حرصاً على أخلاق العامة طردتا من منتزه الباسل في الحسكة
الجمل – القامشلي – محي الدين عيسو: بابتسامة باردة تقابلان رواد المنتزه، وتتحملان بجلادة وصبر تحرشات ومضايقات لا بد منها في مجتمع محافظ ينظر بريبة لعمل المرأة نادلة في مطعم، سعاد وفريال سيدتان شاباتان دفعهما الفقر والبحث عن لقمة العيش للسفر مئات الكيلومترات ما بين حمص والحسكة، لإيجاد عمل بعيد عن منطقتهما، في منتزه الباسل بمنطقة رأس العين، و اضطرتا لتحمل الظروف السيئة و التعامل المجحف الذي يصل الى حد التجريح بالكلام، لكن كله ذلك يهون ويمكن غض النظر عنه من أجل الاستمرار في عمل شاق ومضني يبدأن من الساعة الثانية بعد الظهر ولغاية الواحدة ليلاً ، يتنقلن بين الطاولات لتلبية طلبات الرواد من طعام وشراب لقاء أجر لا يتجاوز الأ350 ليرة سوريا في اليوم ، مظاهر التعب لا يخفيها شباب متقد بالجمال، والسيكارة التي لا تفارق أصابعهما تستعجل قدوم هرم بائس الى وجهين لم يعرفا سوى البؤس .
وديع صاحب المنتزه أو المستثمر هو أيضاً يتعرض للمضايقة بسبب تشغيل نساء في المنتزه ويقول: أتعرض دائماً لضغط المواطنين والجهات المسؤولة، فاتهم بشكل ما بتسهيل الدعارة، وبإفساد أخلاق الشباب، وانتهاك قيم و مبادئ المجتمع لأخطار الانهيار الأخلاقي!! ويستغرب وديع من ذلك لأنه على قناعة بأن ما يفعله بتوفير فرصة عمل للنساء إنما هو محاولة لتقديم وجه حضاري، وتغيير نمط التفكير في العمل، ويتساءل :ما المانع من عمل الفتاة إذا كانت بحاجة إلى العمل حتى لو عملت في المنتزهات فلو لم تكن الفتاتين بحاجة إلى العمل لما قطعتا مسافة ( 600 ) كم، فأهل المنطقة يرفضون العمل في المنتزهات لأنهم يعتبرون ذلك انتقاص لهم، لذلك نضطر إلى جلب العمال من الخارج وبصراحة نسعى لأن يكون من الجنس اللطيف من أجل كسب المزيد من الرواد.
وينتقد وديع المجتمع الذي يتقبل عمل المرأة في المنزه مشبهاً غرف الفتاتين بغوانتاناموا لأنهما لا تخرجان إلى الشارع أبداً ولا تقومان بأية نشاط اجتماعي وكأنما فرض عليهما العزلة، مع انه لم يصدر أي تصرف عن الزبائن أو عن الذين يعملون في هذا المنتزه وحتى عن العاملتين يسيء إلى الأخلاق. ومع ذلك فالشائعات لا ترحم، ولا نعلم كيف يتم ترويجها وكيف ولماذا تكونت نظرة دونية للمنتزه وللعاملين فيه.
قد يكون عمل المرأة نادلة في مطعم مقبولاً في المدن الكبرى ، وفي المطاعم الفخمة، فهناك الكثير من العاملات في المطاعم والمقاصف وحتى مضيفات الطيران، لكن في مجتمع الجزيرة السورية ذي الطابع "البدوي" ما زال هذا العمل غير مقبول ، بل أن العمل بالخدمة يعتبر عملاً حقيراً للرجل فكيف يقبل هذا العمل للمرأة تقول سعاد : لا نتصرف بما يسيء لأنفسنا أو لغيرنا نحن جئنا من محافظة بعيدة للعمل وكسب لقمة العيش بعرق الجبين، فلو كنا نبغي نوعاً آخر من العمل لكان هذا أسهل بكثير في منطقتنا ، لقد هربنا من الجوع ولم ترحمنا ألسنة الناس، وتتابع قائلة : أنا وفريال متزوجتان ولدينا أربعة أطفال صغار بحاجة لأن يأكلوا، ولم نجد عمل نرتزق سوى هذا العمل ، فلو كانت أوضاعنا المادية جيدة لما جئنا إلى هذا السجن ولا ( علكة بتم الناس ) .
