حديث سرفيس

الجمل : الطالب العاثر الحظ كان في طريقه إلى الجامعة عندما داهمته أفكار مأسوية عن مستقبله المجهول، فقد مضى على دراسته الجامعية ما يقارب الثمان سنوات، قضاها كل دفشة بعثرة، حتى وصل أخيراً إلى الحد الفاصل بين التخرج أو الطرد من الجامعة، جلس في المقعد الأمامي ورأسه يضج بتوبيخ والده الذي أخفق حلمه الوحيد بأن يحصل أحد أولاده على شهادة دكتوراه، لم يفلح أي من أولاده بالوصول إلى الجامعة، سوى آخر العنقود الذي بذل لأجله الغالي والرخيص لكن سرعان ما خاب ظنه أيضاً فلم يصل إلى السنة الدراسية الأخيرة إلا بشق الأنفاس، لكن الأب ظل يراهن على اليوم الذي سيؤلف فيه ابنه كتاب، أي كتاب يذيله بالاسم الثلاثي. إنه حلم ولكن لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة. ..غير ان أحلام والده لن تعيد إليه ما ضاع على مدرجات الجامعة وكان من الأفضل أن ينهي خدمة العلم وينصرف لتأسيس حياته.. لقد ضاعت عليه أشياء كثيرة من أجل أحلام والده  منها خسارات متتالية لحبيبات الدراسة اللواتي لم تتبرع ولا واحدة منهن بانتظاره. قاطع تفكيره وتحسره حوار يدور على المقعد الخلفي بين رجلين ربما كانا هما أيضاً مثل والده يحلمون بالدكترة.
الأول : لم الهم، ماذا يعني أنهم لم يقبلوا ابنك في البعثة الدراسية، أنا أعرف شخصاً يدبر لابنك أفضل شهادة دكتوراه وبالاختصاص الذي يريد.
 الثاني: والله أنا أعرف أن هناك أشخاصا يمكنهم أن يدبروا دكتوراه ، لكن هذا يحتاج للمال  وأن تعرف وضعي ؟
  الأول: أخي ألا تستطيع أن تتدبر مبلغ ما بين الـ الخمسين والـ المائة ألف .
الثاني: لكن حسب معلوماتي المبلغ المطلوب أكثر من هذا بكثير؟
الأول: لا أكثر ولا أقل الرجل صاحبنا راح خليه يراعيك..
الثاني: على كل حال سأسأل جارنا عن الموضوع، سمعت أنه جلب دكتوراه بالأدب العربي من ارمينيا واستلم مؤسسة اقتصادية كبيرة بالبلد رح أسأله وشوف كيف دبر حاله.
الأول: أخي لماذا تسأل ؟ لا داعي للإحراج إذا كان ما تقوله صحيح فهو حتماً لن يقول لك أن معي دكتوراه أدب عربي من ارمينيا، خاصة وأنه يدير مؤسسة اقتصادية، يا أخي لا أحد  يسأل مثل هكذا سؤال، وأيضاً لا أحد يسأل عن الاختصاص المهم حرف الدال وأنت تريد إضافة هذا الحرف إلى اسم ابنك فاعتمد علي ولا يهمك.
الثاني: يا رجل المسألة ليس فقط بحرف الدال ممكن كثيراً تكون الدال من كلمة دب .
الأول: لا توجع رأسك حرف الدال إما يكون كبير على صاحبه فيصبح دب، أو أن يكون أصغر بكثير منه فيكون لقب دكتور تحصيل حاصل ولا يعني شيئا لمقام الشخص إذ كان فهيما ومتعلما زيادة عن اللزوم .
الثاني : أفهم منك أنك تريد أن تبيعني شهادة دب .
الأول: يا أخي الاسم من صاحبوا إما يعطيه معنى محترم أو يمسخه؟
الثاني: على كل حال قل أين يتواجد صاحبك مستورد شهادات الدكترة، قد يوافق ابني على الفكرة .
الأول: لا تحتاج لموافقة ابنك، إذا اجتمعت بالرجل فقط أعطه الهوية الشخصية وبعض الأوراق المطلوبة وحدد الاختصاص المطلوب، وهو يتولى باقي الأمور، يعد الدراسة اللازمة بالورشة الخاصة بذلك، ويرسلها إلى واحدة من جامعات أوروبا الشرقية، فيحصل ابنك على الشهادة.، وهذا الرجل يتواجد عادة في الجامع على كتف حارتنا، أنه رجل تقي وورع يعرف الحلال من الحرام ولا يقطع صلاة وإذا قصدته لن يخيب ظنك.
الثاني يردد: تقي.. وورع .. أليس ما يفعله حراماً
الأول: يا رجل إذا كان ما يفعله حرام فهو يكفر عنه بالصلاة (سدي بدي)، وعلى كل حال هذه مساعدة للحالات التي تشبه حالات ابنك وبالنهاية أنت حر، كان من الممكن أن أساعدك فقط لأنك ابن حلال وأعرفك جيداً وابنك يستحق كل خير ولن آخذ منك سوى نصف العمولة التي أتقاضاها عادة.
تفاءل الطالب العاثر خيراً بما سمعه من الحوار وعاد إليه الأمل بتحقيق حلم والده وسيشتري الدكتوراه، ولن يجرؤ والده بعد اليوم على تهديده بالحرمان من الميراث، إذا لم يتخرج أو إذ لم يؤلف كتاباً، وعاد يسأل نفسه بمرارة ترى لما تركني أبي أتعذب بالجامعة وأعاني مع أساتذة جلا جلا، ربما أغلبهم  اشترى دكترته، لماذا لم يختزل أبي الوقت واشترى لي عمري الذي ضيعته لأحصل على شهادة بالإمكان شرائها..؟ أبي وأعرفه بخيل وإلا لما حرمني من السيارة بحجة تقصيري وإهمالي للدراسة .. يلعن البخل شو بذل.