رابندرانات طاغور في ذكرى مولده المئة والخمسين

15-05-2011

رابندرانات طاغور في ذكرى مولده المئة والخمسين

ولد في 6 أيار عام 1811 وبهذه الولادة أزهرت الهند واخضوضرت أشجارها وأعشابها.. جده دوار كانات أي القديس العظيم من أغنياء كلكوتا علمه أبوه القراءة والكتابة ومكامن الجمال كلها ذلك أنه مصلح اجتماعي وديني وأخوه كان كاتباً وشاعراً ومسرحياً وعالماً أيضاً.

في هذا الجو المفعم بالعلم والعمل الصالح والمحبة التي كانت تنثر ظلالها ولد فتى الهند الأول على مر عصور وأزمان جذبه الأدب والشعر فنال جائزة نوبل للآداب عام 1913 وثق بنفسه مثلما وثق بالهند وبشعبها العظيم لذلك قال: سأحطم الحجر وأنفذ خلال الصخور وأفيض على الأرض واملؤها نغماً سأنتقل من قمة إلى قمة سأضحك بملء صدري وأجعل الزمن يسير في ركابي وكل ذلك فعله لأنه امتلك أحاسيس الناس والعصافير المغردة والحرية التي رآها ثقيلة ذلك أن الهند كلها كانت ترزح تحت نار المستعمر الانكليزي وكان يدعو إلى تحرير الهند بالكلمة الطيبة وبغصن الزيتون فرأى في الحرية أنها مناه فقال فيها: ثقيلة هي قيودي والحرية كل مناي وأشعر بخجل وأنا أحبو إليها.. وكان يعتقد أن كل انسان مهما صغر عليه أن يفعل شيئاً في الحياة لذلك قال: (أنر الزاوية التي أنت فيها) ووصف ذات مرة نفسه فقال: أنا هذا البخور الذي لا يضوع عطره ما لم يحرق، أنا هذا القنديل الذي لا يشع ضوؤه ما لم يشعل. ‏

عشق الشاعر الهند وأحب كل ما فيها دافع عن فقرائها وفلاحيها وحتى عن حكامها الانكليز الذين طالبهم بالرحيل دون إراقة الدماء لأن إراقة الدماء هي من سمات الوحوش وليست من سمات البشر المحترمين إنها إحدى صفات الأدغال ولذلك خاطب وطنه قائلاً: إيه يا وطني، أطلب إليك الخلاص من الخوف هذا الشبح الشيطاني الذي يرتدي أحلامك الممسوخة، الخلاص من وقر العصور، العصور التي تحني رأسك وتقصم ظهرك وتصم أذنيك عن نداء المستقبل هذا الصراخ الذي أدى أن تصير الهند بعد صراع مع الجهل الطويل والفقر والتخلف دولة متقدمة خلاقة في الزمن الحاضر. ‏

ورغم اليسر الذي كان فيه إلا أنه فقد حياة الصفاء فماتت أمه صغيرة وصغيراً كان أما أبوه فالتجأ إلى صومعته حكيماً زاهداً يحث على التجرد من الحياة وملاذّها، بينما اتخذ هو من الطبيعة أمه الحنون فالتجأ إليها ككل الشعراء الرومانسيين في تلك الأيام، أحب الحياة وتعلق بها بل شربها نقطة نقطة. وموت الذين يحبهم جعله أكثر نهماً بها لأنه أيقن أنه زائل كغيره لامحالة ولذلك كان عليه أن يترك عليها أثراً لايمحى أبداً وهذا الإحساس وتلك المعرفة ولدا لديه فرحاً ملأ نفسه وحباً غمره ونثره على الناس كلهم ولذلك كان متفائلاً في الحياة لأنه أيقن أن المرحلة التي يعيشها على الأرض هي المرحلة الأولى ولابد من مراحل أخرى، ذلك أن الله عادل ولابد أن يصل إلى الله عن طريق الاتحاد بينه وبين الله والكون، ولذلك اتحد في فكره وفي شعره مع الطبيعة بكل مافيها من أشواك وورود وجبال ووديان إضافة إلى حبه واحترامه للإنسان مهما كان فكره وانتماؤه ولأي طبقة انتمى، ولذلك رأى في العصبية العرقية والقومية والدينية وفي حب الذات أكبر ممزق ومحطم للمدنية المعاصرة لأنها تمضي بالعالم وبالناس إلى الحروب والقتال لذلك يجب أن تزول العصبيات جميعها وأن يشعر العالم بالوحدة الروحية التي تربط أممه بعضها بالبعض الآخر والطريق إلى ذلك واضح وبين وليس من خلال طائرات الحلف الأطلسي وبوارجه التي تدك البلاد الضعيفة فتحيلها إلى دمار وخراب وليس من خلال زرع الفتن والتعصب حتى بين أبناء الدين الواحد فيتحول الفرد إلى مشروع لإزالة حياة أخيه بأي وسيلة كانت، بل بنشر السلام والمحبة والمؤاخاة بين كل الناس في كل أقطارهم وليس في القطر الواحد فحسب، لذلك يمكن القول: إن طاغوراً اعتنق فلسفة قومه ودينه البعيدين عن التشاؤم إذ اعتبر أن قلق الغرب ناجم عن أنهم لايقبلون حقائق الكون الثابتة، أما الهنود فآمنوا بشيء ثابت لانهائي هو الوحدة الروحية، ولذلك عاشوا بكل أحوالهم حالة من السلام الداخلي والأمن، ولذلك كان طاغور يكره الحروب ويدعو إلى السلام العالمي: «هل تلد الأمهات لتطعم القبور» وإلى ذلك آمن بأزلية الحياة، وأن الولادات تتكرر بأشكال مختلفة لذلك فالموت مقدمة لولادة أخرى: «لماذا يئن الطفل إذا نزعت أمه ثديها الأيمن من فمه لتقدم له الأيسر؟». ‏

والخلاصة أنه آمن بالنيرفانا التي هي الهدف الأسمى عند البوذية وتعني التحرر التام عبر كسر دورة الحياة والانبعاث والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها الحياة وهي بعكس الكارما التي هي العقوبات التي ينالها الأشخاص بسبب أفعالهم، فلا خلاص للناس بوجودها وآمن أن الانسان هو أسمى مخلوقات الله ولذلك وجب احترامه وتقديسه لا قتله وتدنيسه والتمثيل بجثته وعلى الانسان الالتزام بالقواعد الخمس التي تشكل أساس الممارسات الأخلاقية للبوذية وهي: الكف عن القتل- الكف عن أخذ مالم يعط له- الكف عن الكلام السيء- الكف عن السلوكيات الحسية المشينة- الكف عن تناول المشروبات المسكرة والمخدرات، وباتباع هذه الأساسيات يمكن القضاء على الأصول الثلاثة للشر: الشهوانية، الحقد، الوهم. ‏

في عام 1941 ماتت الروح العظيمة ولكنها تركت أثراً لن يمحى قط في الهند وفي غيرها من البلدان التي تحترم انسانية الانسان والتي رسخها الشاعر الفيلسوف بأعماله وأفكاره وأمانيه أيضاً. ‏

سهيل الذيب

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...