الطفل الصغير ( علي ) ببراءته ركض إلى والدته ( فريال ) يطلب منها تعليمه السباحة فهو يعشق السباحة وتمنى أن يكون في المستقبل سباحاً عالمياً .
أبو سمير معلم في إحدى المدارس من رواد المنتزه وجاء مع عائلته لتمضية بعض الوقت قال : عندما نتخلص من أمراضنا الاجتماعية وننظر إلى العمل برؤية مختلفة نجد إن عمل المرأة أمر عادي ولا يعيبه شي، ما دام الأمر لا ينتهك الأخلاق ولا يحق لأحد أن يمنع المرأة من أي العمل إذا كانت هي مقتنعة به، ومن حقها أن تعيش وتربي أطفالها، ويتابع أبو سمير قائلاً :إذا كانت هناك مضايقات من قبل بعض الزبائن لهم فإن هذا الأمر عادي جداً في مجتمع تتعرض فيه المرأة بشكل عام للمضايقات والتحرشات في الأسواق ووسائل النقل والمطاعم والمنتزهات وأي عمل حتى لو كانت موظفة لدى الدولة فهي معرضة لذلك وهذا الأمر ليس في مجتمعنا فقط وإنما في المجتمعات الغربية أيضاً تتعرض المرأة للتحرش الجنسي.
على طاولة قريبة جلس فريد وخالد ، وكان لهما رأياً في النقاش الدائر حول عمل المرأة نادلة في المنتزه، وكان رأي فريد أن أفضل عمل لسعاد وفريال هو العمل في المنتزهات لأنهما تقومان بتربية أطفالهما أيضاً وهم بصحبتهما، ولا تحتاجان إلى منزل خاص لتقيما فيه فإن عملتا في مكان آخر فتحتاجان إلى من يتولى تربية أطفالهما، وأوضاعهما المادية لا تسمح بذلك وتمنى لو أن هناك قانون خاص يحمي العاملين في المنتزهات والأماكن العامة لحمايتهم من أي أذى أو تحرش قد يصيبهم .
إلا أن خالد اختلف مع فريد في عمل المرأة إذ يقول :أنا لست ضد عمل المرأة بشكل عام ولكن يجب أن تختار الأعمال التي تناسبها من الناحية الجسمانية فعملها في المنتزهات متعب جداً ولا تليق بالفتاة وعليها أيضاً أن تراعي عادات وتقاليد المجتمع الذي تعيش فيه فمن غير المقبول أن تعمل الفتاة في المنتزهات في محافظة الحسكة .
النقاش أو ربما الجدل الاجتماعي الذي دار حول عمل سعاد وفريال في منتزه الباسل وما روج حوله من شائعات لا تستثني العرض والشرف ، حسمت أخيراً لصالح المجتمع الأخلاقي جداً الذي يسمح بممارسة كل أنواع الموبقات من السرقة والتهريب والرشوة وحتى الدعارة .. لكن بالخفاء ، وتم إنهاء عقد الاستثمار للسيد وديع الذي بحجة إفساده أخلاق الشباب، وعدم احترام قيم ومبادئ المجتمع، أما سعاد وفريال فعادتا الى حمص للبحث عن عمل آخر، ومأساة أخرى وربما حيال ذلك لا يمكن أن لأحد في هذا المجتمع الحريص عن الأخلاق أن يحاسبهما إذا سلكتا الطريق الأسهل في الظلام.
الجمل
إضافة تعليق جديد