جنرال إمريكي يعترف بعدم إمكانية إنهاء المقاومة في العراق
لم يَدُرْ في خلد الجنرال مارك كيميت قط عندما بدأ خدمته في العراق في أواخر عام 2003 أن الحرب التي حقق فيها التحالف الذي قادته الولايات المتحدة نصرا عسكريا على نظام حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين ستقض مضاجعه في ميادين بعيدة عن ميادين القتال والتحام الفرق العسكرية.
إلا أن الضابط الأمريكي الذي سبق له أن عمل نائبا لمدير العمليات وناطقا رسميا باسم الجيش الأمريكي في العراق، يقر حاليا بأن الأشهر العشرة التي أمضاها في العراق علمته أن الانتصار في المعركة من أجل كسب القلوب والعقول في أوساط الرأي العام أمر مهم بقدر أهمية النصر في ميدان القتال العسكري إن لم يكن يفوقه في الأهمية أحيانا.
وقال كيميت في حديث أدلى به لبي بي سي أثناء زيارة له إلى دبي: "يصعب علينا جميعا التعامل مع الطريقة التي انتقل فيها التمرد المسلح ليس فقط من القتال في ميدان من ميادين المعارك، أي الميدان المادي، وإنما إلى القتال في ميدان المعارك المعرفية أيضا".
وأوضح قائلا إن ميدان المعارك المعرفية هو ميدان "لا يقاتل فيه المتمردون بالبنادق والأسلحة، وإنما يقاتلون بالكلمات والصور في مختلف أنواع وسائل الإعلام".
وأقر كيميت بأنه على الرغم من أن الأمريكيين "بارعون جدا في القتال في ميدان المعارك المادي، فإن الجيش الأمريكي ليس بارعا بنفس قدر براعة أعدائنا في القتال في ميدان المعارك المعرفية هذا، وهو ميدان مؤلف من الصور، والكلمات، ووسائل الإعلام والإنترنت".
ورغم إقرار كيميت بصعوبة إلحاق الهزيمة بالتمرد المسلح الذي اشتد عوده منذ أن غادر العراق في صيف عام 2004، فإن الجنرال الأمريكي ما يزال يراهن على عامل الزمن، الذي يبدو أن كافة الجماعات المسلحة في العراق تضع بدورها رهاناتها عليه.
وقال: "أنت لا تلحق الهزيمة بتمرد مسلح. ما تقوم به هو إزالة سبب التمرد المسلح".
وأكد كيميت بأن "القوات المحلية هي الأفضل من حيث القدرة على إنهاء عمليات التمرد المسلح بمرور الزمن".
ومضى قائلا: "الأمر يتطلب أحيانا عقدا من الزمن أو أكثر لكي تنتهي عمليات التمرد المسلح".
وتابع: "ربما نكون بكل بساطة نتوقع نتائج سريعة، ولكن المتمردين يفهمون أن عامل الزمن في صالحهم. ولذا فإن ما سيحاولون القيام به هو إطالة أمد التمرد قدر الإمكان".
إلا أنه استدرك قائلا: "ولكن بمرور الزمن، فإن قوات مكافحة التمرد المسلح، التي تقودها حكومات شرعية تبدي صبرا ومثابرة، عادة ما تنتصر على أعمال التمرد المسلح".
ولا يمكن الحديث عن تصاعد وتيرة أعمال العنف في عراق ما بعد صدام حسين من دون الحديث عن قيام الحاكم الأمريكي السابق للعراق بول بريمر بحل القوات المسلحة العراقية بعد وقت وجيز من سقوط بغداد.
فالكثير من المسؤولين العراقيين والمحللين والمراقبين يعتبرون أن القرار كان خطأ أدى إلى تفاقم دورة العنف المسلح.
ولكن كيميت ما يزال يعتبر أن اضطلاع قوات التحالف بمهام حفظ الأمن في العراق عقب سقوط صدام كان نتاجا لهزال وتفكك القوات المسلحة العراقية حينذاك.
وقال: "إن جزءا من المشكلة يكمن في واقع أنه من دون بنى أمنية عراقية قوية لكي تتولى المسؤولية فإن القوات الأمريكية وقوات التحالف حملت على كاهلها أعباء الأمن في البلاد".
وأنحى الجنرال كيميت بلائمة تدهور الوضع الأمني في العراق "على المتمردين والرافضين الذين رأوا أن بلادهم كانت تتغير إلى رؤية قائمة على الإنفتاح والديمقراطية وأرادوا العودة إلى الطريقة التي كانت عليها الأمور في ظل صدام".
وتكر سبحة المبررات التي يسوقها الجنرال كيميت لتسويغ قرار حل القوات العراقية، حيث رأى أن إحدى النتائج غير المقصودة للقرار هي التخفيف من وتيرة أعمال العنف الطائفية التي يشهدها العراق حاليا.
وقال: "لم يكن هنالك بالفعل جيش يُعتَدّ به لكي يُعاد (إلى الخدمة)".
وأوضح أن السواد الأعظم من عديد القوات المسلحة العراقية "كانوا قد فروا من الخدمة عند تلك النقطة عند نهاية القتال".
إلا أنه استطرد قائلا: "هناك نتيجة غير مقصودة، ومنفعة غير مقصودة، نجمتا عن حل ما كان قد تبقى من الجيش العراقي، وهي واقع أن الجيش العراقي في ظل صدام كان منقسما للغاية على أسس طائفية، ويتعين على المرء أن يتساءل في خضم الجو الحالي المتسم بالتوتر الطائفي عما إذا كان الجيش قد بقي متماسكا لو أنه سُمِح له بالبقاء قيد الخدمة".
وهواجس الجنرال كيميت في شأن دوامة العنف الطائفي التي تعيث في العراق قتلا وتهجيرا وتدميرا، هواجس حقيقية.
فاتساع دائرة هذا العنف، بما يحمله في طياته من تعميق للانقسامات المجتمعية، وتداخلها مع عمليات التمرد المسلح يزيد المشهد الأمني في العراق تعقيدا على تعقيد.
المصدر: BBC
إضافة تعليق جديد