حسيبة.. الوجه الثائر للمرأة السورية في مهرجان أبو ظبي
أثار الفيلم السوري "حسيبة" الذي عرض في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبو ظبي ردود فعل متباينة، فبينما انتقد البعض انحياز المخرج إلى النص الأدبي على حساب اللغة السينمائية بالإضافة إلى الإطالة، أكد البعض الآخر على أهمية الفيلم وتميزه.
و"حسيبة" مأخوذ عن رواية للأديب السوري المشهور خيري الذهبي تحمل نفس الاسم، وهي جزء من نص أدبي مكون من ثلاثة أجزاء، يصور تحولات المرأة الدمشقية في الفترة الزمنية ما بين عامي 1927 و1950.
واستضاف مهرجان الشرق الأوسط السينمائي في أبو ظبي العرض الأول للفيلم السوري الوحيد المشارك بالمسابقة الرسمية، والذي رأى نقاده أن مخرجه انحاز فيه إلى النص الروائي بشكل أخل في جوانب منه باللغة السينمائية.
وفى المؤتمر الصحفي الذي عقد عقب عرض الفيلم، أوضح كاتب النص الأدبي خيري الذهبي أنه حاول في نصه الأدبي أن يقدم وجها نسائيا إنسانيا لكيفية التعاطي مع الظرف الزماني، ومحاولات الخروج منه.
واستعرض ذلك من خلال امرأة ذات وجهين: خالدية وحسيبة، الأولى لم ترض بالخضوع كنساء عصرها لدكتاتورية الرجل ورفضت أن يكون صاحب الحق الوحيد في قرار الزواج، فطلقت زوجين واختارت الثالث، فعوقبت وهجرها الرجال.
والوجه الآخر للتمرد هو حسيبة التي تمردت على الظرف السياسي، فاندمجت مع الثورة ولكنها انهزمت معها وعادت لتصنع ثورتها الاجتماعية وتخوض مجالات كانت حكرا على الرجال كالتجارة وإنشاء مصنعها الخاص.
وأكد كاتب النص أن مخرج العمل السينمائي السوري ريمون بطرس التزم بالنص الروائي التزاما شديدا و"ربما أكثر مما يجب"، موضحا أنه كان يفضل الاختصار "لإعطاء الدراما السينمائية انطلاقتها أكثر".
وأشار إلى مهارة المخرج في تناول مشاهد الصراع بين حسيبة وابنتها على الرجل الذي نال إعجابهما، وكذلك علاقة حسيبة بزوجها وإدارتها لتجارتها.
ونال أداء الممثلين وخاصة الفنانة السورية سلاف فواخرجي إعجاب النقاد والجمهور، وإن لم ينجح المكياج في إبراز تأثير الزمن والمتاعب التي مرت بها.
ونجح ديكور العمل في استحضاره للمحلية وتصوير الحارة السورية، والذي ذكر عنه مخرجه أنه اضطر لإعادة بناء أحياء كاملة وزرع آلاف أشجار الياسمين، ليحاكي الواقع بعيدا عن القصور التي عادة ما تصور بها الدراما السورية بيوت الفقراء والذي اعتبره "تزييفا للواقع".
وتميز النص كذلك بالابتعاد عن التقليدية في بعض المشاهد كطلب حمدان الزواج من حسيبة، والذي رأى فيه النقاد الاعتماد على ذكاء المتفرج وهو ما "يحسب للمخرج".
في المقابل، أكد النقاد انحياز المخرج إلى النص الأدبي على حساب اللغة السينمائية، بالإضافة إلى الإطالة في بعض مشاهد الفيلم الذي تبلغ مدته 135 دقيقة، علاوة على نهاية الفيلم التي تعددت التعليقات عليها.
فمخرج الفيلم اعتبر أن استمرار عمل آلة دولاب النول رغم موت حسيبة، دليل على استمرارية التقدم والصناعة وبقاء الحلم، لكن الكاتب فضل لو كانت أكثر "رومانسية" وإن كان يؤكد على أدائها للدور المطلوب.
أما الناقد كمال رمزي فقرأها بصورة مغايرة من خلال تحول الإنسان إلى آلة مستمرة في الدوران، وأكد أن الفيلم ظهر كمرثية كبيرة، خاصة مع وجود ست جنازات فيه. كما اعتبر أن المخرج حاول أن يقول الكثير فحمل الفيلم أكثر من طاقته.
لكن رغم هذه الانتقادات، أكد الناقد يوسف شريف رزق الله على أهمية الفيلم في طرحه للنموذج النسائي ونجاحه في لفت اهتمام المشاهد فجعله يتعقب مسيرتها الزمنية الطويلة، بالإضافة إلى دوره في إعطاء فكرة عن المرحلة التاريخية التي يتناولها والتي قلما تدور الأفلام حولها.
ويؤكد رزق الله جرأة الفيلم في تناوله للشخصية الرئيسية بشكل إنساني، فيظهرها ثورية ومتمردة وأيضا عاشقة لرجل في عمر أبنائها، أي أنه لم يظهرها بشكل ملائكي. ولكنه يأخذ على الفيلم وجود العديد من القصص المتفرعة التي كان من الممكن الاستغناء عنها.
وأعرب عن سعادته بوجود مؤسسة لإنتاج هذه النوعية من الأفلام قلما توجد في دول أخرى.
من جهته رأى الناقد طارق الشناوي أن الفيلم رغم جودة فكرته، يفتقر لروح السينما من خلال غلبة الكلام على الفن الروائي السينمائي وهو ما أضعفه.
لكن مخرج العمل دافع عن فيلمه بالقول إنه حاول أن يكون أمينا لروح النص وأفكاره الرئيسية، بإعادة كتابته بلغة وأدوات سينمائية.
وأكد الكاتب خيري الذهبي أنه لا يوجد نص مصور يمكنه الإحاطة بالنص الروائي كله، فالأخير أوسع وأعرض وأشمل، مضيفا أن الرواية يتلقاها كل قارئ بطريقته الخاصة، بينما العمل المصور رؤية واحدة لمخرج واحد وبالتالي يجب أن يرى داخل هذا الإطار.
وشدد على أن مهمة الكاتب تنتهي بتسليم النص الورقي وأنه لا يسأل عن العمل المصور، مؤكدا في الوقت ذاته رضاه "التام" عن الفيلم.
شيرين يونس
المصدر: الجزيرة
إضافة تعليق جديد