمّا مؤشر »ستاندرد اند بورز ٥٠٠« الأوسع نطاقا فارتفع ٦٠,٥٥ نقطة (٦,٧٣ في المئة) مسجلا ٩٥٩,٧٧ نقطة.
من جهته، أكد الرئيس الأميركي جورج بوش أنّ إدارته ستواصل »اعتماد تدابير مسؤولة وحاسمة لتحسين سوق القروض وإعادة الاستقرار إلى الأسواق المالية وضمان النمو«، فيما أعلنت وزارة المالية الأميركية أنها »تعد برنامجا لشراء الأسهم في عدد من المؤسسات المالية«، في حين ذكرت قناة »سي ان بي سي« أنّ واشنطن تعد أيضا خطة لضمان القروض بين المصارف على غرار الخطة الأوروبية.
وعلى غرار بقية البورصات، سجلت البورصات العربية ارتفاعاً كبيراً، مدفوعة بتجدد ثقة المستثمرين، حيث أغلق مؤشر بورصة دبي على تحسن بنسبة ١٠,٥٣ في المئة، كذلك مؤشر البورصة السعودية الذي زاد بنسبة ٩,٤٧ في المئة، فيما ارتفعت البورصات في قطر (٨,٤٥ في المئة) وعمان (٥,١٨ في المئة) والبحرين (٠,٨٢ في المئة) ومصر (٤,٩ في المئة)، بينما انخفضت بورصة الكويت ٠,٢٦ في المئة.
وفي آسيا، ارتفعت بورصات هونغ كونغ (١٠,٢ في المئة)، وشنغهاي (٢,١٠ في المئة) وسيدني (٥,٥٥ في المئة) وسيول (٣,٧٩ في المئة)، فيما أقفلت بورصة طوكيو بسبب العطلة في اليابان.
وعلى عكس الأسواق العالمية، علق التداول في إحدى بورصتي موسكو لساعة بسبب تراجعها بأكثر من ٥ في المئة، في الوقت الذي صادق فيه الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف على قوانين تساهم في استقرار السوق المالية سبق ان أقرها البرلمان الأسبوع الماضي.
إلى ذلك، أغلقت العقود الآجلة للنفط الخام الأميركي على ارتفاع مقتدية بأسواق الأسهم العالمية وصعود اليورو في مقابل الدولار، وتقرير عن تراجع إمدادات النفط السعودية إلى أوروبا في تشرين الثاني المقبل، حيث ارتفع سعر البرميل ٣,٤٩ دولار (٤,٤٩ في المئة) ليتحدد سعر التسوية عند ٨١,١٩ دولارا.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد