خطاب الأسد: عواصم الغرب ترغب بخطاب انبطاح بدلا من الإصلاح
رسم الرئيس بشار الأسد، أمس، «خريطة طريق» لمستقبل سوريا السياسي، سقفها تغيير الدستور، موزعا المسؤوليات بين سلطة وشعب، حين رأى أن المرحلة المقبلة هي مرحلة حوار وطني تشمل جميع الفئات والأطياف وتقرر الوجهة والمهلة الزمنية والمدى الذي ستذهب إليه الإصلاحات في البلاد.
وكان الأسد واضحا في تقديراته الزمنية، التي حددها بين آخر العام في حال تقرر تأجيل انتخابات مجلس الشعب (المقررة صيفا) أو الخريف المقبل في حال لم تتأجل، كسقف لاعتماد البنية التشريعية للإصلاح، والتي تتمثل في قوانين عدة، بينها قانون الانتخابات العامة وانتخابات الإدارة المحلية وقانون الإعلام والأحزاب السياسية، والأهم من كل هذا الدستور الذي يفترض أن يغير طابع الحياة السياسية في البلاد ويدخلها عصرا آخر.
وعلى الفور، دعا البيت الأبيض الأسد إلى اتخاذ «خطوات ملموسة» بشأن وعوده بالإصلاح السياسي، فيما اعتبر الرئيس التركي عبد الله غول ان خطاب الاسد بشان الاصلاح «لا يكفي»، مشيرا الى انه كان ينبغي عليه ان يقول انه سيحول سوريا إلى نظام التعددية الحزبية، وانه سيقود التغيير في البلاد. اما الاتحاد الاوروبي فأعرب عن خيبته ولوح بفرض المزيد من العقوبات على سوريا.
وبدأ الأسد، على مدرج جامعة دمشق، بتحية للجيش والقوى الأمنية، كما للشهداء السوريين من المواطنين وأجهزة الدولة. ورأى أن سوريا لا تملك في ظل «محنتها غير المألوفة» سوى خيار وحيد هو «التطلع نحو المستقبل».
وكان الأسد استهل خطابه بالقول انه لن يناقش الموضوع الخارجي، وإن لفت إلى وجود «مؤامرة» معتبرا أن الأمر طبيعي «بالنسبة للظروف والتاريخ أو السياق التاريخي لسوريا». وأضاف «ماذا نقول عن المواقف السياسية الخارجية الفاقعة بضغطها على سوريا وبمحاولات التدخل في الشأن الداخلي، ليس حرصاً على المواطن السوري وإنما من أجل الوصول إلى ثمن معروف مسبقا».
واعتبر الأسد أن مكونات الأزمة الحالية تتمثل في ثلاث فئات بينها «صاحب حاجات يريد من الدولة تلبيتها» ويمثل هؤلاء الفئة الأكبر، وفئة ثانية من الخارجين عن القانون والمخربين «وهم قلائل حاولوا استغلال الآخرين لمآرب عدة»، وفئة ثالثة «هي الأخطر» موضحا أنها «فئة الفكر المتطرف الديني» حيث رأى أن «العقبة الأولى أمام الإصلاح هي في تطويق هذا الفكر». وشدد على أن التطوير يحتاج إلى الاستقرار، وأنه «لا إصلاح في ظل التخريب»، منوها بأنه من المهم «إصلاح المخربين أو عزلهم للاستمرار في التطوير».
وتحدث عن لقاءاته مع وفود من المواطنين السوريين خلال الأشهر الماضية، مشيرا إلى أن أبرز الهموم ارتبطت «بالفساد والكرامة والهم المعيشي الخدمي». وانتقل بعدها للحديث عن الحوار الوطني باعتباره «عنوان المرحلة الحالية»، مشيرا إلى قرب حصول اجتماع تشاوري بحضور 100 شخصية لوضع المعايير والآليات لمؤتمر وطني شامل للحوار. ودعا إلى إعطاء هذا الجهد «فرصة كي ينجح إذا أردنا مستقبل سوريا»، مشددا على أن «الإصلاح لدينا قناعة مطلقة ويحقق مصلحة الوطن والمواطن»، وأن «ما نقوم به الآن هو صناعة المستقبل» وذلك عبر خطوات ذكر بها، من بينها قانون انتخابات وقانون أحزاب، مذكرا بالمسؤولية الملقاة على عاتق هذه المرحلة كي «يعزز قانون الانتخابات اندماج المجتمع لا تفككه»، وكي يخرج قانون «أحزاب يؤدي إلى وحدة سوريا، ولا يحولها الى كرة يلعب بها الآخرون كما كانت منذ عقود».
كما طرح الأسد للمرة الأولى بالنسبة للسلطة السورية، بشكل علني، موضوع تغيير الدستور أو تعديله للحوار، مشيرا بالتفصيل إلى أن هذه الفكرة تحتاج إلى نقاش، باعتبارها مرتبطة بوجود مجلس الشعب الذي يقوم هو بتصديق التعــديلات الدستــورية. وبين أن هذا الموضوع هو الذي يحدد تقريبا مهل اختتام هذه المرحلة، باعتبار أن تأجيل الانتخابات التشريعية، كما هو مطروح، سيؤدي لتأخر التصديق على الحزم الإصلاحية حتى نهاية العام الحالي، فيما يعني إجراء الانتخابات انتهاء هذه المرحلة مع قدوم الخريف، وذلك في إشارة إلى ارتباط الانتخــابات أيضا باعتماد القانون الجديد من عدمه.
كما نبه الأسد إلى أن الاتفاق على تغيير كامل للدستور خلال الحوار الوطني يعني الحاجة للاستفتاء في سوريا، ما دفعه للتنويه بالحاجة إلى «وجود جدول زمني، فنستطيع أن نبدأ مباشرة الحوار الوطني». وأعلن أنه بصدد تشكيل لجنة للنظر في الدستور تخضع لمهلة زمنية مدتها شهر.
ودعا، في معرض حديثه عن تحديات المرحلة الداخلية، إلى العودة للحياة الطبيعية بما يسمح بعودة الدورة الطبيعية للاقتصاد. ولم يخف الأسد التحدي الذي يمثله الوضع الاقتصادي، ولا سيما بفعل تراجع النمو خلال الأزمة والإنفاق الكبير الذي اعتمدته الدولة ضمن رزمها الإصلاحية. وقال «من المهم الآن أن نعمل جميعاً على استعادة الثقة بالاقتصاد السوري.. أخطر شيء نواجهه في المرحلة المقبلة هو ضعف أو انهيار الاقتصاد السوري، وجزء كبير من المشكلة هو جزء نفسي». وطالب بالعودة «للحياة الطبيعة قدر الإمكان. الأزمة تدمينا نعم... تؤلمنا نعم... تهزنا نعم... تسقطنا على الأرض نعم.. لكن بشرط أن ننهض مرة أخرى بشكل قوي وبعناد من أجل متابعة حياتنا بشكل طبيعي».
ورأى أن «إنجاز الإصلاح والتطوير لا يمثل حاجة داخلية فقط، بل هو ضروري وحيوي من أجل مواجهة تلك المخططات، وبالتالي لا خيار لنا سوى النجاح في المشروع الداخلي كي ننجح في مشروعنا الخارجي، فالضغوط تستهدف دور سوريا المقاوم لمخططات التقسيم الطائفي في المنطقة».
كما تطرق الأسد إلى لجنة التحقيق في مقتل العديد من المواطنين في المواجهات التي جرت، موضحا أن هذه اللجنة تعمل وفق معايير قضائية لا سياسية، وأنها تحتاج إلى أدلة، مشيرا إلى أنها أوقفت بعض الأشخاص في الفترة الماضية. ودعا «المهجرين للعودة إلى مدنهم وقراهم»، معتبرا أن «الجيش موجود من أجــل أمنهم».
وأكد الأسد، في ختام خطابه، أن «الحل سياسي، لأن المشكلة نابعة من مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية»، مشــيرا في الوقت ذاته إلى أن الظرف يفرض نوع الحل و«نحن نرغب بالحل السياسي، ونتمنــى عودة الجيش لثكناتــه والأمن لمكــاتبه ومقراته».
وترك الخطاب ارتياحا عاما ولا سيما لاعتباره يحدد ملامح وزمن المرحلة الانتقالية التي ستقود لتغيير الحياة السياسية في سوريا. وقالت مصادر مقربة من المعارضة لـ«السفير» ان الخطاب بحاجة الآن «لإجراءات سريعة على أرض الواقع تترجم ما تم الحديث عنه»، فيما رأى آخرون «أنه يعبر عن نية صادقة للخوض في الإصلاح، لكن مع الحاجة لإجراءات عملية».
من جهته قال المتحدث باسم التجمع الوطني الديموقراطي حسن عبد العظيم لـ«السفير» ان الخطاب فيه «جوانب إيجابية» وفيه جوانب «لم تتغير». ورأى أن التشديد على العامل الأمني يبقي «الأزمة مفتوحة». كما لاحظ أن الخطاب لم «يعترف بوضوح بوجود أحزاب معارضة وطنية، ودورها في حل الأزمة»، وإن لفت إلى «الإيجابيات التي تمثلت في الحديث عن احتمال إلغاء المادة الثامنة من الدستور وتشكيل هيئة تأسيسية لتعديله، وإجراء انتخابات ديموقراطية وقانون الأحزاب». وقال ان المعارضة الداخلية بدأت العمل على إعداد «وثيقة سياسية» سيتم طرحها على الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية لإقرارها.
وفي سياق متصل، دعت لجان شعبية ومنظمات أهلية ومؤسسات قطاع خاص لتظاهرة تأييد للأسد اليوم في كل من دمشق وحلب واللاذقية ، وتناقلت الشبكة الخلوية دعوات لهذه المسيرة مساء أمس داعية إلى التجمع في ساحة الأمويين وسط دمشق.
وأعلنت «لجان التنسيق المحلية» التي تضم ابرز ناشطي الحركة الاحتجاجية في سوريا استمرار «الثورة» حتى تغيير النظام، معتبرة ان خطاب الاسد «تكريس للازمة من قبل النظام الذي يتمترس وراء الانكار والتعامي عن رؤية الواقع الجديد الذي فرضته ثورة السوريين المستمرة حتى تحقيق مطالبها». واعتبر الحقوقي انور البني ان «الخطاب جاء مخيبا للآمال كحال سابقيه»، مشيرا الى انه «لم يتطرق للمطالب الاساسية للمجتمع وتجاهل ان هناك ازمة سياسية تعصف بسوريا وازمة مجتمع وسلطة وحولها الى ازمة اقتصادية».
وبحث رئيس الحكومة السورية ووزير الخارجية وليد المعلم مع رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كلينبرغر، في دمشق، التطورات في سوريا وما تقوم به الحكومة من اجل إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد وتعزيز مسيرة الإصلاحات. ونظمت السلطات السورية زيارة للدبلوماسيين المعتمدين فيها وأبرزهم السفير الأميركي روبرت فورد إلى مدينة جسر الشغور، حيث تم اكتشاف «مقبرة جماعية» جديدة. وقال مصدر عسكري إن 29 جثة على الأقل تم سحبها من المقبرة الجماعية.
ونقلت وكالة «الاناضول» عن غول قوله، في انقرة، ان خطاب الاسد بشأن الاصلاح في سوريا «لا يكفي». وقال «ان على الاسد ان يكون ايجابيا حيال مطالب شعبه». واضاف «على الرئيس الاسد ان يقول بشكل واضح ونهائي ان كل شيء تغير، وانه سيتم تنظيم كل شيء في اطار ارادة الشعب السوري».
واضاف «علينا ان نقرأ بين السطور في خطابه بينما المطلوب منه ان يقول بشكل واضح وعال سننتقل الى نظام تعددي وسننظم انتخابات ديموقراطية طبقا للمعايير الدولية». وتابع «فور قول الرئيس السوري انه سيقود المرحلة الانتقالية في بلاده سنرى عندها ان الامور ستتغير».
وبعد ساعات من تحذير مستشار الرئيس التركي عبد الله غول، ارشاد هورموزلو في مقابلة مع قناة «العربية» من ان أمام الأسد اقل من أسبوع لتفعيل الإصلاحات السياسية التي وعد بها منذ فترة ويطالب بها المحتجون قبل بدء تدخل أجنبي، أكد هورموزلو أن ما يجري في سوريا هو شأن داخلـي لا دخل لتركيا فيه.
وأضاف ان «تركيا شعرت بالقلق تجاه التطورات في سوريا، وكانت تأمل في أن يتم تنفيذ الإصلاحات بما يلبي مطالب وطموحات الشعب السوري»، مشددا على أن «تركيا ترى أن المطلوب في سوريا هو حل نابع من داخل سوريا نفسها للأزمة التي تشهدها حاليا».
وحذر من أن «القرارات تصدر على الفور بمجرد نقل المشاكل إلى الساحة الدولية، وتصبح هذه القرارات ملزمة للجميع، وبالتالي فإنه سيتعين على تركيا الالتزام بها، وأيضا فإن مبادراتها التي تقوم بها حاليا من أجل إنهاء التوتر في ســوريا ستفــقد الأرضية عندما تصدر مثل هذه القرارات، وهذا ما لا ترغــب تركيا فيه».
وتحدث الرئيس الأميركي باراك اوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وقال البيت الأبيض إن «الرئيسين اتفقا على أن الحكومة السورية يجب أن توقف استخدام العنف الآن، وتطبق سريعا إصلاحات حقيقية تحترم التطلعات الديموقراطية للشعب السوري».
ودعا البيت الأبيض الأسد إلى اتخاذ «خطوات ملموسة» بشأن وعوده بالإصلاح السياسي. وقال المتحدث باسمه جاي كارني، ردا على سؤال بشأن تعهد الأسد بإجراء حوار وطني، «لا أقول إن الكلام لا معنـــى له، ولكنه يحتاج إلى التحــرك بنــاء عليه»، داعيا الى وقــف العنــف ضد المحتجين.
وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند قالت «ما يهم الان هو الأفعال وليس الأقوال»، مضيفة إن «خطابا ليس سوى كلمات». واضافت «ان يواصل الشعب السوري التظاهر كل اسبوع يثبت ان كلمات (الاسد) بالنسبة اليهم غير كافية. ما يريدونه هو افعال».
واعتبر وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني انها «الفرصة الأخيرة» أمام الاسد، فيما اعتبر نظيره البريطاني وليام هيغ انه «إما أن يقود الأسد الاصلاحات الملموسة أو يتنحى جانبا». ومن جهة النتائج، يأتي كلام وزير اللوكسمبورغ، جون أسلبورن، محذرا من «حرب اهلية»، رأى ان سوريا ليست بعيدة عنها إذا استمرت الأزمة.
هذا الكلام كان يستبق الخطاب الذي ألقاه الأسد، وأتى قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في لوكسمبورغ. أما بعد الخطاب فكانت «خيبة الأمل» هي التعبير المتردّد على لسان وزراء اوروبا ومسؤوليها، من هيغ إلى نظيره الفرنسي الان جوبيه الذي اعتبر أن الأسد بلغ «نقطة اللاعودة»، ما أكده إعلان وزراء الاتحاد عن بدء الإعداد لتشديد العقوبات على سوريا.
وأعلن الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف ان موسكو ستستخدم حق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة ضد مشروع قرار مدعوم غربيا يتعلق بسوريا، معتبراً أن قرارا كهذا قد يستغل كغطاء لعمل عسكري، في وقت قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن موسكو ستدعو المعارضة السورية، التي سترسل وفداً إلى روسيا، إلى إجراء حوار مع نظام الأسد.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد